الحرية – يسرى المصري:
التفاهمات السورية التركية بدأت تضع خطوطاً جديدة وترمم الخطوط القديمة لقطار يعيد إلى السكك الحديدية مجدها وألقها .. ويبدو أن عودة الربط السككي بين تركيا وسوريا سيتحقق خلال فترة قريبة، وهي خطوة قد تحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية واسعة لكلا البلدين.
فقد شهد الأول من أيار اجتماعاً بين مسؤولي السكك الحديدية في تركيا وسوريا، ضم الاجتماع الذي يعدّ الثالث من نوعه خلال شهرين، المدير العام للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية، أسامة حداد ونظيره التركي ويسي كورت، إلى جانب فرق فنية مختصة من الطرفين، وأجرى المسؤولون جولة ميدانية لتقييم أوضاع الجسور السككية والمحطات التي تعرضت للتخريب ووضع الخطط لإعادة تأهيلها وتشغيلها، والقيام بجولات ميدانية على امتداد خط غازي عنتاب – حلب.
حيث كانت ومازالت شبكة السكك الحديدية تلعب دوراً أساسياً في جهود تطوير الاقتصاد وتعزيز التعافي، فهي وسيلة نقل فعّالة ومنخفضة التكاليف لنقل الركاب والبضائع عبر مختلف المناطق.
كما يمكن أن تسهم في تحقيق فوائد اقتصادية وإستراتيجية للبلاد المنهكة، كربط مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك والتصدير، وبالتالي دعم التجارة الداخلية والخارجية، ومن المفترض أن تجذب الاستثمار وتوفر فرص عمل وتحفز التنمية المحلية، وقد يكون لها دور في تخفيف الضغط على الطرق، وتعزيز الاستقرار، وفي مراحل لاحقة يمكن أن تكون كشبكة مواصلات داعمة للسياحة.
وكانت السكك الحديدية أحد قطاعات النقل التي تضررت خلال سنوات الثورة السورية، وخرج أكثر من 60 بالمئة من خطوط الشبكة عن الخدمة بسبب عمليات السرقة وقصف قوات النظام البائد للمحطات والخطوط في مختلف أنحاء البلاد، وبالأخص في مناطق الشمال السوري، أما اليوم فقد بدأت ملامح إنعاش النقل بالقطارات تتوضح.
واقع الشبكة
لفت المدير العام للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية، أسامة حداد، في لقاء اعلامي إلى أن “شبكة السكك الحديدية في سوريا تواجه تحديات كبيرة نتيجة الحرب التي طالت البنية التحتية، حيث تضررت أجزاء واسعة من الخطوط والمحطات والجسور بنسبة تفوق 60%، وما تبقى من الشبكة لا يتجاوز عدداً محدوداً من الخطوط القابلة للتشغيل الجزئي، في حين تتطلب النسبة الأكبر عمليات ترميم وإعادة تأهيل شاملة”.
وأضاف حداد “يبلغ الطول الإجمالي للخطوط الحديدية في سوريا 2552 كيلومتراً، والقسم الفاعل منها 1050 كيلومتراً فقط، وإعادة تأهيل الشبكة وتشغيلها قد يفتح أفقاً واسعاً لسوريا”.
وأشار إلى أنّ “إعادة تأهيل الشبكة لن تعيد النشاط الداخلي فحسب، بل سترفع من تنافسية سوريا في نقل البضائع بين شرق أوروبا وغرب آسيا، مُنافسةً بذلك قناة السويس، لما يتيحه النقل البري من خفض تكلفة ومدة الشحن، على عكس النقل البحري الذي يستغرق أوقاتاً طويلة في الشحن، لذا يتم التنسيق مع الجهات المعنية على أعلى المستويات للربط الدولي والإقليمي”.
وعن اللقاءات المتكررة مع مسؤولين أتراك بخصوص تطوير الشبكة في سوريا، قال حداد: “لمسنا من الجانب التركي نشاطاً وتفاعلاً غير مسبوقين في دعم الحكومة لإعادة تأهيل الشبكة، وهم مستعدون لتقديم خبراء وفنيين ومعلومات تقنية لتسريع عمليات التأهيل”.
وأوضح حداد أن “المؤسسة العامة للخطوط الحديدية تجري جولات فنية مشتركة مع وفود تركية متخصصة على خطوط الربط الدولية، بهدف دراسة إمكانية إعادة إنشاء الأجزاء المدمرة أو تفعيلها جزئياً بما يضمن تشغيلها بالحد الأدنى المطلوب في الوقت الراهن”.
وأكد حداد أن سوريا وتركيا ينتميان إلى المنطقة الإقليمية نفسها ضمن الاتحاد الدولي للخطوط الحديدية المؤلف من ست مناطق، ويشرف على هذا الإقليم المدير العام لسكك حديد تركيا، وتعقد اجتماعات نصف سنوية للدول الأعضاء لمناقشة التحديات التقنية والإجرائية، وإيجاد سبل موحدة للمواصفات الفنية وآليات الشحن، بما يضمن تجنب الازدواجية وتقليص زمن التخليص الجمركي، وهذه الأمور تعزز من التكامل السككي الإقليمي.
منافع اقتصادية
وعن الأهمية الاقتصادية التي قد تحققها عمليات تطوير الشبكة وربطها بالخارج، وربما توسعتها في مراحل لاحقة، قال حداد إنّ “الخطوط الحديدية هي بمنزلة العمود الفقري للاقتصاد الوطني، فهي لا تقتصر على نقل البضائع والركاب فحسب، بل تسهم في تخفيض تكاليف التشغيل وتقليل الحوادث المرورية، إضافةً إلى التخفيف من الضغط على الطرقات والازدحام.
