مور وكوبر في سوريا.. زيارة تاريخية في زمن التحولات الكبرى.. ماذا حملا لدمشق وبماذا ‏عادا؟

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين الدريوسي:

في خطوة غير مسبوقة، وفي خضم المشهد السوري المعقد والمتشابك، حيث تتداخل السياسة ‏بالدين ‏والإنسانية، برزت زيارة القس الأمريكي جوني مور‎ ‎والحاخام أبراهام كوبر‎ ‎إلى دمشق ‏كحدث ‏يستحق التحليل الدقيق، إذ يبدو في ظاهره دينياً لكنه يحمل في باطنه أبعاداً سياسية ‏عميقة، ففي ‏الوقت الذي لا تزال فيه سوريا تعاني من تداعيات الحرب وتواجه تحديات جمة،‏ ‏أثارت هذه الزيارة اهتماماً واسعاً وتساؤلات حول أهدافها الحقيقية، وأبعادها السياسية والدينية، ‌‏وتأثيراتها المحتملة على مسار الأحداث في سوريا والمنطقة، حيث التقيا بالرئيس أحمد الشرع، ‏ولم ‏يكن الهدف الأساسي من الزيارة مناقشة العلاقات مع «إسرائيل»، لكن الموضوع خلال ‏اللقاء كان ‏قد طُرح خاصة موضوع السلام، حيث عبّر مور عن اعتقاده بأن «السلام ممكن ‏جداً» ‏ولاسيما أن الرئيس الشرع يمتلك مقومات قيادية متميزة تمكنه من صياغة أجندة جديدة ‏للسلام في المنطقة.‏

ومن تحليل السياق السياسي الراهن، فإن هذه الزيارة تعكس روح البحث عن بدائل ‏وسبل تجاوز ‏السيناريوهات التقليدية المعتمدة على المواجهة المباشرة، فقد سادت في السنوات ‏الأخيرة حالة ‏من الجمود الدبلوماسي في بعض القضايا الإقليمية، ما دفع بعض الجهات إلى تبني ‏إستراتيجيات ‌‏«الدبلوماسية الناعمة» وهنا يأتي دور الشخصيات الدينية التي تمتلك وزناً رمزياً ‏وإمكانية ‏التأثير على المواقف الشعبية، سواء داخل سوريا أو بين الدول المحيطة، إذ يُعدّ كلٌّ من ‏القس ‏مور والحاخام كوبر رمزين لتيارات ثقافية ودينية مختلفة، ومع ذلك، يلتقيان على أرض ‏دمشق ‏في إطار تعاون يسعى إلى إعادة رسم معالم الحوار وتجاوز الصور النمطية التي طالما ‏قسمت ‏المشهد السياسي والاجتماعي في المنطقة.‏

‏- الخلفية التاريخية

ولفهم دلالات الزيارة، لا بدّ من العودة إلى الخلفية التاريخية المعقدة لسوريا، فمنذ اندلاع الأزمة ‏في ‏سورية عام 2011، شهدت البلاد صراعاً دامياً أودى بحياة مئات الآلاف، وتسبب في نزوح ‌‏الملايين، وتدمير البنية التحتية، ورغم استعادة الحكومة السورية الجديدة السيطرة على ‏معظم ‏الأراضي السورية، إلّا أن البلاد لا تزال تعاني من تداعيات الحرب، بما في ذلك الأزمات ‌‏الاقتصادية والإنسانية، بالإضافة إلى استمرار وجود قوى أجنبية على الأراضي السورية.‏

‏- الأبعاد الدينية والتضامن ‏

قد يثير حدث الزيارة تساؤلات حول كيفية استغلال القوى الناعمة في السياسة الحديثة، ودور ‌‏الأديان في تجاوز الانقسام والحث على اللجوء للحوار، كما يمكن استلهام نتائج هذا اللقاء لتقديم ‌‏نموذج يُحتذى به في مبادرات السلام الأخرى في الأزمات العالمية، فالمستقبل يحمل الكثير من ‌‏المفاجآت في لعبة المصالح التي تتحرك في الظل؟.. ومن هنا تظل الحاجة دائماً إلى تحليل ‏عميق ‏ومستمر حول هذه التحولات في معالم عالمنا السياسي والثقافي.‏

