مفارقات مدهشة في الأسواق السورية..السلع المستوردة أقل سعراً من “المحلية” وغلاء الخضار يثير التساؤلات..؟

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – نهى علي:
لاتزال مفارقات السوق السورية تصفع المستهلك، منذ سنوات طويلة،
وعلى الرغم من انخفاض أسعار الكثير من السلع الاستهلاكية الذي يمكن ملاحظته خلال الأشهر الأخيرة..إلّا أنّ المفارقة المحيّرة هي ارتفاع أسعار المواد المنتجة محلياً وانخفاض مثيلاتها المستوردة، على الرغم من تكاليف النقل والشحن التي تترتب على المنتجات المستوردة، بما في ذلك أسعار المنتجات الزراعية خصوصاً تلك القابلة للنقل مثل الفاكهة بمختلف أصنافها والحبوب والبقوليات.
هي مفارقات لم يستوعبها المستهلك، ولم يقتنع من يتابع الأمر بالتحليل، المزاعم التي يسوقها التاجر بمختلف الحلقات.

*الحلاق: تباين في سياسات دعم الإنتاج والتصدير تظهر نتائجه على المنتج النهائي

تلف سريع

يعزي محمد الحلاق العضو السابق في مجلس غرفة تجارة دمشق الأمر، إلى أنّ بعض المواد الزراعية معرّضة للتلف بشكل سريع، وحسب فهمنا لوجهة نظره..فإنّ ما يُتلف يجري تعويض قيمته من المستهلك، أي يجري تحميل عبء التلف على الكميات المبيعة للمستهلك.
و يرى الحلاق في إجابته عن تساؤلات “الحريًة”، أنّ هناك موادَّ أخرى هي أولية تستخدم كمدخلات صناعية أو كمود معدة للبيع بشكل  مباشر، لكن ثمة خصوصية للخضار والفواكه واللحوم لجهة ظروف وشروط الحفظ والنقل والتخزين، وهناك أمثلة كثيرة – حسب الحلاق – عن بعض الخضار المعرضة للتلف وتغير المواصفات حتى لو حُفظت و بُرّدت .
ويضرب العضو السابق في ” تجارة دمشق “مثلاً، أنّ أحد التجار حاول تبريد كميات كبيرة من البطاطاعلى أمل أن يرتفع سعرها، وبعد دفع مبالغ لقاء التبريد اضطر إلى بيعها في السوق بسعر بخس بالجملة، لأنها كانت مهددة بالتلف.. وبالتالي ظروف النقل والمكان تتحكم بسعر مختلف السلع وتحديداً الخضار والفواكه واللحوم وذلك بسبب توافرها في محافظات ومناطق محددة من دون الأخرى، فترتفع أسعارها عند نقلها من محافظة إلى أخرى وبالتالي تكون فروق الأسعار كبيرة بين محافظة وأخرى، إضافة إلى أنّ السماد والأعلاف تختلف نفقته من محافظة إلى أخرى وبالتالي عمليات البيع والشراء تختلف .

* تاجر المفرّق يتحوّط من ارتفاعات سعر صرف الدولار فيرفع الأسعار لتفادي الخسارة

مفاجآت غير متوقعة

يشير الحلاق إلى فروقات الأسعار بين عدد من السلع والخضار، منها انخفض سعرها فيما بعضها الآخر ارتفع إلى ما سمّاه الصدمة غير المتوقعة، فمعظم الناس كانت تعمل على أساس القلة وضعف المنافسة، وإحلال بدائل المستوردات ومنع الاستيراد، فكل تلك الاعتبارات كانت متحكمة بالأسعار.. إلى أن جاءت المتغيرات بعد التحرير وتمّ التخلص من تلك القيود والانتقال إلى اقتصاد السوق الحر، وكل شيء بات متاحاً وعاش السوق في حالة الصدمة وعدم التوازن.

