معرض دمشق الدولي… نافذة الشام إلى العالم ومهرجان للحياة

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية _ حنان علي:
لم يكن معرض دمشق الدولي منذ ولادته الأولى عام 1954 مجرّد فضاء للتجارة والاستثمار، بل كان أقرب إلى قصيدة تُكتب على أرض الشام قصيدة سنوية تمزج بين الاقتصاد والفن، بين التقنيات والأحلام، بين الياسمين ورنين الأسواق. يوم افتتح أبوابه للمرة الأولى في أيلول من ذلك العام، كانت سوريا الخارجة إلى الاستقلال تبحث عن نافذة تليق بتاريخها، فحوّلت دمشق المعرض إلى مرآة حضارية يطلّ منها الشرق على الغرب، والشمال على الجنوب. فكرة وقف وراءها رجالٌ أوفياء من امثال خالد بوظو، أول مدير للمعرض، والشاعر سليم الزركلي، مع عدد من الشخصيات السياسية والتجارية والفنية ممن حوّلوها من حلم على الورق إلى حدث يلمع في ذاكرة الأجيال.
بيد أن  دمشق لم تكن  بحاجة إلى معرض لتثبت أنها مدينة الثقافة. فمنذ بدايات القرن العشرين، أخذت على عاتقها إطلاق شرارات الإبداع، حتى أن أسطورة السينما شارلي شابلن قدّم عام 1932 فيلمه الشهير «أضواء المدينة» في سينما زهرة دمشق، لتصبح العاصمة السورية واحدة من أولى محطات الفن السابع خارج الغرب. ومع ولادة المعرض بعد عقدين، صار المسرح المرافق له منصةً يتطلع إليها الفنانون العرب والعالميون ليقدّموا جديدهم.
على مسرح معرض دمشق 1957 ارتفع صوت أم كلثوم  بأغنياتها «يا ظالمني، دليلي احتار، شمس الأصيل»   وفي العام نفسه، حضر محمد عبد الوهاب بموسيقاه الخالدة باستضافة الرئيس صبري العسلي وحضور الزعيم فخري البارودي. بعدهما باعوام ثلاثة جاءت فيروز، لتجعل من المعرض بيتاً للشام، تقدم فيه على مدى سنوات روائع خالدة: نذكر منها «سائليني يا شآم» الحقتها بعد سنتين باغنيتها  «قرأت مجدك  ثم «شام يا ذا السيف» (1963)، و آخرها كانت «يا شام عاد الصيف» (1976). ومن على الخشبة نفسها، صدح نصري شمس الدين  بصوته الجبلي وغنى عبد الحليم حافظ بعاطفة العندليب الأسمر  أجمل أغانيه.  ولن نغفل عن ذكر  مسرحية “عرس التحدي” التي جمعت ألمع نجوم الفن في عمل مسرحي استعراضي ضخم ضم العملاق وديع الصافي وسميرة توفيق وفهد بلان ومحمود جبر وأكثر من سبعين فناناً وفنانة.
فنٌ لم يكن عربياً وحده؛ فقد عزفت أوركسترا فيينا الدولية عام 1956، كما حلّ المغني العالمي ديميس روسوس ضيفاً مطلع السبعينات على أرض  تتسع لكل اللغات والأصوات.
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حين كان المعرض يستقبل ملايين الزوار في موقعه القديم على ضفاف بردى، بدا كمدينةٍ موازية للعاصمة: أجنحة تنضح بالثقافات، موسيقى النيل، الألوان الآسيوية، أريج التوابل العابرة للقارات و عبق القهوة العربية الأصيلة.
ثمة ولادة جديدة، تؤكدها الدورة الثانية والستون  لمعرض دمشق الدولي ، انطلاقة بعبق التحرير ، وذلك بحلول السابع والعشرين  من آب، حتى الخامس من ايلول باختضان مدينة المعارض الجديدة بمساحتها الشاسعة وفضائها الندي.
لقد اثبت معرض دمشق الدولي عبر الأزمان أنه أكثر من معرض تجاري؛ مهرجان للحياة، تعيد إبانه دمشق تذكير العالم بأنها ليست أقدم عاصمة مأهولة بالتاريخ، بل اعتق عاصمة للروح، مدينة لم تكتفِ بتدوين الجغرافيا، بل كتبت على جدرانها تاريخ الثقافة، داعية العالم ليطلّ عبر مرآتها.

Leave a Comment
آخر الأخبار