الحرّية هبا علي أحمد:
تخطو وزارة الاقتصاد والصناعة خطوات متقدمة في طريق تعافي الاقتصاد السوري ورفده بالاستثمارات المحلية والخارجية، التي تتطلب بطبيعة الحال بيئة جاذبة ولاسيما حيث المدن الصناعية إضافة إلى زيادة القيمة المضافة المحلية، عبر دعم الصناعات التجميعية والصناعات الثقيلة والصناعات التحويلية والصناعات الإلكترونية، من هنا يأتي نظام الاستثمار الجديد الذي أقرته الوزارة مؤخراً لتوفير كل ما سبق مع تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة بين المحافظات، وخلق فرص عمل جديدة، لكن بماذا يتميز هذا النظام، وكيف يؤثر على خلق فرص العمل في المدن الصناعية، وبالتالي كيف سيتم قياس نجاح هذا النظام في تحقيق الهدف المعلن؟
– صياغة العلاقة 
يُقدّم الخبير الاقتصادي الدكتور محمد كوسا رؤيته في تصريح لصحيفة «الحرّية» ويوضح أن نظام الاستثمار الجديد يتميّز باعتماد مسألة أو مبدأ التشاركية الواضحة، حيث يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص على أسس جديدة، إذ لم تعد الدولة تلعب دور المسيطر المباشر على كل تفاصيل العملية الاستثمارية، بل التوجه اليوم إلى لعب دور المنظم والمحفز الذي يوفر البيئة المناسبة ويضمن الشفافية.
نظام الاستثمار الجديد يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص على أسس جديدة
إلّا أنّ التحوّل لا يتم بطريقة عشوائية، فهو يتطلب فهم طبيعة الاقتصادات الحديثة، وهذا يعني أن يكون القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للنمو، في حين تركز الدولة على تطوير الأطر التشريعية والمؤسسية التي تدعم هذا النمو، وبالتالي فالسماح للقطاع الخاص بإدارة وتطوير وتشغيل المدن الصناعية يمثل ثقة كبيرة في قدرة هذا القطاع على تحمل المسؤولية وتحقيق النتائج المرجوة.
يضع أسساً واضحة لحوكمة العملية الاستثمارية إضافة إلى وضع معايير واضحة للتقييم والمتابعة ما يعزز مبدأ العدالة ويقلل من احتمالات الفساد الإداري
– المزايا
ومن المتعارف عليه أن الاستثمار في المدن الصناعية يتطلب مجموعة من المزايا بما يجعل الاستثمار يتمتع بنوع من الجاذبية والأمان، من هنا يطرح نظام الاستثمار الجديد مجموعة من المزايا يُشير إليها كوسا عبر تبسيط الإجراءات الإدارية يعني تقليل الوقت والجهد المطلوبين لبدء المشاريع، بينما تقدم الإعفاءات والتسهيلات المالية حوافز قوية للمستثمرين، والأهم من ذلك هو التركيز على تقليل المخاطر القانونية والإدارية التي كانت تشكل عقبة أمام الاستثمار في الماضي، من خلال وضع ضمانات واضحة وآليات حماية للمستثمرين، وإيجاد بيئة أكثر استقراراً وثقة، فالبيئة الصناعية المتكاملة التي توفرها المدن الصناعية تعني أن المستثمرين لن يحتاجوا إلى البحث عن الخدمات والمرافق المساندة في أماكن متفرقة، وهذا التكامل يقلّل التكاليف ويزيد الكفاءة، ما يجعل الاستثمار أكثر جدوى اقتصادية.
– حوكمة العملية الاستثمارية
ولدى سؤالنا عن الخطوات التي يجب اتخاذها لضمان الشفافية والعدالة في عملية الاستثمار؟ لفت كوسا إلى أن نظام الاستثمار الجديد يضع أسساً واضحة لحوكمة العملية الاستثمارية، وهذا التركيز على الشفافية والحوكمة يعكس أهمية بناء الثقة مع المستثمرين، سواء كانوا محليين أم أجانب، كما إنّ آليات الشفافية لا تقتصر على تبسيط الإجراءات، بل تشمل أيضاً وضع معايير واضحة للتقييم والمتابعة، وهذا النهج يضمن أن جميع المستثمرين يتم التعامل معهم بنفس المعايير، ما يعزز مبدأ العدالة ويقلل من احتمالات الفساد الإداري، أضف إليه إن تحديث البنية التشريعية والقانونية والمؤسسية يخلق إطاراً قانونياً حديثاً يواكب المعايير الدولية، ما يجعل الاستثمار في سوريا أكثر جاذبية للشركات الأجنبية التي تبحث عن بيئة استثمارية مستقرة وشفافة.
