من الفرات إلى الأمازون: سوريا تعود إلى الساحة البيئية عبر بوابة العدالة المناخية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – باسمة اسماعيل:

في لحظة فارقة من التاريخ البيئي، تعود سوريا إلى الساحة الدولية من بوابة المناخ، بمشاركتها في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP30، في البرازيل بمدينة بليم، مشاركة تحمل دلالات تتجاوز السياسة إلى رسالة بيئية وإنسانية، مفادها أن العدالة المناخية لم تعد خياراً، بل شرطٌ لبقاء الكوكب ضمن حدود الأمان الحراري 1.5.
وفي هذا السياق، يرى الدكتور رياض قره فلاح أستاذ جغرافية المناخ في جامعة اللاذقية، أن مشاركة سوريا تمثل خطوة نوعية في عودتها إلى المشهد البيئي الدولي، وتؤكد أن تعافي النظم البيئية في الدول المتأثرة بالنزاعات ليس عملاً إنسانياً فحسب، بل جزء من المعادلة العالمية لبقاء الكوكب عند 1.5 درجة مئوية، مبيناً أن هذا الهدف ليس رقماً عشوائياً، بل يمثل الخط الفاصل بين مناخ يمكن التعامل معه، وآخر تخرج تداعياته عن السيطرة. وفي هذا المشهد تبرز سوريا كنموذج حي، للعلاقة الوثيقة بين تحقيق هذا الهدف وتحقيق العدالة المناخية.

رسالة من الفرات إلى الأمازون

وأردف د. رياض قائلاً: إن انعقاد المؤتمر في البرازيل يمثل فرصة فريدة، لتسليط الضوء على الترابط بين النظم البيئية العالمية، فكما أن حماية الأمازون ضرورية لاستقرار المناخ العالمي، فإن إنقاذ نهر الفرات والموارد المائية المهمة الأخرى في سورية والنظم البيئية المرتبطة بها يمثل أولوية لا تقل أهمية.
وأضاف: إنّ مشاركة سوريا في هذا المؤتمر تحمل رسالة واضحة؛ إن دعم التعافي البيئي في الدول المتضررة مثل سوريا، ليس عملاً إنسانياً فحسب، بل هو استثمار في تحقيق الهدف العالمي للحفاظ على ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة.

تغير مناخي متسارع وتحديات متراكمة

وتابع د. رياض: تشير المعلومات المحلية إلى أن سوريا شهدت خلال السنوات الماضية تزايداً ملحوظاً في الظواهر المناخية المتطرفة، من موجات الجفاف الطويلة إلى الفيضانات المفاجئة إلى الحرائق…الخ، ما أثر بعمق على الغابات، الثروة الحراجية، الأراضي الزراعية …الخ، بينما نهر الفرات تراجع منسوبه وتدهورت نوعية مياهه.
كما لفت د. رياض إلى أن وسط هذه التحديات تبرز فرصة حقيقية للمساهمة في الجهود العالمية للحفاظ على ارتفاع الحرارة عند 1.5 من خلال: إعادة إحياء النظم البيئية في سوريا – من خلال إعادة التشجير، وترميم الأراضي الزراعية، وتأهيل الموارد المائية – ليست مجرد أولوية محلية، بل استثمار في الخزان الطبيعي العالمي لامتصاص الكربون.

مؤتمر الأمازون: من التعهد إلى التنفيذ

وأشار أستاذ جغرافية المناخ في جامعة اللاذقية إلى أن مؤتمر المناخ في البرازيل هذا العام يتميز بطابع مختلف عن سابقيه بعدة مزايا تجعله فرصة تاريخية:
أولاً: انعقاده في قلب الطبيعة، في منطقة الأمازون، التي تمثل رئة العالم، ما يضفي مصداقية خاصة على النقاشات، ويدفع نحو قرارات أكثر جرأة.
ثانياً: تركيزه على العدالة المناخية بشكل عملي، من خلال منح دول الجنوب صوتاً أكبر في صنع القرار.
ثالثاً: اهتمامه بآليات التنفيذ المباشرة، وليس فقط التعهدات النظرية.

تمويل عادل للتعافي الأخضر

وأكد د. رياض، لتحقيق هذه الغايات والتوازن المناخي المنشود، تحتاج سوريا إلى دعم عادل ومباشر لتمويل المشروعات المناخية، خاصة في مجال التكيف مع الآثار المناخية، التي أصبحت واقعاً ملموساً، ويمكن لمشاريع كفاءة الطاقة والزراعة المستدامة وإدارة الموارد المائية، أن تشكل ركيزة للتعافي الأخضر الذي يخدم الأهداف المحلية والعالمية معاً.
وأوضح: أنه من دون شراكة حقيقية في التمويل والتنفيذ، تبقى العدالة المناخية شعاراً أكثر منها التزاماً فعلياً.

خارطة طريق سورية نحو المناخ العالمي

ونوه بأنه يمكن لسوريا أن تقدم في المؤتمر رؤية متكاملة ترتكز على:
برامج عملية للتكيف مع الآثار المناخية، ومشاريع لإعادة التأهيل البيئي، وخطة للتحول نحو الطاقة المتجددة.
كما يمكنها عقد شراكات مع الدول النامية، التي تواجه تحديات مماثلة، لتشكل قوة تفاوضية جماعية تدعم تحقيق متطلبات العدالة المناخية. فهذه الخطوات تضع سوريا في موقع المساهم الفاعل في الحل، لا المتلقي للمساعدات.
واختتم الدكتور رياض قره فلاح حديثه بالقول: إنّ الهدف الطموح للحفاظ على ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة، لن يتحقق إلّا من خلال اعتماد نهج عادل وشامل، وإن دعم سوريا في تعافيها البيئي وتمكينها من مواجهة التحديات المناخية ليس خياراً، بل ضرورة لتحقيق الاستقرار المناخي الإقليمي والعالمي، فإما أن ننجح معاً في تحقيق هذا الهدف، أو نتحمل معاً عواقب الفشل.

Leave a Comment
آخر الأخبار