الحرية – نهلة أبو تك:
من تعديل الأنف إلى نحت الذقن، ومن حقن البوتوكس إلى جلسات الفيلر المتكررة، لم يعد التجميل مجرد وسيلة لتحسين المظهر، بل تحوّل لدى بعض الأشخاص إلى هوس لا يهدأ، وسباق محموم خلف صورة مثالية لا تعكس الواقع.
في عيادات التجميل، تتكرر مشاهد الزبائن العائدين بعد أسابيع قليلة أو حتى أيام، بحثًا عن تغييرات إضافية أو “رتوش جديدة، رغم رضا المحيطين عن نتائجهم السابقة. السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي يدفع أشخاصاً في مقتبل العمر، وفي أحيان كثيرة بلا عيوب ظاهرة، إلى هذا التعديل المستمر؟ وهل نحن أمام إدمان حقيقي يحتاج إلى تدخل متخصص؟
رفض الطلبات غير المنطقية
يؤكد د. بيهس رقية، طبيب التجميل في اللاذقية، أن هناك بالفعل حالات يمكن وصفها بـالإدمان على التجميل، حيث يفقد الشخص القدرة على التوقف، ويبحث في كل مرة عن تغيير جديد حتى من دون حاجة طبية أو جمالية.
ويقول:
لاحظت في السنوات الأخيرة تزايد طلبات التجميل غير الضرورية، خاصة بين الفتيات الصغيرات المتأثرات بصور المشاهير والفلاتر الرقمية. نحن كأطباء ملزمون أخلاقياً برفض أي طلب لا مبرر له، وأحيانًا أحيل المريض إلى طبيب نفسي بدل إجراء العملية.
ويشدد رقية على أن التجميل أداة لدعم الثقة بالنفس لا بديلاً عنها، مشيراً إلى أن جوهر المشكلة يكمن في الدوافع النفسية، لا في الحقنة أو المشرط.
هروب داخلي خلف قناع خارجي
من جانبها، ترى الباحثة الاجتماعية راميا صبيرة أن إدمان التجميل غالباً ما يرتبط بشعور عميق بعدم الرضا عن الذات، تغذيه وسائل الإعلام ومواقع التواصل التي تروّج لصورة سطحية ومثالية للجمال.
وتوضح نتعامل مع فتيات تراجعت ثقتهن بأنفسهن بسبب شكل أنوفهن أو شفاههن، والسبب مقارنة أنفسهن بصور معدّلة وغير واقعية، حين يتحول التجميل إلى هوس، فإنه لا يحل المشكلة، بل يفاقمها لأنه يخفي الفراغ النفسي مؤقتًا فقط.
وتضيف كثير من الحالات تعود جذورها إلى مشكلات أعمق: إهمال أسري، تنمّر، أو فراغ عاطفي. والحل لا يكون بحقنة، بل بحوار داخلي صادق ودعم نفسي متخصص.
بين القبول والقلق
في الشارع، تتباين الآراء، فبينما يعتبره البعض حقاً شخصياً، يبدي آخرون قلقهم من ظاهرة الوجوه المتشابهة التي تفرزها كثرة الإجراءات. تقول ندى (28 عاماً): أردت تعديل أنفي فقط، لكنني وجدت نفسي لاحقًا أحقن شفاهي ووجنتي، ولم أعد أرتاح لرؤية صوري القديمة.
في المقابل، تقول سارة، وهي معلمة: أنا مع التجميل باعتدال. المشكلة حين نلاحق الكمال، وهو أصلاً غير موجود. كل شخص جميل بطريقته، ومن يحب نفسه لا يركض خلف رأي الآخرين.
الحاجة إلى توازن
مع الطفرة المتسارعة في عالم التجميل، يبقى التحدي الحقيقي هو إيجاد التوازن بين الرغبة المشروعة في تحسين المظهر والحفاظ على السلام النفسي والقبول الذاتي، وبين مشرط الجراح وصوت الداخل، يظل السؤال معلقاً:
هل نحن نجمّل ملامحنا حقًا، أم نحاول إخفاء هشاشتنا؟