الحرية – نهى علي:
لم يتم استثمار البحث العلمي في سوريا طوال عقود مديدة، كأداة فعّالة للمساعدة بالنهوض بمختلف البنى الاقتصادية والمجتمعيّة كافّة، وربما يبدو ذلك جلياً من حجم الإنفاق المتواضع على المؤسسات البحثية، وكأن ثمة استهانة واضحة بمنتجات الفكر والعقل السوري، فيما ركّزت دول كثيرة على المؤسسات البحثية في نهوضها، وحقق فتوحات كبيرة يُشهد لها بها.
اليوم نقف على عتبة تنفيذ برامج إصلاح وتطوير بنى الاقتصاد السوري، كأولوية لا تقبل التأجيل على سلّم التراتبيّة الموضوعيّة. والسؤال: كيف يمكننا استثمار البحث العلمي في تطوير اقتصاد هذه البلاد التي باتت بحاجة إلى كل فكرة وكل قيمة مضافة يقدمها أصحاب الرأي والفكر فيها؟.
السؤال وجّهناه للباحث الاقتصادي الدكتور إيهاب اسمندر، الذي بدأ بمقدمة تعكس حجم إلحاح استدراك حالة الانهيار التي يعانيها الاقتصاد السوري.
ولفت إلى أن الضحية الأكبر للسنوات العجاف التي مرت بها البلاد.. هو الاقتصاد السوري، وهذا ما تبينه المؤشرات، فالصادرات في عام ٢٠٢٤ تشكل ٢% فقط عما كانت عليه في عام ٢٠١١، المستوردات في عام ٢٠٢٤ تشكل ٢٣% فقط مما كانت عليه في عام ٢٠١١، أما الناتج المحلي الإجمالي فتراجع من حوالي 60 مليار دولار إلى ما يقارب 8 مليارات دولار خلال الفترة نفسها، ليقع أكثر من 33% من السوريين تحت خط الفقر المدقع، وأكثر من 90% منهم تحت خط الفقر النسبي وما إلى ذلك.
ويرى د. اسمندر في تصريح لصحيفتنا “الحريّة” أن الإجراءات العفوية أو العاطفية، لا تؤدي إلى إنجاز حقيقي في تطوير الاقتصاد السوري أو أنها قد تسبب نتائج جيدة مؤقتاً سرعان ما تتحول إلى نتائج أكثر سلبية مع مرور الوقت.
وهنا تظهر أهمية الجانب العلمي والتقني في ضرورة أن تأخذ دورها المطلوب لإصلاح الاقتصاد السوري وضمان حياة لائقة ومقبولة من السوريين.
هنا يشير الباحث الاقتصادي إلى إطلاق مبادرة علمية (سراج) لإصلاح حالة الاقتصاد السوري، بحيث يصبح تجربة رائدة على مستوى المنطقة والعالم؛ من خلال اتباع منهجيات علمية لتحليل وضعه ورسم الخطة اللازمة في مختلف المجالات لتطويره، مع البرامج التنفيذية المقترحة.
د. اسمندر: المساعدة بإعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس سليمة وصلبة و تبنّي الاقتصاد الحر كخيار استراتيجي
وعن المبادرة، تحدث الدكتور اسمندر، وهو أمين سر مجلس النهضة السوري (باحث رئيسي)، مبيناً أن المبادرة تتم بإشراف الدكتور باتريك مارديني؛ مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق، وتتضمن عدداً كبيراً من الدراسات النوعية والكمية.
وتهدف إلى المساعدة في إعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس سليمة وصلبة، من خلال تبنّي الاقتصاد الحرّ كمسار نحو التنمية والازدهار.
والمساعدة على الانتقال من نظام اقتصادي بلا معالم، إلى نموذج يقوم على اقتصاد السوق الحر، حيث يتمكّن الأفراد والشركات من الازدهار في بيئة منفتحة وتنافسية.
وتركز المبادرة على الاعتماد على السوريين وتمكينهم من قيادة عملية التعافي الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة من خلال تحرير الطاقات الاقتصادية وتعزيز المبادرات الفردية والفرص الاستثمارية.
عبر محاور رئيسية.. وهي تحرير التجارة الدولية من القيود الجمركية وغير الجمركية، ثم تطوير سياسة مالية تنافسية تتماشى مع اقتصاد السوق الحر، إضافة إلى تسهيل ممارسة الأعمال من خلال إطار تنظيمي بسيط وشفاف.
والخروج من التخطيط المركزي عبر تفكيك الاحتكارات العامة، وتمكين المنافسة، وخصخصة المصانع المملوكة للدولة، ومعالجة التضخم الوظيفي في القطاع العام وتعزيز خلق فرص العمل بقيادة القطاع الخاص.
ولا ننسى تعزيز المنافسة واللامركزية في سوق الكهرباء، إلى جانب مساعدة الفئات الأكثر فقراً بالتوازي مع تقليص الأعباء المالية على الخزينة.
وبرأي الباحث اسمندر تشكل هذه الإصلاحات مجتمعة إطاراً يضمن حرية المبادرة، ويعزز الازدهار، ويمهّد الطريق لإعادة بناء اقتصاد سوري حديث.