خطة ترامب لإنهاء حرب غزة.. محطة تحوّل حرجة ستحدد مسار الصراع القادم

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين سليم الدريوسي:

في ظل التصعيد العسكري المتواصل في قطاع غزة، والذي أسفر عن استشهاد عشرات المدنيين خلال الأيام الأخيرة، برزت مبادرة سياسية جديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب تهدف إلى إنهاء الحرب عبر خطة مكونة من 20 بنداً.
هذه المبادرة أثارت اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، وسط ترحيب فلسطيني وعربي، وتعهد من حركة «حماس» بدراستها «بحسن نية».
وسنحاول في هذا المقال التحليلي، استعراض أبرز ملامح الخطة، وردود الفعل الإقليمية والدولية، ونناقش السيناريوهات المحتملة لمستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ما هي خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة؟

كشفت وسائل إعلام أميركية وعربية عن تفاصيل خطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة، تهدف بشكل رئيسي إلى وقف إطلاق النار بشكل فوري من كلا الطرفين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في القطاع عبر فتح المعابر، مع إشراف دولي على عملية توزيع هذه المساعدات لضمان الشفافية والعدالة.
كما تتضمن الخطة إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين كخطوة لبناء الثقة، وبدء مفاوضات مباشرة بين الأطراف المتنازعة برعاية أميركية، في محاولة لإيجاد تسوية سياسية دائمة لهذا الصراع.
وهذه البنود تعكس رغبة واشنطن في لعب دور الوسيط الفاعل في الأزمة، بعد أسابيع من التصعيد العسكري الذي خلّف دماراً واسعاً في غزة، وأثار موجة غضب دولية متزايدة تجاه السياسات الإسرائيلية، ما دفع الإدارة الأميركية إلى طرح هذه المبادرة كفرصة لإعادة ضبط المسار السياسي في المنطقة.

ترحيب مشروط وردود فعل فلسطينية وعربية متباينة

المبادرة قوبلت بموقف فلسطيني يجمع بين التفاؤل الحذر والاشتراطات الجوهرية، فمن جهة، رحّبت السلطة الفلسطينية رسمياً بالخطة، واصفة إياها في بيان لها بأنها «خطوة إيجابية نحو وقف العدوان الإسرائيلي وحماية المدنيين»، معربة عن أملها في أن تمهد لمسار سياسي جاد.
بينما أفادت مصادر صحيفة، أن حركة «حماس» أبدت انفتاحاً على الخطة، لكنها طلبت مهلة إضافية لدراسة تفاصيلها، في ظل ضغوط مكثفة من دول عربية وإسلامية لإقرار المقترح.
ومن جهة أخرى، أعلنت الحركة أنها «ستدرس المبادرة بحسن نية وبعقلية مسؤولة»، في ظل ضغوط مكثفة من دول عربية وإسلامية لإقرار المقترح، لكنها ربطت أي موقف نهائي بضمانات عملية، مؤكدة في تصريح لناطقها أن «أي وقف لإطلاق النار يجب أن يكون متصلاً وشمولياً، ويؤدي إلى وقف العدوان بشكل كامل، ورفع الحصار الظالم عن قطاع غزة بشكل فوري، وبدء عملية إعادة إعمار حقيقية»، هذا الموقف يعكس الهواجس الأساسية للفصائل الفلسطينية من أن تتحول أي هدنة إلى مجرد «استراحة» للعدو دون معالجة الجذور.
عربياً، شكّلت ردود الفعل الرسمية انعكاساً للتحولات الإقليمية والضغوط الشعبية، حيث سارعت كل من السعودية ومصر والإمارات إلى الإعلان عن دعمها للمبادرة، داعين في بيان مشترك إلى «تبني حل سياسي شامل وعادل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وينهي الاحتلال».
هذا الموقف لم يأتِ من فراغ، فهو يعبّر عن تغير حقيقي في المزاج الإقليمي، حيث شكلت الضغوط الشعبية الهائلة في الشارع العربي، والتي تجلت في مسيرات حاشدة وحملات إعلامية وشعبية غير مسبوقة للمطالبة بوقف العدوان ورفع الحصار، عاملاً حاسماً في دفع الحكومات إلى تبني مواقف أكثر حزماً تجاه القضية الفلسطينية.
كما يُمكن تفسير هذا الدعم في إطار السعي الإقليمي لاحتواء الأزمة ومنع تصعيدها إلى منطقة تعاني بالفعل من عدم الاستقرار.

