من الظل إلى الضوء.. كيف تفوقت فريدا كاهلو على زوجها رسّام الجداريات؟

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – حنان علي:

“أنا لا أرسم الأحلام، بل أرسم واقعي” لأكثر من ربع قرن، رسمت فريدا كاهلو نفسها مراراً، ووجهها تكراراً، وبحبّ نرجسي أطلقت العنان لروحها، سُمرة بشرتها، وأنفاس جسدها المريض.

• لا أرسم الأحلام.. بل أرسم واقعي

قبل ستة عقود في المكسيك، لم يكن رسام الجداريات المبدع والفنان السياسي المخضرم دييغو ريفيرا يدري أن اسمه الذي ملأ الآفاق سيخبو بريقه في وهج فن شريكة حياته.. فكيف استطاعت فريدا كاهلو أن تتجاوز زوجها فنياً؟

تاريخ معذب
من أب ألمانيّ مهاجر، وأمّ مكسيكية ذات أصول هندية ترعرعت فريدا كاهلو في العاصمة المكسيكية، لكن الأقدار لم تترك الطفلة وشأنها فأصابتها منذ باكورة سنواتها بشلل بإحدى ساقيها، ألحقته بحادث أليم تسبب بعرجٍ مستديم وحرمان من الإنجاب، زواجها من رسام الجداريات الشهير دييغو ريفيرا عام 1929 ألقى بأثره في توجّهها نحو الرسم، الزوج الذي مابرح حبيباً رغم الانفصال: “أرى نفسي اليوم ما توقّفت عن حبّك، بل أحبّك أكثر من جلدي، رغم معرفتي بحقيقة مشاعرك، ألست تحبّني قليلاً؟”.

القليل من الارتباط الفني جمع بين كاهلو وريفيرا، فـالزوج المنحدر من عائلة ارستقراطية، المتعلم للرسم في أوروبا، كان أكثر تطوراً من كاهلو ذات الجذور الهندية، والتي ما لبثت تفضل “الجلوس على الأرض في سوق تولوكا وبيع الفطائر من أن يكون لها أي علاقة مع الشخصيات الفنية في باريس”.‏ لكن كاهلو ما انفكت زوجة صالحة، حاولت على الدوام محو الأضواء عن عبقريتها الذاتية في سبيل شهرة زوجها.
وتكمن إحدى مفارقات حياتها في قيام شهرتها على سوء فهم للمساواة بين الجنسين، إذ تسبب تحديقها الصريح وشعر وجهها بمنحها مسحة من السلطة الذكورية التي لم تكن لديها إلى حدٍّ كبير، فيما تجلت المفارقة الثانية بشعورها بالخزي لشهرتها الأوسع من زوجها!‏
”إنها شخص طافحٌ بالدموع وتشرّع قلبها للبوح بما تشعر به” هكذا كان يراها الزوج المدرك لشغفها بالرسم، رغم قضائها سنوات طويلة ملتزمة بسرير متنقل، محدّقة بمرآة ضخمة في سقف غرفتها مجسدة صورتها المنعكسة، مازجة ألوان خيالها مع مأساتها لإنتاج لوحات تحمل في مضامينها الحياة بكل أبعادها.‏

• لا أنا بيكاسو ولا أنت يا ريفيرا بمقدورنا تجسيد الصور الذاتية كما تفعل فريدا

آراء نقدية
“لا أنا ولا أنت بمقدورنا تجسيد الصور الذاتية كما تفعل فريدا». بهذا خاطب بيكاسو زوج كاهلو مبدياً إعجابه بأعمالها. أمّا ريفيرا نفسه، فقد وصف نتاجها الفنّي: بـ” المحبوب والرائع والمبتسم والقاسي حاله حال الحياة”. فيما عبّر كارلوس فوينتس أهمّ روائيي أمريكا اللاتينية عن معاناتها بالقول: «لا أحد من فناني القرن العشرين ناله الألم مثلما نال من فريدا».‏

مثلٌ يحتذى
كآيقونة مكسيكية تشرق كاهلو في معظم لوحاتها، ثابتة خاوية المشاعر، مع حاجبين أسودين ملتصقين، تقدم معاناتها قرباناً من أجل خلاص شعب المايا.

• لن أطلب أن تبقى بجانبي إلى الأبد.. فإذا اضطررت إلى الطلب فسأفقد رغبتي بما أتمناه

“لن أطلب أن تقدر ما أفعله من أجلك، أو تهتم بروحي المتعبة، أو تدعم قراراتي أو تستمع لحكاياتي. لن أطلب أن تبقى بجانبي إلى الأبد. فإذا اضطررت إلى الطلب سأفقد رغبتي بما تمنيه ”
وفي صورتها الذاتية: احتضان حب الكون التي أنجزتها في أربعينيات القرن الماضي، تمثل كاهلو القدرة ذاتها برفقة ريفيرا الطفل بأسطورة خالدة، وقدرة ذاتية على الإنجاب، هذا ما جعل الفنانة أنموذجاً إبداعياً لدى مؤرخي الفن الأميركيين حينما تبنوا المساواة بين الجنسين والتعددية الثقافية أثناء فترة السبعينيات.‏
إنها كاهلو من جعلت من قضية المرأة والرجل والموضوعات المحرمة والحياة المفعمة والمقاومة ممكنة في الفن.‏
بعد حياة صاخبة وتراجيدية رحلت فريدا كاهلو عام 1954 مخلِّفة إرثاً للبشرية يصل إلى 150 لوحة من أجمل اللوحات الموشاة بالحزن والإصرار.

Leave a Comment
آخر الأخبار