مثقفون سوريون: نأمل أن تكون وزارة الثقافة موئلاً للجميع على اختلاف مشاربهم!

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية- جواد ديوب:
تحتاج بيئة العمل الثقافي الجديد في سوريا إلى تنفس هواء جديد بعيداً عن مناخ الارتهان لسلطة الحزب الواحد، وبعيداً عن تقزيم وتهميش الأصوات المثقفة النقدية.
صحيفة “الحرية” تواصلت مع بعض مؤسسات وزارة الثقافة، لمعرفة آمالهم عن المستقبل القريب، وكان هذا الاستطلاع.

وزارة الثقافة موئلاً وسنداً!
يقول المترجم الدكتور نايف الياسين مدير عام الهيئة العامة السورية للكتاب: “لا بد، في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ سوريا، من التمييز بين النظام السياسي القمعي الذي حكم البلاد على مدى عقود من الزمن، والإنتاج الفكري والأدبي الذي أبدعه كتّاب سوريون متميزون خلال تلك الحقبة وتركوا أثراً مهماً في الحياة الثقافية السورية والعربية، مثل حنا مينة، وسعد الله ونوس، وممدوح عدوان، وهاني الراهب، وزكريا تامر، وعلي الجندي، وعبد الله عبد، وغيرهم كثيرون، كما ترجم المترجمون السوريون، ونشروا عن طريق الوزارة والهيئة، عدداً كبيراً من الكتب المهمة التي ساهمت في إطلاع القارئ السوري على روائع الأدب والفكر العالميين.”
ويضيف الدكتور الياسين: “خلال عملي في الهيئة، على مدى السنوات الثلاث الماضية، نشرنا كتباً مهمة لقيت اهتماماً كبيراً داخل وخارج سوريا، ولا سيما الكتب المترجمة التي كنا نختارها من أحدث ما تنتجه كبرى دور النشر العالمية في المجالات المختلفة. لكننا كنا نواجه ضغوطاً كبيرة من أولئك الذين كانوا يعتقدون أن الهيئة، بصفتها مؤسسة حكومية، ينبغي أن تكون في خدمتهم، كي ينشروا من خلالها أعمالاً غثة متدنية القيمة الفكرية والفنية. وخضنا في ذلك معارك استهلكت جزءاً كبيراً من جهدنا وطاقتنا.”
ويتابع الدكتور الياسين متحدثاً عن تحدٍ آخر “تمثل في وجود عدد كبير من المبدعين السوريين خارج سوريا بسبب معارضتهم للنظام القمعي البائد، الأمر الذي حرمهم وحرمنا من نشر أعمالهم في سوريا، وهناك أعمال لكتّاب كثيرين كانت وزارة الثقافة قد طبعتها سابقاً، لكن الهيئة مُنعت من توزيعها بسبب معارضة أصحابها لاحقاً للنظام. وهناك صعوبات أخرى تمثلت في ضآلة التعويض المادي الذي يحصل عليه المؤلفون والمترجمون، وتهالك آلات الطباعة التي تملكها الهيئة وعدم القدرة على استبدالها أو صيانتها بالشكل المناسب، إلى أن توقفت تماماً قبل أشهر.”
ويطلعنا الدكتور الياسين على آماله فيقول: أما اليوم، ونحن على أعتاب عهد جديد، فالآمال كبيرة، رغم معرفتنا بصعوبة الأوضاع. ولعل أهم آمالنا هو توفر مناخ الحرية، فلا إبداع ولا ثقافة حقيقية دون حرية. ولتعبّر التيارات الفكرية المختلفة عن أنفسها بالكلمة والحجة، وليس بأي وسيلة أخرى، وليكن التركيز على ما يجمع ويوحِّد، لا على ما يفرّق، ونأمل أن تكون وزارة الثقافة موئلاً وسنداً لجميع المثقفين السوريين على اختلاف مشاربهم.”