الموقف الإسرائيلي.. صمت يخفي انقساماً وتحفظات

حتى لحظة كتابة هذا المقال، لا تزال الحكومة الإسرائيلية تلتزم صمتاً رسمياً لافتاً إزاء الخطة، في موقف يخفي خلفه حالة من الجدل والانقسام الداخلي الحاد، فبدلاً من الموقف الموحد، تنقل وسائل الإعلام العبرية عن مسؤولين كبار حالة من «التحفّظ الشديد»، حيث تطرح الأجهزة الأمنية والعسكرية «تحفظات جوهرية» تتمحور حول خشيتها من أن يتحول أي وقف لإطلاق النار إلى فرصة لحركة «حماس» لإعادة تنظيم صفوفها وتعزيز قدراتها القتالية.
وأكدت مصادر عسكرية إسرائيلية لصحيفة «هآرتس» على أن «أي اتفاق يجب أن يضمن تفكيك القدرات العسكرية لحماس بشكل كامل وغير قابل للعودة، وأن يؤمن حدود المستوطنات المحيطة بغزة من أي هجمات مستقبلية».
هذا الصمت الإسرائيلي المحسوب لا ينفصل عن حسابات سياسية بالغة التعقيد، فهو من ناحية، يعكس الانقسام العميق داخل حكومة الائتلاف برئاسة بنيامين نتنياهو، حيث يهدد الوزراء المتطرفون في الائتلاف، مثل إيتمار بن غفير وبيتسلييل سموتريش، بالإطاحة بالحكومة وانسحابهم منها إذا تم تبني أي اتفاق يرونه «متراخياً»، مما يضع نتنياهو في مأزق بين الضغوط الدولية والمحافظة على تحالفه الحكومي الهش.

من ناحية أخرى، يمكن تفسير هذا الصمت على أنه تكتيك لـ «كسب الوقت» ومراقبة تطور الموقف الدولي، فالحكومة الإسرائيلية تترقب بقلق واضح تصاعد وتيرة الانتقادات الأوروبية، والتي بلغت ذروتها مع الإعلان عن استعداد البرلمان الإسباني للتصويت على قرار حظر تصدير السلاح لـ«إسرائيل»، في خطوة قد تكون سابقة يحذو حذوها آخرون.
كما إن التصريحات الناقدة من حلفاء تقليديين مثل الرئيس الأمريكي، الذي حذر من «العواقب طويلة المدى» للعملية العسكرية في رفح، تزيد من عزلة إسرائيل وتضغط عليها لتقديم تنازلات.

هل تمثل الخطة تحولاً في السياسة الأميركية؟

يمثل طرح هذه الخطة علامة استفهام كبرى حول وجود تحول، ولو كان تكتيكياً، في السياسة الأمريكية التي ظلت طوال الحرب تتمسك بموقف الدعم غير المشروط لـ«إسرائيل»، فمواجهة انتقادات دولية وحتى داخلية حادة، خاصة من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، بدأ يفرض على الإدارة مراجعة حساباتها.
لم يعد «الدعم الأعمى» مجانياً من الناحية السياسية، حيث بدأت تكاليفه تظهر على صورة عزلة دبلوماسية وتضرر بالصورة الذاتية للولايات المتحدة كحامل لواء الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لذلك، يمكن تفسير هذه المبادرة على أنها «تصحيح للمسار» الظاهري، فمنذ بداية الحرب، واجهت إدارة ترامب انتقادات حادة بسبب دعمها لـ«إسرائيل»، لكن طرح هذه الخطة قد يشير إلى تحول تكتيكي في السياسة الأميركية، يهدف إلى تهدئة الأوضاع في المنطقة، وتخفيف الضغط الدولي على واشنطن.
كما أن توقيت المبادرة يتزامن مع تصاعد التوترات في مناطق أخرى، مثل تهديدات كوريا الشمالية، والاضطرابات في السودان، ما يدفع الإدارة الأميركية إلى محاولة احتواء الأزمة الفلسطينية قبل أن تتفاقم أكثر.

