الحرية – رنا بغدان:
طالما توسطه “بردى” مزهواً به متوهجاً بأضوائه الفتانة تحيطه الرايات الكبيرة المتراقصة على صوت “فيروز” الصادح للشآم، معلناً انطلاق حدث سنوي على المستويين العربي والأجنبي، حدث ينتظره الناس على تنوع اهتماماتهم الاقتصادية والتجارية والصناعية والثقافية والفنية.. هو “معرض دمشق الدولي” الذي استحق شهرته الواسعة على كل الصعد.
فمع انطلاق دورته الأولى في الأول من أيلول عام 1954 شهد المعرض انطلاق مسرحه الذي يعتبر من أقدم المسارح العربية وقد شكل بوابة فنية مهمة لاستضافته على خشبته كبار نجوم الغناء العربي والعالمي والفرق الفنية المتنوعة، ويُعتبر جزءاً من المهرجان الفني المسرحي المصاحب للمعرض الذي انطلق بعرض أوبرا “عايدة” للموسيقار الإيطالي “فردي”, ولم تتضمن دورة المعرض الثانية عام 1955 أي عرض فني لعدم استكمال بناء المسرح.
وبحسب الباحث عماد الأرمشي فإن المعرض استضاف حينها أحدث ما توصلت إليه صناعة تقنية الأفلام السينمائية الأمريكية وهو ما يدعى “السينراما” التي تعتمد على عرض مادة مصورة بثلاث كاميرات على شاشة بانورامية لتكون سورية أول بلد بعد الولايات المتحدة الأمريكية تُعرض فيها هذه التقنية التي شاهدها آنذاك ما يقارب 100 ألف مشاهد من السوريين والأجانب جاؤوا إلى دمشق بينهم فنانون عالميون. كما ذكر أن استخدام هذه التقنية في المعرض تطلب حينها نقل ما يقارب 12 طناً من المعدات بما في ذلك الشاشة العملاقة بارتفاع 75 قدماً علاوة على تأمين 2000 مقعد في الهواء الطلق ضمن فعاليات مسرح المعرض.
يذكر أنه تم بناء مسرح معرض دمشق الدولي بداية داخل المدينة القديمة للمعارض وسط دمشق الممتدة من جسر فيكتوريا والمتحف الوطني حتى ساحة الأمويين بمحاذاة نهر بردى فكان مسرحاً كبيراً مكشوفاً يتسع لحوالي 1778 شخصاً وكان معروفاً ببرنامج حفلات منظم يسمى “المهرجان الفني المسرحي” الذي تنوعت عروضه بين المسرحيات والحفلات الغنائية والمسرح الراقص، وقد استقطب فرقاً فلكورية مهمة من بلدان عدة كانت مشاركة ضمن أجنحة المعرض لعرض تراث بلادها مثل روسيا وإسبانيا واليابان والصين وهنغاريا ومختلف الدول العربية..
كما شهدت خشبة مسرح المعرض وقوف عمالقة الطرب العربي والأجنبي عليها أمثال أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفيروز وصباح فخري وكاظم الساهر ونصري شمس الدين وصباح وشادية ووديع الصافي ووردة الجزائرية ونجوى كرم ووليد توفيق والفنان العالمي ديميس روسوس.. بالإضافة إلى عروض لأهم الفرق المسرحية كعرض “صقر قريش” والعمل الملحمي التاريخي الكبير “الإلياذة الكنعانية” لفرقة “إنانا” للرقص المسرحي ومسرح غنائي كوميدي لفرقة “شكسبير فور كيدز” وفرق جورجيا وأرمينيا وفنزويلا..
وكانت الحصة الكبرى لـ”فيروز” التي اقترنت فعاليات المعرض بصوتها، حيث قدمت الكثير من أغنياتها وقصائدها إلى جانب مسرحيات الرحابنة ومُنحت على خشبة هذا المسرح وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى وذلك خلال مشاركتها في دورة المعرض عام 1967.
وبحسب “سانا” أنّه على الرغم من أن المسرح كان من الأنشطة الموازية لفعاليات المعرض بكل أيام انعقاده إلا أنه كان يُفتتح قبل أيام المعرض بأسبوعين أو أكثر وتقام عليه العديد من الأنشطة الفنية التي تشكل تمهيداً لعروض المسرح خلال أيامه كما أن أنشطة المسرح تبقى مستمرة بعد اختتام فعاليات المعرض لعدة أيام أخرى.
وفي عام 2003 تم افتتاح المسرح الجديد للمعرض في مدينة المعارض الجديدة التي تقع في الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة دمشق على طريق مطار دمشق الدولي وهو مسرح مكشوف يتم تركيبه خلال فترة المعرض وتقدم مختلف العروض على خشبته.