مدينة البارة الأثرية.. أكبر المدن التاريخية في الشمال السوري

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – علام العبد
مدينة البارة الأثرية، هي أشهر قرية أثرية في سوريا تقع في جبل الزاوية في محافظة إدلب، وتعد أكبر “المدن التاريخية الميتة” في الشمال السوري، وتمتاز بأبنيتها الفريدة وهندستها المعمارية المميزة، لاسيما أهراماتها الحجرية الضخمة التي استخدمت كمدافن. وكانت المدينة مركزاً تجارياً وصناعياً مهماً في القرون الخامس والسادس الميلاديين، واشتهرت بإنتاج النبيذ وزيت الزيتون.
يقول أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة حلب ومدير مكتب التوثيق الأثري والسياحي في مجلس مدينة أريحا الدكتور مصطفى سماق، تقع مدينة البارة الأثرية على السفح الغربي من جبل الزاوية إذ تبعد عن إدلب /34/ كم وتبلغ مساحتها حوالي /6/كم تغطيها بقايا عدة من الأبنية الأثرية القديمة المتناثرة هنا وهناك والتي يمكن مشاهدتها من أشجار الزيتون الباسقة بين الأطلال وتعتبر البارة اليوم في حالتها الراهنة أكبر مجموعة من الخرائب الأثرية التي تعود إلى العهود الرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية في سورية الشمالية.
وأوضح سماق في تصريح لـ”الحرية” لقد كانت البارة مدينة مهمة في القرن الثاني قبل الميلاد وقد وجد اسمها منقوشاً على حجر عثر عليه في البارة ببناء يسمى الدير وعرفت باسم (كفر البارة) ثم الكفر ثم عرفها مؤرخو العرب باسم (البارة) تدل الدراسات على وجود مقابر إسلامية قديمة ومساجد صغيرة مهجورة ونقوش عربية متنوعة وأقدم بناء فيها يعود إلى العهد الروماني من القرن الثاني بعد الميلاد وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين كانت البارة ضمن قسمها الشرقي الذي عرف فيما بعد باسم الدولة البيزنطية وكانت البارة في العهد البيزنطي تتبع إداريا إلى أفاميا مع أن علاقتها مع مدينة إنطاكية كانت أقوى وأكبر.
وأشار سماق، إلى أنه وفي عام  637 م حرر العرب المسلمون سورية من الحكم البيزنطي وبقي أهل البارة من المسيحيين في مدينتهم ولم يغادروها وتمتعوا في ظل الحكم العربي الإسلامي بامتيازات كثيرة وفي هذه الفترة ازدهرت المدينة وتوسع عمرانها ونتيجة الموقع الهام الذي كانت البارة تتمتع به والازدهار ظل البيزنطيون ومن بعدهم الصليبيون في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي /1098م/ ثم هزموا وطردوا بعد /25/ سنة ولكن العرب تمكنوا نهائياً من إبعاد الأخطار عن البارة وحتى عام /1148/ بقيت البارة تنعم بالحكم العربي ويبدو أن هجرة السكان منها وانهيارها لم يحصل بشكل مفاجئ وإنما حصل بشكل تدريجي وذلك نتيجة لعوامل طبيعة وبشرية من حروب متكررة، زلازل، وغيرها من العوامل.
وعن أهم ما تمتلكه مدينة البارة من آثار تاريخية؟ يقول سماق، ما زالت بيوت السكن في المدينة تحتفظ في أغلب الأحيان على طابقين وهذا يدل على حالة الرخاء التي كان يعيشها سكان المدينة في ذلك الزمان وتزين واجهاتها النوافذ والمحاريب والتيجان والأعمدة والنقوش والزخارف المنفذة بدقة وإتقان، ومعظم البيوت لها أروقة ودهاليز كبيرة إضافة إلى أقبية مقسمة إلى ردهات صغيرة تستعمل لتخزين المؤن كما نجد في بعض الأقبية معاصر للزيت أو النبيذ.
ومن أهم هذه البيوت البيت الذي يعرف باسم دير سوباط أو قصر سوباط وتعطي منازل البارة فكرة عامة عن حياة الأفراد الخاصة في القرن /5-6/ ويلاحظ أن طرق المدينة ضيقة ومرصوفة بالأحجار.
ولفت سماق إلى أنه يوجد في البارة خمسة كنائس هناك واحدة كبيرة تقع إلى الشرق من المدينة ويلاحظ فيها وجود الكثير من الأعمدة والتيجان  والحجارة المتناثرة بقربها وهذا يدل على فخامة هذه الكنيسة وإلى القرب من هذه الكنيسة كنيسة أخرى أصغر حجماً من الأولى وعلى بعد/160/ م إلى الشمال توجد كنيسة أخرى وهي أكبر من الأولى كما توجد هناك كنيستان في المنطقة المجاورة للكنيسة الكبرى وتعتبر الكنائس الثلاثة الأولى من أهم الكنائس الثلاثة الأولى من أهم الكنائس في البارة وهي موزعة بشكل إيواني (بازيليكي).
واعتبر سماق المدافن الحجرية من أهم الآثار المتبقية الملفتة للانتباه وذلك نظراً لكبر حجمها وهندستها المتميزة وتتألف من قاعدة مربعة الشكل مبنية من الأحجار المنحوتة الكلسية وفي جزئها العلوي بني الهرم وتزين الجدران الخارجية لأكبر مدفن موجود في البارة ثلاثة سويات من النتوءات المزخرفة والأصناف التي تلطف ضخامة البناء والتي تزين أجزاءه بما فيها الباب وزخارف على شكل نبات اللبلاب.
وبين سماق أن قلعة أبي سفيان تعد من أقدم القلاع في سورية وإنها خير دليل على أن العرب سبقوا الإفرنج في تشييد القلاع وتقع هذه القلعة في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة ويطلق عليها أهل البارة اليوم اسم البرج ويعتقد بعض الباحثين أنها بنيت في العهد الأيوبي، وأن الفترة الطويلة التي عاشتها المدينة قد أدت إلى تعرض الكثير من أبنيتها للانهيار أما بشكل كامل أو بشكل جزئي وهذه الأجزاء الباقية قد تعرضت للتصدع والتشقق والتآكل لذلك أصبح من الضروري القيام بعمليات الصيانة والترميم لهذه الأبنية

وذلك بالعمل على تقوية الأجزاء القائمة للحفاظ عليها والحيال دون سقوط أجزائها وذلك بتدعيم الأجزاء الضعيفة وربطها إلى بعضها مع تعويض الأحجار المفقودة في المناطق الحساسة جداً فقط.
وهكذا تعدّ البارة بموقعها وآثارها شاهد عيان على ما كانت  عليه المدينة من أهمية تاريخية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية في العهود الرومانية والبيزنطية والإسلامية الأمر الذي جعلها مهوى السائحين المحليين والقادمين من الدول العربية الشقيقة و الأجنبية الصديقة وخاصة وأنها مدرجة ضمن مواقع التراث العالمي، ففي عام 2011 أُدرج جبل الزاوية الذي تقع فيه البارة ضمن قائمة التراث العالمي لـ”يونسكو” .

Leave a Comment
آخر الأخبار