الحرية ـ بادية الونوس :
لا يخفى على أحد أن وسائل التواصل الاجتماعي تكاد تكون من أهم العوامل المسببة لازدياد حالات الطلاق في المجتمع بعد العوامل الاقتصادية وغيرها، وتؤدي في النهاية إلى نتائج كارثية يدفع ثمنها أولاً وأخيراً الأبناء، ناهيك بتبعاتها على المجتمع.
في هذا الموضوع، نتناول الأسباب التي تدفع أحد الطرفين الأب أو الأم إلى استهلاك ساعات طويلة مع العالم الافتراضي، وهذا ما يرقى إلى مرتبة الخيانة وفق تعبير البعض. لماذا أصبح الطلاق سهلاً جداً ولا يحتاج إلى التمهل والتحمل أو التضحيات؟ هل يحفظ القانون الحقوق، أم تحتاج القوانين إلى تعديل وتطوير بما يواكب التطورات اللاحقة ؟
من الواقع
كثيراً ما نسمع عن تسجيل حالات طلاق بسبب اكتشاف نوع من العلاقة المريبة عبر “الفيس” أو “الواتس اب”.
تبين سوزان أنه لم يخطر لها أن تفكر ولو من باب التندر والفكاهة أن تصل لفكرة الطلاق بسبب خيانة أو تعارف إلكتروني، لكن للأسف تكتشف عن طريق الصدفة أن زوجها تعرّف على فتاة عبر”الواتس اب”، ومن ثم قرر الزواج منها بحجة عدم التفاهم مع زوجته “النكدية”، ليتطور الموضوع إلى الطلاق رغم تدخل الأهل من الطرفين.
الداية: الحاجة ملحة لتطوير النصوص القانونية القائمة بما يواكب التحولات الاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة
هي واحدة من عشرات الحالات التي تحصل في المجتمع والتي انتهت إلى الفراق بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يتضمن قانون الأحوال الشخصية نصّاً صريحاً يتحدث عن وسائل التواصل الاجتماعي كسبب مباشر للطلاق؟ وهل القانون بحاجة إلى تطوير أو تعديل؟
أحد الأسباب المباشرة
يؤكد الأستاذ المحامي عبد الفتاح الداية أن وسائل التواصل الاجتماعي تعد أحد الأسباب المتكررة والمباشرة في العديد من دعاوى الطلاق، والتي ازدادت بشكل ملحوظ، بدليل أعداد الموكلين الذين يطلبون الطلاق نتيجة خلافات نشأت أو تفاقمت بسبب هذه المنصات.
وبين أن الأسباب تتراوح بين ما يمكن تصنيفه في خانة الخيانات، وبين التأثر بما ينشر من حياة الآخرين ومحاولات تقليدهم. فمن المعلوم أن بعض منصات التواصل ألغت في كثير من الأحيان خصوصية البيت الواحد، وجعلت كل شيء قابلاً للعرض والمقارنة، ووفق المحامي الداية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نفترض وجود الوعي الكافي عند جميع الأزواج، بحيث لا يحدث أي أثر سلبي نتيجة الاطلاع على نمط حياة الآخرين بهذه الصورة التفصيلية.
حالات عديدة ..
الداية أشار إلى العديد من الحالات التي تؤدي إلى الطلاق، فمثلاً إحداها أن موكلة طلبت الطلاق بعد اكتشافها أن زوجها يستخدم حساباً مزيفاً للتواصل مع نساء أخريات، وفي حالة أخرى، أصر أحد الأزواج على الطلاق بعد رفض زوجته حذف صورة لها نشرتها على وسائل التواصل، معتبراً ذلك منافياً لقناعاته وحدود خصوصيته.
لا يوجد نص صريح
من الناحية القانونية -وفق الداية- لا يتضمن قانون الأحوال الشخصية السوري نصاً صريحاً يتحدث عن وسائل التواصل كسبب مباشر أو مستقل للطلاق، إلا أن المحاكم الشرعية تنظر في دعاوى التفريق استناداً إلى ما يعرض من وقائع في جلسات الدعوى وتحكم وفقاً لذلك.
وأشار إلى أن الحاجة باتت ملحة لتطوير النصوص القائمة بما يواكب التحولات الاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة، وهذا لا يقتصر على قانون الأحوال الشخصية فحسب، بل يمتد إلى ضرورة تعديل القوانين كافة. مؤكداً أهمية رفع مستوى الوعي القانوني والاجتماعي، حيث إن الطلاق لأسباب سطحية أو ناتجة عن إساءة استخدام وسائل التواصل، يعكس أزمة عميقة وهشاشة في فهم العلاقة الزوجية بوصفها شراكة إنسانية وأخلاقية قائمة على الاحترام والتفاهم.
الانطلاق من التوعية المجتمعية للحفاظ على الأسرة عبر الحوار والتواصل الفعال
ولفت إلى أن حماية الأسرة مسؤولية جماعية تقع على عاتق القانون والمجتمع والإعلام والمؤسسات المعنية كافة، فتماسك الأسرة هو الضامن الأول لاستقرار المجتمع.
الضريبة الأكبر يدفعها الأبناء
وفق خبراء الاجتماع وعلم النفس، يعد الطلاق مشكلة اجتماعية ونفسية في كافة المجتمعات، حيث تترتب عليه آثار سلبية من حيث تفكك الأسرة ويدفع الضريبة الأكبر الأبناء، بدءاً من الاضطرابات النفسية إلى السلوك المنحرف، والجريمة، ما يؤثر بدوره على استقرار المجتمع.
للباحثة الاجتماعية أسمهان زهيرة وجهة نظرها في هذا الموضوع، إذ تؤكد أن للطلاق أسباباً عديدة معروفة للجميع، منها أسباب اقتصادية، اجتماعية، نفسية، وشخصية، ويظهر هنا تأثير مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متزايد، حيث تلعب دوراً في تعزيز الخلافات الزوجية،الغيرة، الإهمال العاطفي، سواء للزوج أو الزوجة والأبناء، وكذلك الشك، ما يزيد احتمال الطلاق.
تبعات كارثية
تبين الباحثة الاجتماعية زهيرة أن لوسائل التواصل الاجتماعي تبعات خطيرة على الأسرة بشكل كبير، وهذا ما يؤدي في معظم الأحيان إلى تفاقم المشكلات الزوجية وزيادة حالات الطلاق، من حيث الدخول إلى الخصوصية وتشويه العلاقات وضعف الثقة بين الطرفين، والتأثير السلبي يندرج ضمن مجموعة من النقاط، منها:
زهيرة: تتسبب في الدخول إلى الخصوصية وتشويه العلاقات وضعف الثقة بين الطرفين
– زيادة الشك والخيانة الزوجية والتواصل مع شركاء محتملين آخرين
– نشر معلومات سلبية أو مهينة عن الشريك، ما يضر بسمعته ويؤثر سلباً على علاقتهما.
– التواصل والانشغال المفرط مع الغرباء، يؤدي إلى تجاهل الشريك، وبالتالي الإهمال.
ـ المقارنات غير الواقعية، حيث إن وسائل التواصل الاجتماعي تعرض صوراً مثالية للحياة السعيدة .
ـ تعزيز فكره الطلاق من خلال عرض هذه الوسائل صوراً إيجابية عن المرأة المطلقة، ما يشجعها على فكره الطلاق كحل المشكلات الزوجية.
– الخلافات المالية باستعراض النفقات الباهظة والكماليات.
ـ التأثير على الأطفال من خلال شعورهم بعدم الاهتمام من قبل الوالدين وانشغالهما عنهم.
وفي المقابل، لا يمكن نفي التأثير الايجابي لهذه الوسائل في في الكثير من تفاصيل حياتنا، بما فيها العلاقات الأسرية .
آثار كارثية على الأسرة أولاً
وأضافت: إن لهذه الكارثة الاجتماعية (الطلاق) آثاراً على الأسرة، أولاً، تتضمن تفككها وانهيار الروابط الأساسية بين أفرادها، وحرمان الأطفال من الاستقرار الأسري ورعاية الوالدين وقد يرافقه مشكلات نفسية وسلوكية، تغيير نمط حياه الأسرة وصعوبة التأقلم مع الوضع الجديد غالباً.
الانطلاق من التوعية المجتمعية للحفاظ على الأسرة عبر الحوار والتواصل الفعال
ولم تغفل الباحثة الاجتماعية زهيرة آثار ذلك على المجتمع، إذ يلاحظ زيادة الجريمة والعنف في المجتمع، وتدهور القيم الاجتماعية، انتشار سلوكيات غير مقبولة، زيادة الأعباء الاجتماعية كرعاية الأيتام وتأمين المساعدات الاجتماعية لهم.
التوعية المجتمعية
وللحد من حالات الطلاق، تقترح الباحثة الاجتماعية زهيرة أنه لا بد من الانطلاق من التوعية المجتمعية بأهمية الحفاظ على الأسرة من خلال تشجيع الحوار والتواصل الفعال بين الزوجين، وأيضاً تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية من خلال توفير برامج تأهيلية للزواج ولمرحلة ما قبل الزواج.