* الخضار سريعة التلف والباعة يحمّلون الفاقد للمستهلك

تكاليف

هنا يعدّ الحلاًق أنّ الصناعة تختلف عن التجارة لجهة الكلف المحدودة في التجارة، فيما تدخل في عمليات الصناعة معايير وأسس عدة في الوقت الذي كانت تعاني فيه الصناعة سابقاً من ارتفاع في النفقات وارتفاع الأجور وقلة اليد العاملة الخبيرة، ولكن مع انخفاض سعر الصرف بقيت الأجور على وضعها ولكن كتلة الرواتب أصبحت كبيرة بالنسبة للصناعيين وارتفعت قيمة الرواتب إلى أكثر من 50 بالمئة.
ويشرح الحلاق أنّ لكل صناعة خصوصيتها، ففي بعضها تشكل اليد العاملة أكثر من 80 بالمئة من التكلفة الإجمالية، وهناك صناعات أخرى تكلفة اليد العاملة فقط عشرة بالمئة، لنجد أن حصّة اليد العاملة في صناعة ما من كتلة النفقات والمصاريف والأعباء، و المحروقات و حواملها عموماً بكلفها المرتفعة، تحدد سعر السلعة.
والمشكلة الأهم – برأي الحلاق- هي ارتفاع أسعار الطاقة مع قلة توفرها ما اضطر العديد من أصحاب المعامل للتوجة نحو تركيب ألواح الطاقة الشمسية كبديل عن الطاقة التقليدية وهذا أوجد خللاً وعدم توازن في الأسواق وأسعار السلع .

التجارة مرنة أكثر من الصناعة، من وجهة نظر عضو غرفة التجارة، فتكلفها واضحة فيما تعتري الصناعة نفقات خفية تظهر في المنتج النهائي، وهي مرتفعة لأنها مرتبطة بظروف مختلفة، وهذا يفسّر انخفاص أسعار بعض المنتجات الصناعية.

تنافسية غير متكافئة

يتوقف الحلاق عن المشكلة الأكبر وهي التنافسية غير الكفوءة ومثال ذلك، السلع التركية التي وصلت إلى أسواقنا بمواصفات وجودة متدنية لأن تكلفها بالأساس متدنية وأغلبها غذائية وغير مراقبة صحياً و مجهولة جهة الاستيراد، وغالباً دخلت البلاد تهريباً من دون أي رسوم جمركية فأصبحت تلك السلع منافسة للسلع المحلية ولكن بجودة أقل، إلّا أنّ المستهلك تحول إلى تلك السلع الرخيصة بغض النظر عن الجودة، وبالتالي تلك السلع المهربة أوجدت حالة تشوه وارتباك في الاقتصاد فتراجع الإنتاج المحلي و ارتفعت النفقات والكلف قياساً بالسعر السوقي في منافذ البيع للمستهلك.

شرط الزمن

استقرار الأسواق يحتاج إلى وقت، وفقاً للحلاق، كي يتمكن التاجر من التأقلم مع الوضع الحالي بينما الصناعي وقعت عليه الخسارة ووضعه أقل مرونة من التاجر .
فهو يدعو الصناعيين إلى تغيير ذهنية العمل والتنازل قليلاً عن جزء من الأرباح وإعادة إحياء الصناعة وخلق حالة من التوازن و الاتجاه نحو سياسة البيع الأكثر لضمان الاستمرار في السوق والمنافسة أمام السلع المتدفقة من الخارج، التي غالباً تحظى بدعم تصدير في بلدان المنشأ ويصل أحياناً إلى 15/% .
كما يدعو الحكومة إلى تفعيل هيئة المنافسة ومنع الاحتكار لحماية الأسواق من الإغراق بالمنتجات الخارجية لتمكين الصناعة الوطنية من العمل والقدرة على المنافسة من خلال اللجوء إلى رفع الرسوم الجمركية وتخفيض النفقات على الإنتاج المحلي، معتبراً أنّ الإجراء الذي اتخذته الحكومة مؤخراً بإعفاء المواد الأولية المستوردة الداخلة في الصناعة من رسوم الاستيراد، خطوة إيجابية نحو دعم الصناعة. ولكنه يرى أن التكلفة ليست في المواد الأولية إنما هناك العمالة والطاقة و تفاصيل أخرى غيرها مرتفعة ومكلفة .
هذا إلى جانب ضرورة توفير مستلزمات الصناعة لإعادة إقلاعها للتخفيف من البطالة وتحريك الأسواق وزيادة الدخل الوطني، وخصوصاً أنّ الأسواق تعاني من قلة المبيعات بسبب ضعف القوة الشرائية .

بالعموم يرى الحلاق أنّ الأسعار انخفضت ولكن المشكلة في التنافسية غير الكفوءة.. فالمشكلة الحقيقية في آخر حلقة لأن بائع المفرق يضع نسبة التحوط من ارتفاعات أسعار صرف الدولار المحتملة..
فأساس تداول السلع بين الصناعي والتاجر يجري بالدولار..هذا واقع من دون أن نسلم بأن ما يحدث هو دولرة للاقتصاد.

Leave a Comment
آخر الأخبار