وأشار حداد إلى أنّ إعادة الربط السككي مع دول الجوار، ولاسيما مناطق الشمال السوري (مناطق الإنتاج الكثيف والمنوع)، ستفتح آفاقاً واسعة لفرص العمل المحلية، وربط مناطق الداخل السوري ببعضها، وبالأخص المناطق الشرقية حيث تتركز الثروات، ويضيف: “نستطيع إلزام المستثمرين في القطاع بتدريب وتأهيل القوى العاملة من أبناء المحافظات السورية، مع استقدام العمالة التقنية اللازمة فقط، ما يضمن توفير فرص العمل وتنمية مهارات الأيدي العاملة في المشاريع اللازمة لإعادة التأهيل”.
وقال المسؤول السوري إنّ “سوريا لا تمانع تشغيل قاطراتها داخل الأراضي التركية، وقد تمّ طرح هذا المقترح خلال الاجتماعات الفنية مع الجانب التركي، الذي لم يبدِ أيَّ اعتراض من حيث المبدأ، إلّا أن العائق القانوني الحالي المتمثل في القوانين الناظمة التي تمنع عبور القاطرات إلى دولة أخرى مازال قائماً” مشيراً إلى أنّ العمل جارٍ لتجاوز هذه العقبة قانونياً في أقرب فرصة ممكنة.
متى تستعيد الشبكة عافيتها؟
ليس لدى المؤسسة العامة للخطوط الحديدية في سوريا تصور واضح حول الجدول الزمني لعمليات ترميم الشبكة وصولاً إلى مرحلة التشغيل، ويبدو أن الاجتماعات مع مسؤولي السكك في تركيا لاتزال في طور المباحثات والدراسات الميدانية للاطلاع على واقع الشبكة ووضع تصورات مبدئية لوضع خطط الإنعاش..و قال حداد “إنّ المؤسسة لا تمتلك حالياً جدولاً زمنياً معتمداً لهذه المشاريع لعدم إقرار الدراسة المبدئية بعد، ويمكن القول إنه عند اعتماد تنفيذ خطوط الربط الشمالية بطول 225 كم، ستستغرق المراحل الإنشائية والتشغيلية التي تشمل إنشاء وصيانة البنى التحتية والأنفاق والجسور والعبّارات نحو عامين تقريباً”.
وتابع ” التركيز خلال المرحلة الراهنة ينصبُّ على إعادة تفعيل الخطوط القائمة أو التي سبق دراستها، والمتضررة بشكل كبير لما لها من جدوى اقتصادية وتعزيز لربط سوريا مع دول الجوار، وفي المدى المتوسط سيتم طرح ودراسة مشاريع تطويرية تشمل إصلاح السكة وزيادة طولها لتعزيز التنافسية والروابط الإقليمية”.
ويرى حداد أنّ المشروع ذو أهمية إستراتيجية في ظل التوجه نحو إعادة تنشيط الحركة التجارية والسياحية، ليس فقط بين سوريا وتركيا، بل أيضاً مع دول الجوار، في وقت تعاني فيه المنطقة تحديات اقتصادية معقدة، ويعوّل الجانبان على إعادة تشغيل هذا الخط كمحور لتعزيز التبادل والتواصل، واستعادة أواصر الصلة التي كانت تربط الشعبين لعقود طويلة قبل أن تنقطع مع بداية الثورة السورية عام 2011.
جولة ميدانية
وفي جولة ميدانية على مناطق الشمال السوري حيث تتوزع شبكة السكك الحديدة في المناطق القريبة من الحدود مع تركيا، ففي اخترين بريف حلب تبدو المحطة الواقعة على الأطراف الجنوبية الغربية من المدينة في حالة يرثى لها، والبناء المتبقي يحتاج إلى عمليات ترميم وإعادة تأهيل، أما سكة الحديد التي تخترق أحياء المدينة فلا وجود لها إطلاقاً، والحال ذاته في مدينة تل رفعت التي يقطعها خط سكة الحديد القادم من حلب نحو الشمال، أيضاً لا وجود للسكة، لا قضبان حديدية ولا عوارض بيتونية، ما هو متبقٍ بالفعل آثار للسكة.
وكان النقل بالقطارات يشكل النسبة الأكبر من عمليات النقل والشحن في المنطقة الحرة بحلب، والتي تقع على مقربة من قرية الأحداث وسجن حلب المركزي شمال حلب، المنطقة الحرة اليوم شبه مدمرة، ومحطة قطار الشحن الملاصقة للمنطقة طالها قصف جوي سابق لقوات النظام البائد، الذي حوّلها إلى كومة ركام، وتحتاج إلى عمليات ترميم كلية، أما سكة الحديد فقد تعرضت للسرقة بشكل كامل، ولا وجود إلّا لبقايا قاطرات شحن محطمة.
أما خطوط سكة الحديد الخارجة من حلب نحو الساحل، ومن حلب نحو دمشق مروراً بمحطة سنجار شرق إدلب، فحالها كحال خطوط السكة في الشمال، ففي الفترة بين العامين 2016 و2017 تعرضت أجزاء واسعة لسكة الحديد حلب- دمشق للسرقة والتخريب على يد ميليشيات النظام البائد، ، والخط الخارج من حلب باتجاه الساحل خرجت أجزاء واسعة منه عن الخدمة بعدما سرقت السكة، وبيعت (طوناج) لمعامل صهر الحديد، أو استخدمت في عمليات التحصين.
اقرأ ايضاً: