الحرية- مها سلطان:
المزيد من جلادي سجن صيدنايا في قبضة العدالة التي لن تترك أياً منهم ينجو بجرائمه، إنها مسألة وقت فقط.. ورغم أن جرح صيدنايا سيبقى غائراً في ذاكرة السوريين ووجدانهم، إلا أنهم في الوقت ذاته يقدّرون عالياً إصرار العدالة السورية على النيل منهم واحداً واحداً، إنها الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، وليس للاقتصاص من مرتكبيها أسباباً مُخففة وهم الذين اقترفوها بكامل الوعي والادراك، لم ترتجف لهم يد، ولم يهتز لهم جفن على وقع صراخ ووجع ممتد تخنقه جدران زنازين «تحت سابع أرض».
ثلاثة من هؤلاء الجلادين اعتقلهم الأمن الداخلي في حمص خلال اليومين الماضيين في عمليات دقيقة ضمن خطة متكاملة وعمل استخباراتي وتنسيق عال بين الوحدات الأمنية، وقبل أن يتمكنوا من الفرار خارج البلاد سقطوا في أيدي الأجهزة الأمنية التي كانت ترصد وتتابع وتتحين التوقيت المناسب.
حتى اللحظة الأخيرة، ربما اعتقد هؤلاء القتلة أنهم يستطيعون النجاة والفرار، ودفن مشاهد وصور الضحايا من سجلهم إلى الأبد.. وفي لحظة العدالة والحقيقة، لا نجاة ولا فرار. وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع ضحاياهم، أو لنقل عدد من ضحاياهم، فلا سبيل لحصر ضحايا سجن صيدنايا، الأحياء هنا كالأموات، ومعهم عائلات كاملة ذاقت الأمرين، لمعرفة مصير أبنائها، ودفعت كل غال وثمين في سبيل إنقاذهم. القليل جداً منهم نجح، فيما استمر الباقون في رحلة عذاب وبحث لا تنتهي.. حتى القليل الذي نجح لم يكن ليدرك حجم وعمق الأذى الجسدي والنفسي الذي تعرض له أحباءهم وفلذات أكبادهم، وهو الأذى الذي لا ينفك يرافقهم أبداً.. بعض الأذى ربما انحسر قليلاً مع سقوط النظام السفاح، ومع السجون التي انفتحت على عالم لا يمكن تخيله من الظلم والاستعباد، وعلى عذابات وأهوال لا يمكن لبشر تصورها.
الجلاد التقى ضحيته، وجهاً لوجه، كلاهما يستعيد وجه السجن الأفظع من بين سجون ديكتاتورية الأسد. الضحية ذكّر جلاده/سجانه، بكل فظاعاته، أعاد على مسامعه الأقوال التي كانت تقتل بدورها كالأفعال، وعرض أمام عينيه آثار التعذيب التي ترفض أن تغادر الجسد، لتتحول علامة فارقة، ولتكون شاهداً على عهد كامل رزح السوريون تحت وطأته ستة عقود.
صورة المواجهة، ضحية وجلاد.. صورة بمليون كلمة، وكل كلمة هي رسالة إلى كل سجين، إلى كل مظلوم على أرض وطننا سوريا، رسالة إلى كل سوري بأن ليل الطغاة مهما علا وامتد لا بد أن يعقبه نهار العدالة والحرية. لقد انتظره السوريون طويلاً قبل أن يقرروا قطع دابر الطغاة ولياليهم المظلمة، قبل أن يرفعوا العدالة شعاراً، والحرية عملاً، ليتحقق لهم ذلك النهار الذي أشرق برحيل الطاغية.
صورة بمليون كلمة، وكل كلمة سهم يخترق صدر كل ظالم قاتل، ويمزق أوهامه بإمكانية الفرار من قدر العدالة والمحاسبة، ونيل العقاب المُستحق.
كل مجرم سيسقط في يد العدالة، مهما طال الوقت.. هذه رسالة السوريين وقيادتهم، وإذا كان سجن صيدنايا مقدراً له أن يبقى جرحاً غائراً في الذاكرة والوجدان، فإن قدر السوريين ونجاتهم أن يعملوا دائماً على ألا يكون هناك «صيدنايا آخر» وألا تكون هناك ديكتاتورية أخرى، وأن يكونوا يداً واحداً لتبقى سوريا وتحيا واحدة موحدة.. هذه سوريا أمانة بيد كل أبنائها، وحصانة لكل أبنائها.