السيناريوهات المحتملة وتأثير الخطة على الرأي العام

تتراوح السيناريوهات المستقبلية للخطة بين عدة احتمالات، أبرزها إمكانية تحقيق وقف إطلاق نار مؤقت يفتح الباب أمام عمليات إنسانية عاجلة مثل دخول المساعدات وتبادل الأسرى، دون أن يشكل ذلك حلاً جذرياً للصراع. وفي المقابل، لا يمكن استبعاد سيناريو الرفض الإسرائيلي الذي قد يدفع نحو جولة جديدة من التصعيد، مما سيزيد من العزلة الدولية لتل أبيب ويكثف الضغط عليها.
بين هذين الطرفين، يبرز احتمال وسطي يتمثل في دخول الأطراف في جولة جديدة من المفاوضات الطويلة والمتعثرة، والتي ستواجه عقبات تاريخية تتمثل في قضايا جوهرية مثل القدس واللاجئين، ونقص حاد في الثقة بين الأطراف.
أما على صعيد الرأي العام العالمي، فقد نجحت الخطة في إثارة نقاش واسع، حيث تصدرت هاشتاغات على وسائل التواصل الاجتماعي، وانقسمت وسائل الإعلام الدولية بين مؤيد يراها فرصة تاريخية للسلام، ومعارض يعتبرها مناورة سياسية مؤقتة.
هذا الزخم الإعلامي، المقترن بالمشاهد الإنسانية المأساوية من غزة ونقص الأدوية والغذاء، يمنح الخطة زخماً غير مسبوق قد يضغط على الأطراف المعنية للتعامل معها بجدية أكبر، محولاً إياها من مجرد مبادرة دبلوماسية إلى قضية رأي عام عالمية لا يمكن تجاهلها.

خطة ترامب بين فرصة التهدئة وإشكاليات الحل الجذري

على الرغم من الجدل الكثيف الذي يلفها، تظل خطة ترامب أول مبادرة سياسية شاملة تطرح للحوار منذ اندلاع الحرب الأخيرة في غزة، ولا يمكن الجزم بأنها تشكل بداية لنهاية الحرب، بل هي على الأرجح محطة تحول حرجة ستحدد مسار الصراع القادم.
فمن جهة، تمتلك الخطة مقومات تحقيق تهدئة مؤقتة، إذ إن الزخم الإعلامي والدولي المصاحب لها، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الإنسانية الذي أصبح غير محتمل، يخلقان ضغطاً على جميع الأطراف لتقبلها كأرضية لوقف إطلاق النار على الأقل، كما أن حاجة واشنطن إلى احتواء الأزمة، ورغبة بعض الأطراف الإقليمية في استعادة الاستقرار، قد تدفع في هذا الاتجاه.
غير أن تحويل هذه المبادرة إلى نهاية حقيقية ودائمة للحرب يظل رهيناً بتجاوز عدد من العقبات المصيرية، فأي حل مستدام يجب أن يعالج الجذور الحقيقية للصراع، والتي تتجاوز غزة إلى قضايا القدس واللاجئين والدولة الفلسطينية، وهو ما تتعارض معه التحفظات الإسرائيلية المبدئية والانقسام الفلسطيني، كما إن تعقيدات المشهد الإقليمي، واستمرار سياسة فرض الأمر الواقع، وتصاعد التيارات المتطرفة، تقف حائلاً دون تحقيق سلام شامل.
لذا، فإن مستقبل الخطة ليس نتاجاً للنصوص الواردة فيها فحسب، بل هو محصلة لمعادلة متعددة الأبعاد: الإرادة السياسية الفعلية للأطراف، ومدى جدية الضغط الدولي في كسر الحلقة المفرغة للعنف، والأهم من ذلك، قدرة هذه المبادرة على تجاوز العلاج الظرفي لملامسة الجرح التاريخي للقضية الفلسطينية. دون ذلك، قد لا تكون الخطة سوى فصل آخر في صراع طال أمده.

Leave a Comment
آخر الأخبار