من الواضح أن الزيارة تحمل أبعاداً دينية وإنسانية، فزيارة أماكن العبادة المسيحية واليهودية في ‌‏دمشق، تعكس رغبة في إظهار التضامن مع المجتمعات المسيحية واليهودية في سوريا، كما أنّ ‏هذه الزيارة قد تكون مرتبطة بتقديم ‏مساعدات إنسانية أو دعم للمنظمات العاملة في سوريا، في ‏ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة، التي ‏يعيشها سواد الشعب السوري، ومع ذلك، يجب عدم إغفال ‏أن هذه الأبعاد الدينية والإنسانية قد تكون ‏بمثابة غطاء للعديد من الأهداف الأخرى.‏

‏- الأبعاد السياسية ولعبة المصالح ‏

من الناحية السياسية وهي الأكثر إثارة للجدل، تحمل هذه الزيارة دلالات متعددة منها:‏

‏-‏ تعزيز قنوات التواصل غير الرسمية، حيث يأتي الدور الدقيق للشخصيات الدينية في فتح ‌‏الأبواب أمام حوارات غير رسمية التي يمكن أن تسهم في صياغة مبادرات سلام، فقد يكون ‌‏هدف الزيارة اختبار الأجواء السياسية، وقياس إحساس الأطراف الكبرى والداخلية بإمكانية ‌‏دخول مرحلة جديدة من العلاقات المتوازنة.‏

في ظل العزلة الدولية التي تعانيها سوريا، قد تفسر الزيارة على أنها محاولة لتخفيف ‏هذه ‏العزلة، وإظهار انفتاح دمشق على الحوار مع جهات خارجية، كما أن الزيارة قد تكون وسيلة ‌‏لإرسال رسائل سياسية إلى جهات مختلفة، سواء داخل سوريا أو خارجها.‏

‏-‏ إعادة تشكيل تحالفات اللعبة الإقليمية، وهنا تكمن لعبة المصالح في إدارة التحالفات وتعديل ‌‏موازين القوى لصالح أطراف معينة، حيث يمكن للزيارة أن تُستغل كوسيلة لدعم جهات مؤيدة ‌‏لفكرة الإصلاح والتقارب، أو على النقيض التلاعب بتوازن القوى التقليدي، ما يؤدي إلى ‏ظهور ‏سياسية جديدة تسعى إلى بناء جسر من الثقة بين الفئات المختلفة.‏

‏-‏ التعامل مع القضايا الإنسانية، حيث إن الزيارة تحمل طابعاً إنسانياً بارزاً، و يُمكن أن يُستثمر ‌‏التعاون بين قادة دينيين من خلفيات متفاوتة لإطلاق مبادرات تعزز الحوار الثقافي والاجتماعي، ‌‏هذه المبادرات قد تكون مقدمة لبرنامج أوسع يعالج قضايا الفقر والتمييز ويُعيد صياغة المشهد ‌‏الإنساني في دمشق وماحولها.‏

من هنا، نجد أن الشخصيات الدينية لم تختر مجرد مكان وزمان عابرين، بل كانت الزيارة ‏بمثابة ‏رسالة تحمل في طياتها آمالاً بتجديد نوع من الحوار مبني على الثقة والتسامح، وبعيداً ‏عن تقليد ‏العنف والصراعات الانقسامية.‏

‏- بين الأمل والتحفظ

ولكن تبقى زيارة القس مور والحاخام كوبر إلى دمشق حدثاً يستحق التأمل والتحليل العميق، ‏فهي ‏ليست مجرد لقاء ديني، بل جسرٌ يربط بين الأمل والتحفظ في آنٍ واحد، إنها محاولة لإحياء ‏الحوار ‏من خلال استغلال القوة الناعمة للأدب الديني والتحليل النفسي الجماعي، ما يضيف بُعداً ‏جديداً ‏إلى لعبة المصالح، وفي خضمّ تلك التحولات، تبقى الأسئلة مطروحة حول مدى إمكانية ‏تحقيق ‏توازن حقيقي بين الرغبة في السلام والتطلعات السياسية المتعارضة.‏

قد يكون هذا اللقاء بداية لقصة جديدة تتجاوز حدود المظاهر لتغوص في عمق التغيير ‏الإستراتيجي ‏في المنطقة، وفي المستقبل، ستسمح متابعة التطورات بدقة بفهم مدى تأثير مثل ‏هذه المبادرات على ‏المرحلة القادمة من السياسة الإقليمية، وما إذا كانت قادرة على إحداث نقلة ‏نوعية في العلاقات بين ‏الأطراف المختلفة.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار