الحرية – لوريس عمران :
يسودُ صمتٌ ثقيلٌ قاعاتِ الانتظار في مشفى الأورام باللاذقية، تتوارى خلفه قصصٌ موجعة لمرضى أنهكهم المرض وتخلّت عنهم الجرعات. ومع تفاقم أزمة نقص الأدوية الورمية، لم تعد معاناتهم محصورة في آثار العلاج، بل امتدّت إلى ألم أشدّ قسوة” غياب العلاج ذاته”.
ارتفاع سعر الدواء في السوق السوداء
تشير شهادات العديد من المرضى الذين التقتهم “صحيفة الحرية” داخل مركز الأورام إلى أنّ الجرعات الكيماوية بدأت تشهد تناقصاً يومياً، في حين أنّ الأدوية المناعية باتت شبه معدومة منذ أسابيع، ما يعرّض حياة مئات المرضى لخطر مباشر. ومع الارتفاع الكبير في أسعار السوق الحرة، غدا تأمين العلاج خارج المشفى أمراً متعذراً، ولاسيما للمرضى من ذوي الدخل المحدود الذين لا يجدون بديلاً لمتابعة العلاج سوى هذا المركز.
المدير الطبي: نقص الأدوية الورمية تحدٍ مستمر والمركز يغصّ بمئات المرضى يومياً
إحدى المريضات وجهت عبر صحيفتنا نداءً مؤلماً، مؤكدة أنّها تنتظر جرعتها منذ أيام بعد إبلاغها بعدم توفر الدواء، مشيرة إلى أنّها عاجزة عن شرائها من السوق، ولا تملك هامشاً للانتظار، إذ باتت حياتها معلّقة بتأمين العلاج. وتتكرر الشكاوى ذاتها بين مرافقي المرضى، الذين يعبّرون عن يأس متزايد في ظل غياب أي بديل فعلي أو دعم منظّم.
جهد طبي في وجه العجز
رغم ضراوة الظروف، يشهد المرضى للطواقم الطبية والتمريضية بالتفاني والعمل الجاد. فالعاملون في المركز لا يوفروا جهداً في محاولة التخفيف من معاناة المرضى، سواء عبر حسن الاستقبال، أو مضاعفة الجهد في ظل الضغط الكبير ونقص الموارد.
تقول إحدى السيدات: “الأطباء معنا، لا علينا. لكن ماذا يفعل الطبيب حين يمدّ يده فلا يجد الدواء؟”
نقص الأدوية الورمية تحدٍ وطني
الدكتور فراس حسين أستاذ علم الدم والأورام والمدير الطبي في مشفى اللاذقية الجامعي أشار إلى أنّ مركز الأورام التابع للمشفى يعدّ ثاني أكبر مركز على مستوى القطر بعد مشفى البيروني في دمشق، ويستقبل سنوياً نحو ٣٥٠٠ إلى ٤٠٠٠ مريض جديد، بمعدل ٣٠٠ – ٤٠٠ مريض شهرياً (قبول جديد).
وأكد حسين “لصحيفتنا الحرية” أنّ العيادات الخارجية تشهد يومياً استقبالاً مابين ٣٠٠- ٤٠٠ مريض موزعين على أربع عيادات، في حين يتم تسريب نحو ٢٠٠ جرعة وريدية ضمن أقسام العلاج الكيماوي يومياً، إضافة إلى استقبال ما بين ١٠٠ إلى ١٥٠ مريضاً للعلاج الشعاعي.
ولفت الدكتور حسين إلى وجود نقص واضح في الكوادر الطبية، وخاصة في مجال المعالجين المختصين، ما يستدعي رفد المركز بموارد بشرية إضافية لتلبية الضغط الكبير. لافتاً إلى أنّ التحدي الأكبر هو النقص المتزايد في الأدوية الورمية، وهو أمر لا يقتصر على مركز اللاذقية، بل يطول مراكز أخرى في المحافظات كافة، ما يجعله تحدياً وطنياً بامتياز.
وأوضح المدير الطبي أنّ المركز يعمل بالتنسيق مع وزارتي التعليم العالي والصحة، إلى جانب اللجنة الوطنية للأدوية الورمية، لتأمين الحد الأدنى من الأدوية، غير أنّ الفجوة بين الحاجة والمتوفر لا تزال تتسع.
صرخات المرضى بلا مجيب… ولا جمعيات تُعين
مع غياب الأدوية، لم يبقَ للمرضى إلا البحث عن بدائل في الجمعيات الخيرية. لكن اللافت أنّ محافظة اللاذقية، رغم كثافة الحالات، تخلو تماماً من جمعيات متخصصة بمساعدة مرضى السرطان. المرضى الذين تحدثوا لصحيفتنا أكدوا أنّهم طرقوا أبواب جمعيات عدّة من دون أن يلقوا استجابة، فجميعها تعتذر بسبب محدودية التمويل، وغلاء تكلفة العلاج.
إحدى المريضات قالت: “كلما توجهنا إلى جمعية، سمعنا العبارة ذاتها: لا نستطيع مساعدتكم، أدويتكم باهظة الثمن، وميزانياتنا لا تغطيها. كأننا محكومون بالموت بصمت”.
نداء مفتوح: السرطان لا ينتظر
في ظل هذا الواقع، يبقى الأمل معقوداً على استجابة عاجلة من الجهات المعنية، سواء على مستوى الحكومة أو الهيئات الصحية الوطنية، لتأمين الدواء المنقذ للحياة، ودعم الكوادر العاملة، وتفعيل الدور الأهلي الذي غاب عن ساحة لا تحتمل الفراغ.
فالسرطان لا ينتظر، والدواء ليس ترفاً، بل حياة.