هل نربي أبناءنا بعقلية لا تناسب زمانهم؟.. اختصاصية تربوية: لا يمكن أن نعتمد الأساليب القديمة

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- دينا عبد:
تتناول بعض المقاطع على منصات التواصل الاجتماعي الفروقات بين سن المراهقة قبل سنوات، وما نعيشه في وقتنا الحالي، حيث تظهر هذه المقاطع التفاوت في الشكل والأحلام واللباس، وحتى طريقة الحديث والاهتمامات، ما يعكس تغيّراً مجتمعياً وتربوياً يؤثر في طبيعة الحياة بين الأهل وأبنائهم لاحقاً.

تجارب

يتحدث الشاب حازم وهو في الأربعين من عمره لصحيفتنا (الحرية) عن الفرق بين مراهقته ومتطلباته وأحلامه في سنوات سابقة، وبين المرحلة العمرية ذاتها التي يعيشها مع ابنه اليوم، حيث تظهر هذه الفروقات في أدق التفاصيل اليومية، والتي تنعكس لاحقاً على طبيعة علاقته معه.
ويصف حازم الطريقة التي كان يتعامل فيها مع والديه ومحيطه بأنها تتسم بوجود الكثير من المحددات، لكنها لم تكن تقيد حياته، بل كانت ممتعة ببساطتها، وكان هناك ترابط لا يزال أثره قائماً حتى اليوم.
وهنا يتساءل: ما الذي تغيّر؟ وماذا حدث للأجيال خلال فترة قصيرة؟
بحسب علياء (أم ليافع في مرحلة المراهقة) فإن هناك تحولاً كبيراً للتعامل فنبرة الحديث تغيّرت، والتعامل مع الأهل كذلك وضغوط الحياة أيضاً، والتي قد يجد المراهق من خلال التطور التكنولوجي وسيلة للهروب عبر “المجتمع الافتراضي”، حيث يجد من يلبي رغباته النفسية بعيداً عن قيود الأهل، حتى وإن كانت منطقية.

دور حاسم

الاستشارية التربوية صبا حميشة ترى أن العلاقة بين المراهق ووالديه، تؤدي دوراً حاسماً في توازن الطرفين، فإذا كانت العلاقة مضطربة وغير سليمة، فقد تؤدي إلى إصابته باضطرابات نفسية، لذلك من الضروري أن تقوم علاقة طيبة ومبنية على التفاهم بين الأهل وأبنائهم، لما لذلك من تأثير مباشر على الصحة النفسية للأسرة ككل، فالعلاقة المتوازنة بين الأهل والمراهق تتيح المجال لتقديم النصح والإرشاد وتقريب وجهات النظر، وتنعكس إيجاباً على هذه المرحلة الحساسة ففترة المراهقة الصحية تبدأ من بيئة أسرية صحية، ما يسهم في تقليص الفجوة التي نشهدها اليوم بين الأجيال، وبالتالي، فإن البداية تكمن في تحسين العلاقة، ومن ثم العمل على تعديل السلوك.
وتشير إلى أن الأغلبية من الأهل يحمّلون مواقع التواصل الاجتماعي مسؤولية هذه الاختلافات، معتبرين أنها السبب الرئيس في الفجوة بينهم وبين مراهقي هذا الجيل، فهذه المنصات التي يقودها المراهقون أنفسهم، خلقت لهم نماذج وأبطالاً وقدوات تختلف تماماً عما كان عليه الحال في السنوات الماضية، حين كانت المراهقة تمتد في أجواء أقرب إلى الطفولة حتى سن متأخرة.

المراهقة وعلاقتها بالوالدين

وتشير حميشة إلى أن أكثر المراحل حساسيةً وحرجاً هي المرحلة التي يتدخل فيها الوالدان، فهي إما أن تتحول إلى مرحلة تربوية ممتعة ومترابطة تسهم في بناء أسرة متماسكة مستقبلاً، أو تصبح مرحلة تهدم هذا الترابط وتزيد من فجوة البعد بين الأبناء وذويهم، نتيجة للاختلاف الطبيعي بين الأجيال والفترات الزمنية المختلفة.
وتنوه حميشة بأنه من الضروري ألا يسقط الأهل تجاربهم الشخصية في مرحلة المراهقة، سواء أكانت إيجابية أم سلبية، على طريقة تعاملهم مع أبنائهم ونظرتهم لحياتهم، فظروف الحياة التي مر بها الجيل السابق تختلف كثيراً عمّا هو متاح اليوم للأبناء، سواء من حيث الانفتاح على العالم أو الوسائل التكنولوجية، أو حتى الوضع المادي والاقتصادي لذلك من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في التفاصيل التربوية والنفسية والاجتماعية.
وتؤكد حميشة أنه من الضروري أن نربي أبناءنا في زمن غير الزمن الذي نشأنا فيه، وذلك من خلال التفاعل معهم والتحاور بأسلوب يتناسب مع جيلهم، وخصوصاً فيما يتعلق بالأمور الثانوية التي يمكن التكيف معها وتحديث أسلوبنا التربوي تجاهها.
في المقابل، هناك ثوابت لا تتغيّر بمرور الزمن، مثل القيم المجتمعية الأساسية والتي تبقى راسخة لا تتبدل، فتجاوب المراهق مع والديه وتضييق الفجوة بينهما تبدأان من أسلوب تعامل الأهل معه؛ فلا يمكن أن نعتمد الأساليب التربوية القديمة نفسها في هذا الزمن، هذا الاختلاف يفرض على الأهل أن يكونوا أكثر قرباً وفهماً لأبنائهم، وأن يتجنّبوا فرض قيم وتفاصيل كانت مناسبة لعصرهم، لكنها قد لا تنسجم مع طبيعة جيل اليوم أو طاقاته.

Leave a Comment
آخر الأخبار