الجميع دون إقصاء!
فيما ترى الشاعرة لجينة نبهان التي صدرت لها رواية (في المطار أخيراً) عن سنوات اعتقال أخيها، أن “الاهتمام بالأدب عموماً والشعر على وجه الخصوص هو اهتمام بالحقيقة، واكتراثٌ بفهم الحياة والآخر والمجتمع والوجود، فالأدب مسألة تتجاوز التسلية والمتعة، والشعر يتجاوز كونه شكلاً أدبياً، ليكون وسيلة عميقة لكشف الحقيقة، بطبيعته الكشفية المتجاوزة، المتشظية القادرة على “إضاءة أكثر الأماكن عتمة”.
وتضيف: “ليس لنا إلا أن نأمل بأن يُفسحَ للأدب مناخٌ مفتوحٌ من حرية التعبير، لإزاحة نير التابوهات (المسكوت عنها) التي رزح الواقع الثقافي السوري طويلاً تحتها زمنَ النظام الهارب، مع ضرورة تعديل قوانين النشر والرقابة على المطبوعات، وإعادة النظر في مسألة لجان القراءة -إن كان لا بد منها- بعيداً عن القبضة الأمنية والدينية، وإعادة النظر في شروط الانتساب إلى اتحاد الكتاب العرب، وعدم التحزب لنوع شعري على حساب آخر كما كان يحدث حسب مزاج اللجنة التي تميلُ غالباً للشعر الموزون…مع “ضرورة الحرص على إشراك الجميع دون إقصاء لاعتبارات جندرية أو أيديولوجية”.

مشروع وطني متكامل لثقافة الطفل!
كما حدثنا الأستاذ قحطان بيرقدار مدير منشورات الطفل في الهيئة العامة للكتاب كيف أنه منذ ترأّسَ إدارة منشوارت الطفل أواخر ٢٠٢٠ كانت المعاناة متركزة في قلة التمويل، ولا سيما بعد جائحة كورونا، حيث ارتفعت أسعار الورق والأحبار الطباعية، فتراجع وتقلّص النشر الورقي بشكل كبير، وصار التركيز على النشر الإلكتروني، رغم محاولاتنا المستمرة لزيادة أعداد النسخ القليلة جداً من منشورات الطفل بحيث تصل إلى المحافظات السورية كلها، إذ لدينا إصدارات مهمة مثل: مجلة شامة للطفولة المبكرة؛ وسلاسل مثل أطفالنا علوم، وأطفالنا قصة، وأطفال مبدعون يكتبها طفل ويرسمها آخر، وسلسلة أعلام ومبدعون سوريون، وروايات ودراسات في أدب الأطفال، ومجلة أسامة العريقة والتي كانت نقطة مضيئة وعلامة فارقة انتشرت أيضاَ في أقطار عربية مجاورة منذ نشأتها عام ١٩٦٩ وعمل فيها أدباء ورسامون كبار منهم: زكريا تامر، عادل أبو شنب، دلال حاتم، الفنان ممتاز البحرة ونذير نبعة وأمجد الغازي وقحطان الطلاع وغيرهم، وأنا تشرفت برئاسة تحريرها منذ عام ٢٠١٦ حتى اليوم.
ويشيرُ بيرقدار إلى انخفاض أجور رسامي وكتّاب أدب الطفل، فهي برأيه أقل بكثير مما هو مُستحقٌّ ومتعارف عليه في دور نشر عربية مجاورة، وأنه رغم ضآلة المردود المالي إلا أنهم استمروا في الكتابة بنوع من الشغف الشخصي عند كوادرنا الوطنية المميزة التي بقيت في البلد.
أما بالنسبة للتطلعات والأماني المرجوة من وزارة الثقافة الجديدة، فهي بحسب بيرقدار تنبع من معاناتهم ذاتها، يوضح ذلك بقوله:
“لا بد من التركيز على تفعيل فكرة المشروع الوطني المتكامل لثقافة الطفل، والذي يجب أن تشترك فيه مؤسسات الدولة المعنية كلها، وليس وزارة الثقافة فقط، بل وزارة التربية ووزارة الصحة واتحاد الكتاب العرب ووزارة الشؤون الاجتماعية… فالنشر للأطفال له ضوابط أدبية عالمية التزمنا بها ومعايير تناسب مجتمعنا السوري، أهمها الابتعاد عن السياسة ومتاهات الأيديولوجيات المختلفة والمتضاربة، بحيث يتم بناء شخصيات الأطفال على نحو متوازن في مواجهة غزو إلكتروني ثقافي عبر شبكة النت، مع الاهتمام بالكتب الإلكترونية والبرامج التعليمية والألعاب الفكرية الالكترونية بالاعتماد على كوادر وخبرات باتت معدودة ونادرة في سورية، ويجب ألا ننسى ضرورة زيادة الدعم المالي للأدباء السوريين، ولنستقطب كتاباً ورسامين عرباً أصحاب تاريخ عريق في منشورات الطفل”.

Leave a Comment
آخر الأخبار