الحرية – إلهام عثمان:
في محاولة لضخ دماء جديدة في شرايين القطاع الصناعي المنهك، أصدر السيد الرئيس أحمد الشرع مؤخراً المرسوم رقم (275) لعام 2025، والذي يقضي بإعفاء المكلفين بضريبة دخل الأرباح الحقيقية والضرائب والرسوم المالية المباشرة الأخرى، ورسم الإنفاق الاستهلاكي ورسم الطابع المالي وإضافاتها العائدة لأعوام 2024 وما قبل من كامل الفوائد والجزاءات والغرامات إذا سددوا المستحقات حتى نهاية آذار 2026، ومن نصف هذه الغرامات إذا تم السداد خلال الفترة الممتدة من نيسان حتى حزيران 2026.
هذه الخطوة، التي طالما نادى بها الصناعيون، تفتح الباب اليوم أمام نقاش اقتصادي معمّق حول جدواها وقدرتها على تحقيق تعافٍ حقيقي ومستدام.
أبعاد المرسوم وتحديات الواقع
الباحثة الاجتماعية – ومديرة معهد متوسط للاقتصاد الأسري م. رنا رنجبال، كشفت أنه لطالما كان الإعفاء الضريبي أداة محورية وفاعلة لجذب القطاع الصناعي في كثير من دول العالم، ومن هذا المنطلق، ترى أنه لا شك فيه أن مرسوم الإعفاء الضريبي رقم (275) لعام 2025 سيسهم في مواجهة بعض الأعباء التي يعاني منها قطاع الصناعة.
وتُذكّر رنجبال بالوضع الكارثي الذي وصل إليه هذا القطاع، والذي كان من أهم ركائز الاقتصاد قبل 2011، حيث أسهمت الحرب المدمرة في انهياره وتدهور البنية التحتية الصناعية، ما أسهم في إغراق السوق السورية بالمستوردات المهربة وبجمرك منخفض كبديل عن المنتج الوطني.
ومع ذلك، تضع رنجبال هذه الخطوة في حجمها الطبيعي، محذرة من المبالغة في التفاؤل، وبأنه لا يمكن القول إن مرسوم الإعفاء الضريبي هو الحل الأمثل على المدى البعيد، ولكن قد يكون جزءاً من الحلول البنيوية اللازمة لإنعاش الاقتصاد السوري، مشيرة إلى أن التحديات أعمق من ذلك بكثير، فـ “هناك تحديات كبرى تشهدها الصناعة السورية المكبّلة بقيود مالية ونقدية كبيرة، وخاصة أن الاقتصاد السوري الآن يصارع بين محاولاته الجادة للانتعاش وبين واقع مالي منكمش”.
وفي جوهره، يعد مرسوم الإعفاء الضريبي خطوة دعم إسعافية بمحاولة جادة من الحكومة لتخفيف القيود عن النشاط الصناعي والإنتاجي، وهي رسالة شراكة فعلية بين الحكومة والصناعيين الهدف منها بداية رسم سياسات اقتصادية تسهم في إيجاد حلول جذرية تسهم في إنعاش الاقتصاد المحلي”.

رنجبال: تحديات كبرى تشهدها الصناعة السورية المكبّلة بقيود مالية ونقدية كبيرة
مبدأ الشراكة
وعن آلية صنع القرار الاقتصادي تشدّد رنجبال على أنه عند صياغة السياسات المالية، لا بد أن تكون مبنية على مبدأ الشراكة الفعلية بين الحكومة من جهة، وبين المنتجين وصناعيي البلد من جهة أخرى، وبالتالي عدم الانفصال عن الواقع، وتضيف إنه من الضروري الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع المالية والسياسية المعقدة التي آلت إليها البلاد بسبب الحرب، وعدم تحميل الانخفاض في الإيرادات الضريبية لأصحاب المنشآت الصناعية المحدودة التي لا تزال تعمل على الرغم من عدم وجود بيئة صناعية مشجعة.
وتلفت رنجبال الانتباه إلى أن المنافسة غير العادلة التي يواجهها المنتج الوطني وخاصة بظل الإغراق الواسع بالمنتجات المستوردة سواء كانت معلومة المصدر أم مجهولة، والتي تجد عند المستهلك رواجاً أكبر لرخص ثمنها، وعلى الرغم من سوء الصنع أو مخالفتها لمعايير الجودة، ومناسبتها للحالة المالية المتردية حال أغلب السوريين نتيجة العقوبات الاقتصادية والبطالة والتضخم وعدم وجود فرص عمل التي خلفتها الحرب السورية.
تمكين دراسة كل حالة واعتماد آلية تحصيل مناسبة لها بما يضمن حق الحكومة بتحصيل الضرائب
نحو امتثال ضريبي طوعي ومستدام
لضمان نجاح أي إصلاح ضريبي، تقترح رنجبال: بأنه يجب على الحكومة إيجاد آليات مرنة تضمن التزام المكلفين بالضرائب عن طريق تشجيع الالتزام الطوعي من خلال التحفيز المستمر من الحكومة، وأن تفصّل هذه الآليات، قائلة: إن التواصل المباشر والتعاون بين سلطات التحصيل الضريبي والمكلفين، والتأكيد على أهمية دفع الضرائب بشكل عادل ومنصف وفق التشريعات الضريبية المناسبة لأرض الواقع الصناعي، يحقق نوعاً من الامتثال الضريبي الطوعي.
كما تدعو إلى حلول عملية تراعي ظروف كل منشأة، مثل تمكين دراسة كل حالة واعتماد آلية تحصيل مناسبة لها، كإتاحة خطط ميسرة تضمن السداد ضمن المهل المحددة بالمرسوم، وبالتالي ضمان حق الحكومة بتحصيل الضرائب المحددة.
إنشاء نظام ضريبي فعّال ومنصف ومتوازن حاجة ملحة ترسخ مبادئ العدالة الضريبية
خلاصة ورؤية مستقبلية
في ختام حديثها تبيّن رنجبال أن مرسوم إعفاء المكلفين بالضرائب والرسوم، يمثل نقطة البداية لمجموعة إجراءات متعلقة بالإصلاح الضريبي بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي والإنتاجي الراهن، وأن الهدف الأسمى هو إنشاء نظام ضريبي فعّال ومنصف ومتوازن، حاجة ملحة ترسخ مبادئ العدالة الضريبية، وبأن هذه الخطوة يجب أن تكون بداية لخطوات لاحقة تسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة وجذب رؤوس الأموال السورية وغير السورية، عن طريق التعاون بين صناع السياسات الضريبية ورجال الاقتصاد في البلد.