موسكو تنفّذ عملية «تدوير» للسياسات مع دمشق…‏ لماذا تبدو القيادة السورية غير معنية؟

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:‏

لا شك أن الحرب الإيرانية- الإسرائيلية تضغط بإلحاح على روسيا وعلى ‏نفوذها في المنطقة، والذي يكاد يكون في حدوده الدنيا. حتى الساعة ليس ‏هناك من هو قادر على إعطاء تقديرات نهائية لما ستكون عليه نتائج هذه ‏الحرب، وما التسوية الممكنة بين الجانبين والتي بلا شك سترسي ‏توازنات جديدة في المنطقة قد لا تكون في مصلحة روسيا، باعتبار أن ‏إيران هي أحد حليفيها الرئيسين (إلى جانب سوريا سابقاً)، فإذا ما كانت ‏التسوية الممكنة في أحد شروطها تحد من علاقات التحالف القائمة بين ‏إيران وورسيا، فإن ذلك بلا شك سينعكس على وضع روسيا في سوريا، ‏لذلك فإن القيادة الروسية لا تكاد تتلمس مساراً محدداً لاحتواء حالة ضرر ‏تتوسع فيما يخص نفوذها في المنطقة، ولاسيما في سوريا وإيران.‏

وإذا كان الوضع اليوم هو على قائمة الانتظار لما ستقود إليه الحرب ‏الإيرانية- الإسرائيلية، فإن المساعي الروسية لا تنقطع باتجاه سوريا على ‏أمل ألا تطول عملية تطبيع العلاقات، بل يمكن القول إن هناك عملية ‏إلحاح روسية، لا تظهر للعلن إلا في مناسبات متباعدة، حيث لا تتوانى ‏موسكو عن بث رسائل الرجاء والأمل للقيادة السورية بخصوص التطبيع ‏والانطلاق بعلاقات جديدة.‏

المساعي الروسية لا تنقطع باتجاه سوريا بل يمكن القول أن هناك ‏عملية إلحاح لا تظهر للعلن إلا في مناسبات متباعدة، حيث لا تتوانى ‏موسكو عن بث رسائل الرجاء والأمل للقيادة السورية بخصوص التطبيع ‏والانطلاق بعلاقات جديدة

وفي هذا الخصوص أطلقت روسيا تصريحات لافتة في اليومين ‏الماضيين على لسان كل من ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة ‏الروسية، وميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي.‏

وفي تصريحات بدت غريبة عن لهجة الخطاب الروسي، تحدث ‏بوغدانوف بلهجة «مستجدية» إذا جاز لنا التعبير، داعياً وزارة الخارجية ‏السورية أن تقبل دعوة إرسال وفد إلى موسكو «لمناقشة كامل نطاق ‏العلاقات الثنائية». وقال بوغدانوف على هامش منتدى سانت بطرسبورغ ‏الاقتصادي الدولي أمس الجمعة: ننتظر وصول وفد رسمي من دمشق.. ‏لقد وجهنا دعوة إلى وزير الخارجية أسعد الشيباني لزيارة موسكو.‏

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وجه هذه الدعوة منذ ‏منتصف أيار الماضي أثناء زيارة له إلى تركيا، ولم تعلق وزارة ‏الخارجية السورية عليها حتى كتابة هذه السطور.‏

ولفت بوغدانوف إلى أن موسكو تواصل الاتصالات مع الجانب السوري ‏بشأن القواعد الروسية في سوريا، معرباً عن الأمل في تحقيق تفاهم ‏متبادل قائلا: «نحن نواصل الاتصالات بالطبع. كل شيء يعمل حتى ‏الآن، وآمل أن نصل إلى تفاهم مع السلطات الجديدة. لقد جرت فعلياً ‏محادثات بهذا الشأن».‏

أما بيسكوف فكان أوضح في التعبير والتصريح، معتبراً أن روسيا بحاجة ‏إلى إقامة علاقات مع الذين هم فعلياً في السلطة في سوريا. وقال في ‏مقابلة مع قناة «روسيا اليوم»: لدينا مصالحنا الخاصة في سوريا ونحن ‏بحاجة لضمانها من خلال الحوار. ‏

روسيا لا تستطيع التفاوض حالياً إلا من باب الممكن، خصوصاً في ‏ظل الانفتاح الأمريكي على سوريا، لذلك قامت بإعادة تدوير لسياساتها ‏بما يُناسب، وهي تنتظر رد القيادة السورية

وأضاف إن ما جرى في سوريا وقع بالفعل نتيجة عوامل داخلية وأخرى ‏خارجية، مشيراً إلى أن النظام السوري «انهار كعملاق ذي أقدام من ‏طين» في إشارة إلى ما كان عليه النظام السابق من ضعف.‏

وأكد بيسكوف أن موسكو ترى في المرحلة الراهنة ضرورة إقامة ‏علاقات عملية مع الجهات التي تمسك بزمام الأمور في سوريا، مؤكداً أن ‏هذه العلاقات تمثل أداة لضمان المصالح الروسية في المنطقة.‏

