مملكة فينيقية ومعقل للأحرار.. جزيرة أرواد ذاكرة تاريخ ومنارة حضارة

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- نورما الشيباني:
أرادوس التي تغفو في أحضان المتوسط وتغازل مدينة طرطوس متباهية بعظمة أجدادنا.
قديمة قدم التاريخ هي جزيرة أرواد الجزيرة الوحيدة المأهولة بالسكان منذ أيام الفينيقيين وحتى الآن في سوريا، جذورها تعود لـ٥٠٠٠ سنة مضت.
وللإبحار في عمق التاريخ التقت صحيفتنا “الحرية” مع خبير الإرشاد التاريخي الدكتور نزار إبراهيم يونس لتسليط الضوء على هذه الجزيرة الجميلة.

“موقع وتسمية “

إن جزيرة أرواد تقع أمام الساحل الشرقي للبحر المتوسط، على مسافة (3كم) جنوب غرب مدينة طرطوس.
أصل التسمية وبداية الاستيطان: أرواد باليونانية أرادوس Arados))
وآراد بالكنعانية وتعني (الملجأ)، وتوجد أماكن أخرى تحمل هذه التسمية حيث يذكر المؤرخ (استرابون) اسم جزيرة (أرادوس) في الخليج العربي ويقول: فيها معابد تشبه معابد الكنعانيين، وإنّ الذين بنوا أرواد هم من المهاجرين من صيدون وهذا ما يسوّغ أن معناها ملجأ الهاربين.

جزيرة اصطناعية

وتابع يونس موضحاً أن الجزيرة هي جزيرة اصطناعية وليست طبيعية، مكونة من ثلاث جزر، وصلها الكنعانيون لزيادة مساحة اليابسة الصالحة للسكن، وأصبحت تشبه (نصف دائرة غير منتظمة)، قطرها في الشرق وقوسها في الغرب، وتمتد على محور شمالي غربي، جنوبي شرقي، طول الجزيرة (7.5) كم، وعرضها بحدود (4.5) كم، وأكبر ارتفاع للجزيرة هو(14) م.
ازدهرت قرية (أرادوس) في الألف الثاني (ق.م) ثم وقعت تحت نفوذ صور، إلا أنها استقلت عنها وأخذت تنمو وتزدهر وتمتد وتؤسس مستعمرات وتنشئ قرى على الشاطئ لضرورات اقتصادية ودينية ودفاعية عرفت باسم (بنات أرواد) وأسهموا في تأسيس قرية قرطاجة ونشر الحضارة ونقل البضائع وتأسيس القرى.
وتعدُّ انترادوس (طرطوس) أشهر بنات أرواد أي قراهم، ورد ذكرها في رسائل تل العمارنة (مصر)، وفي حوليات ملوك آشور، وأسفار التوراة، وفي النقوش الكنعانية.

نظرة في التاريخ

حكمها الأكاديون في منتصف الألف الثّالث (ق.م) واشتركت في معركة (قادش) مع الحثيّين ضد المصريين في القرن (13 ق.م). ثم ازدهرت (أراودس) بعد سقوط (أوغاريت) على يد شعوب البحر.
خضعت (آرادوس) لحكم الآشوريين، واستعاد الأرواديون معنوياتهم في عام (854 ق.م) حيث اتحدوا مع ملوك سورية إلى جانب ملكي حماة ودمشق الكنعانيين ضد جيش (شلمانصر الثالث) (858-824) ق.م، الذي تمكن فيما بعد من فرض الغرامات عليها، واستعانوا بأسطول أرادوس عام727 ق.م.
حكمها (نبوخذ نصر الكلداني) في عام (604 ق.م).وفي عام 539 ق.م جزءاً من الإمبراطورية الأخمينية الفارسية وغدت الولاية الخامسة، ونمت وازدهرت وضربت النقود الفضية باسمها وسمح لها بممارسة الحكم الذاتي.
اشتركت أرادوس في عام (480 ق.م) في معركة (سلامين) البحرية ودفعت بأسطولها إلى جانب الفرس ضد القائد الأثيني (تيمبستو كليس) وانتصر (الاسكندر المقدوني) على الفرس في معركة (أفسوس) عام (333 ق.م)، وقدّم ابن ملك (أرادوس) الخضوع والطاعة لـ(الاسكندر) وما يلفت النظر أن الاسكندر لم يشأ إثارة حساسية وشعور أهل (أرادوس)، فلم يدخل الجزيرة على الرغم من وجوده في عمريت القريبة منها.
كان لـ (أرادوس) شأن عظيم في النزاع القائم بين السلوقيين والبطالمة وفي عام (259 ق.م)، فمنح (أنطيوخس الثاني) الجزيرة استقلالها ليضمن مساعدة بحريتها وإخلاصها فتمتعت بامتيازات المدينة الحرة.
احتل القائد الروماني (بومبيوس) سورية في عام (64 ق.م) وتحدّد مصير (أرادوس) بذلك إلا أنها حافظت على استقلالها إلى حد ما وتابعت إصدار (تيترادرخمات) (وحدات نقدية).

جزء من الدولة الأموية

مرّ (القديس بولص) في أرادوس وهو في طريقه إلى روما وأعجب بتماثيلها وبشّر سكانها بالدين المسيحي، ثم أصبحت جزءاً من الدولة الأموية عام (45 هـ).
في حقبة الغزو الفرنجي (الصليبي) استخدمت الجزيرة كقاعدة بحرية لأساطيل الدول الإيطالية (بولونية، وجنوة) وأخذت تدعم وتساند فرسان طولوز في عملية الهجوم على تورتوسا واستقر فيها فرسان الهيكل (المعبد) فدعموا تحصيناتها، ثم حاصرها السلطان صلاح الدين الأيوبي في عام (1180 م).
حررها السلطان، المملوكي (قلاوون الألفي) من الفرنجة، وخضعت (أرادوس) لـ (المماليك) وقلّ شأنها وألحقت إدارياً بسنجق طرابلس.
خضعت لحكم العثمانيين في عام (1516م)، ورمّموا قلعتها زمن السلطان سليمان القانوني، وعرفت بـ (أرواد) وكأنه تخفيف أو تحريف واختصار لـ (أرادوس).

معتقل للأحرار

احتلها الفرنسيون عام (1915م) –قبل إبرام معاهدة سايكس بيكو- ثم جعلت فرنسا من قلعتها في مرحلة الانتداب على سورية معتقلاً للأحرار والرجال الوطنيين، وجدت على جدرانه بيتان للشاعر (نجيب الريس):
يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما
ليس بعد الليل إلاّ فجر مجد يتسامى

أرواد حاضراً

ولفت يونس إلى أن أرواد حالياً ناحية تابعة لمدينة طرطوس، يعمل أبناؤها في صيد السّمك والسّفن وصنع المراكب الخشبية.
ومن المعالم الأثرية لأرواد المرفأ الذي يتوضع في الجهة الشرقية ويقسم بواسطة لسين من الصخور الضخمة يعرف باسم (السنسول) حجم بعضها (4-5-6)م3.
والسور والذي بني ليحمى الجزيرة الاصطناعية من الأمواج العالية، أحاط السور بالجزيرة من الشمال والغرب والجنوب، وتأخذ حجارته شكلU ، الحجارة منحوتة بالصخر وبينها فرجة، تتوضع فوق الأول منها الحجارة الضخمة بحدود (15-20) طناً وهناك منطقة مرصوفة بين السور والمدينة يعتقد بأنّها بقايا لمستودعات المرفأ.
والقلعة المركزية التي تتوسط الجزيرة، يصعد إليها بدرج جانبي لضرورات دفاعية، إضافة للبرج الأيوبي (القلعة الساحلية).

الوسوم:
Leave a Comment
آخر الأخبار