أحد أهم أهدافه هو خلق فرص عمل جديدة ومتنوعة كماً ونوعاً من خلال تشجيع الصناعات التحويلية والإلكترونية والثقيلة والتجميعية
– تأثيره على سوق العمل
كما يتضح من نظام الاستثمار الجديد فإن أحد أهم أهدافه هو خلق فرص عمل جديدة ومتنوعة. لكن الأمر لا يتوقف عند الكمية، بل يشمل أيضاً نوعية الوظائف المتاحة، من خلال تشجيع الصناعات التحويلية والإلكترونية والثقيلة والتجميعية، وهذا يفتح المجال أمام وظائف تتطلب مهارات متقدمة وتوفر عوائد أفضل، وفقاً لكوسا، أضف إليه فإن نقل وتوطين التكنولوجيا والمعرفة الصناعية يعني أن العاملين السوريين سيحصلون على فرص للتدريب والتطوير المهني، مما يرفع من كفاءة الموارد البشرية في البلاد..هذا الاستثمار في المهارات البشرية يخلق دورة إيجابية حيث تزداد إنتاجية العمال وتحسن جودة المنتجات.
إلى جانب ما سبق ذكره، يُسهم نظام الاستثمار في تنشيط سلاسل التوريد المحلية يعني أن فوائد الاستثمار في المدن الصناعية لن تقتصر على العاملين المباشرين، بل ستمتد لتشمل قطاعات أخرى مثل النقل والخدمات اللوجستية والخدمات المساندة، مما يخلق تأثيراً مضاعفاً على الاقتصاد المحلي.
– مقاييس النجاح
لكن إلى أي مدى يُمكن معرفة مدى نجاح نظام الاستثمار الجديد؟
يوضح الخبير الاقتصادي أن نجاح النظام الجديد لن يقاس فقط بعدد المشاريع الجديدة أو حجم الاستثمارات، بل بمدى تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة، وهذا يعني أن المعايير ستشمل أيضاً مؤشرات نوعية مثل نوع الصناعات المتطورة ومستوى التكنولوجيا المستخدمة ومدى الاعتماد على الكوادر المحلية، مع زيادة القيمة المضافة المحلية، بمعنى أن سوريا لن تكتفي بكونها مجرد مصدر للمواد الخام أو منتج للسلع البسيطة، بل ستتحول إلى مركز لإنتاج السلع عالية القيمة التي تتطلب مهارات متقدمة وتكنولوجيا حديثة، إلى جانب رفع القدرة التنافسية للصناعات السورية في الأسواق المحلية والخارجية فالمنتجات السورية ستصبح قادرة على المنافسة ليس فقط محلياً، بل أيضاً في الأسواق الإقليمية والدولية، مما يفتح آفاقاً جديدة للنمو والتوسع.
– التحديات والفرص
ويرى الدكتور كوسا أنه رغم الطموحات الكبيرة للنظام الجديد، إلا أن التطبيق الناجح يتطلب مواجهة تحديات حقيقية، فالبنية التحتية، التي تضررت خلال سنوات الأزمة، تحتاج إلى استثمارات كبيرة لتكون قادرة على دعم المشاريع الصناعية الحديثة، كما إن نجاح النظام يعتمد على قدرة المؤسسات الحكومية على تطبيق مبادئ الشفافية والكفاءة بشكل فعلي، وليس فقط على الورق، وهذا يتطلب تدريب الكوادر الحكومية وتطوير أنظمة العمل الداخلية.
سوريا ستتحول إلى مركز لإنتاج السلع عالية القيمة التي تتطلب مهارات متقدمة وتكنولوجيا حديثة مع رفع القدرة التنافسية للصناعات السورية
من ناحية أخرى، الفرص متاحة بقوة، فالموقع الجغرافي الاستراتيجي لسوريا يجعلها نقطة وصل مهمة بين الأسواق الأوروبية والآسيوية والخليجية، والموارد البشرية المتعلمة والمهارات المتراكمة تشكل أساساً قوياً للتطوير الصناعي.
ويُلخص الدكتور كوسا ما سبق بقوله: النظام الجديد للاستثمار في المدن الصناعية لا يمثل مجرد تعديل في القوانين، بل يجب أن يعكس رؤية شاملة لمستقبل سوريا الاقتصادي،إنه إعلان عن دخول مرحلة جديدة تعتمد على الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص، وعلى الاستثمار في القدرات البشرية والتكنولوجية.