الحرية- محمد فرحة:
في مركز البيع لأحد التجار الكبار، دار حوار طويل وكنت شاهداً بالمصادفة، عندما طلب عناصر “التموين” فواتير الشراء لتبيان هامش الربح المسموح به للمستهلك، فراح التاجر يشرح ويبرر، وبدأت نبرات صوته تتعالى تدريجياً: “اذهبوا إلى الوكيل الذي يوزع السكر والرز لكل المنطقة، جففوا النبع هناك، وليس الساقية هنا”، وكرّت سبّحة التاجر وسط حضور زبائن جاؤوا ليشتروا. كل هذا وعناصر “التموين” الثلاثة الموجودون لم ينطقوا سوى بـ”نحن نحترم رأيك”، وعندما فاض الكيل من التاجر، قال رئيس دورية التموين باسم حسن بكل أدب واحترام له: “أنت لك شغلك ونحن لنا شغلنا ونعرفه جيداً ، كفى تقدم لنا محاضرات، أعطنا بطاقتك الشخصية لو سمحت وتفضّلت، ومن خِلاَك سنذهب إلى المركز الرئيسي الممول للبضاعة”. هذا الحوار استمر لأكثر من عشر دقائق وقد ازدحم المكان بالزبائن .
من خلال هذه المشاهدات، يمكننا أن نقرأ بأن الرقابة التموينية اليوم هي توجيه قبل أن تكون تنظيم ضبوط، فقد أوحى أحد عناصر الرقابة من خلال حديثه بعد أن نظر إليّ وهو يعرفني بأنني صحفي وقال للتاجر: لقد سبق ونبهناكم مرات عدة بأن أي عملية بيع من مستودعات التجار الممولين تحتاج إبراز فاتورة الشراء، وإن لم يزودوكم بها هم من يتحملون مسؤولية ذلك، في حين أن البعض منكم يرفض استلام الفاتورة، هذه القصص نعرفها جيداً. فمن حق المستهلك أن يلمس ويشعر بأن السوق لم يعد “غولاً” أو كالغابة، فلك هامش ربح، وهذا حقك -يقول أحد عناصرالدورية- وللمستهلك حقه.
وبعد تنظيم محضر الضبط غادرت دورية الرقابة المحال بكل هدوء وأدب.
في الأسواق اليوم، كل شيء يختلف عن الأمس، فالأسعار متقاربة جداً بين بائع وآخر، ومن حق المستهلك أن يختار وينتقي مكان البيع الذي يناسبه.
ورغم أن تسعيرة البيع غالباً ما توضع على البضاعة. لكن هذا ليس لدى جميع الباعة حقيقة.
بالمختصر المفيد: أسواقنا اليوم تشهد حركة نشطة جداً لجهة البيع والشراء، لكن مازال بعض تجار المواد الرئيسية كالرز والسكر والزيوت بعيدين إلى حدٍّ ما عن ضبط عملهم. وما قاله البائع لدورية التموين لجهة الذهاب إلى المورّدين الكبار، فهم من يفرض إيقاع السوق، قد يكون مصيباً في مكان وليس في كل مكان، ولعل تشديد الحضور على الأسواق خير دليل.
ولم يشكُ لنا مواطن من غلاء الأسعار، بل من قلة السيولة النقدية.