وفي وقت سابق أكدت موسكو استمرار الاتصالات مع القيادة السورية ‏بشأن القواعد العسكرية وضمان بقائها، وقال نائب وزير الخارجية ‏الروسي سيرغي ريابكوف: الحوار لا يزال مستمراً مع دمشق حول ‏مختلف القضايا المطروحة، مشيراً إلى أن «الوضع الراهن لم يشهد أي ‏تغييرات جذرية حتى الآن». وأكد ريابكوف أن روسيا تتوقع – انطلاقاً ‏من «المنطق والمسؤولية المتبادلة» – الحفاظ على مصالحها الوطنية في ‏سوريا، بما يشمل وجود قواعدها العسكرية.‏

ما سبق يمكن قراءته باتجاهين:‏

الأول، أن روسيا لن تتخلى عن نفوذها في سوريا، أو لنقل لن تتخلى عن ‏موطئ قدم لها في سوريا حتى وإن كان في حده الأدنى، وهذا الأمر ‏ينطبق على الوجود العسكري بالدرجة الأولى، بمعنى أن روسيا ستقبل ‏بأي بقعة من سوريا للوجود حتى لو كان في أقصاها إذا ما أخذنا ‏المتداول حول نقل قواتها ومعداتها من قاعدتي طرطوس ‏وحميميم/اللاذقية، إلى قاعدة في القامشلي. صحيح أن الوجود على البحر ‏المتوسط هو الأكثر استراتيجية بالنسبة لها إلا أنها لا تستطيع التفاوض ‏حالياً إلا من باب الممكن، خصوصاً في ظل الانفتاح الأمريكي/الدولي ‏بوجهه الاقتصادي الأبرز.. لذلك فإن روسيا قامت بإعادة تدوير لسياساتها ‏بما يناسب الخريطة السورية الجديدة بامتداداتها الإقليمية الدولية، وهي ‏تنتظر رد القيادة السورية.‏

روسيا تبدو أكثر قلقاً في المرحلة الحالية ليس فقط بسبب حالة الانفتاح ‏الأمريكي على سوريا بل أيضاً بسبب الحرب الإيرانية- الإسرائيلية التي ‏تنعكس بنتائج مباشرة على سوريا وتالياً على الوجود الروسي

ولا يخفى أن روسيا تسعى لإبرام صفقة مع دمشق للاحتفاظ بقواعدها ‏العسكرية في سوريا.. كما لا يخفى الموقف الأمريكي/الغربي الرافض ‏للوجود الروسي في سوريا. وحسب مسؤولين أمريكيين فإن هذا الوجود ‏يشكل تهديداً طويل الأمد يجب معالجته بشكل حاسم، ويقولون: إذا سمحنا ‏لروسيا بالبقاء في سوريا، فالأمر مسألة وقت فقط قبل أن تصبح باباً خلفياً ‏لعودة إيران مرة أخرى، وهذا ما يجب ألا نتسامح أو نتهاون به.‏

الاتجاه الثاني يتمثل في أن روسيا تبدو أكثر قلقاً في المرحلة الحالية، ‏ليس فقط بسبب حالة الانفتاح الأمريكي/الدولي على سوريا، بل أيضاً ‏بسبب الحرب الإيرانية- الإسرائيلية التي تنعكس بنتائج مباشرة على ‏سوريا، وتالياً على الوجود الروسي، ولاسيما العسكري، في سوريا. ‏

روسيا ربما تخشى خسارة إيران أيضاً بعد خسارتها سوريا. والخسارة ‏هنا ليس بالضرورة عبر تسوية إيرانية أمريكية/غربية على حساب ‏روسيا، بل عبر هزيمة محتملة لإيران في هذه الحرب إذا ما سارت إدارة ‏ترامب حتى النهاية في معادلة أن إيران لا يمكن لها الفوز، ولن يتم ‏السماح لها بالفوز.‏

لذلك كلما طال أمد الحرب الإيرانية- الإسرائيلية، زاد قلق روسيا لناحية ‏مدى وحجم ما يمكن أن تخسره.. وعليه فإن روسيا تواصل عرض ‏التوسط بين إيران وإسرائيل، محذرة من التداعيات ومما ستجره من ‏أوضاع خطرة على المنطقة والعالم.‏

حتى الآن لم يتم قبول عرض الوساطة من روسيا، فالغرب لن يسمح لها ‏بالتقدم لتكون مجدداً لاعباً رئيسياً أو تصوير نفسها كصانع سلام. ‏وللتوضيح فإن روسيا لا تستطيع أن تقدم لحليفتها إيران أكثر من عرض ‏وساطة، حتى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بينهما، عملت روسيا على ‏تقديم قراءة مختلفة لها عبر القول إنها ليست اتفاقية دفاعية، ولا تلزم ‏روسيا بالدفاع عن إيران. ‏

لذلك عادت روسيا اليوم للتركيز على سوريا، وتظهير موقف أكثر ‏وضوحاً وشفافية فيما يخص الاتصالات مع قيادتها، لكن هذه القيادة تبدو ‏اليوم أبعد عن موسكو، على الأقل هذا ما يظهر، وربما كان خلف ‏التصريحات الروسية – آنفة الذكر أعلاه – ما هو غير مُعلن.. لننتظر ‏وسنرى.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار