الحرية- لبنى شاكر:
يحتفي صنّاع مسرح الطفل عادةً بكثرة الحضور والتصفيق على أنهما حكمٌ بنجاح عرضٍ ما، وإن كانا متوازيين معظم الوقت مع الرقص والضحك واللعب، لكن الأمر مختلفٌ تماماً إذا ما كنا نبحث جديّاً في معنى “عرضٍ ناجح” حسبما يرى المخرج زهير البقاعي في حديثه لـ “الحرية”، إذ إن التوافق بين الحالتين النقدية والجماهيرية معيارٌ هو الأصدق والأكثر ثباتاً وديمومة، في ميدان يقلّ التطابق فيه بين الكلام عن القيم الفنية والإبداعية للمسرح، والنتائج الظاهرة في العروض.
+ مسرح الطفل يحمل قيماً عليا، لكن الإشكال يأتي عادة في كيفية تقديمها
عن البدايات
يُعرّف البقاعي عن نفسه بالممثل والكاتب والمخرج المسرحي، بدأ التمثيل طفلاً مع منظمتي الطلائع والشبيبة، في تلك المرحلة كتب وأخرج نصه الأول تحت عنوان “تمنوا لنا حظاً سعيداً”، وكان فاتحة لأربع جوائز محلية، حضر أيضاً كـ”كومبارس” عدة مرات قبل أن يتعرّف إلى فرقة “القنيطرة” المسرحية بإدارة الفنان زيناتي قدسية، منها إلى الجامعة والمسرح القومي.
يقول البقاعي: “درست الفنون الجميلة لكنني لم أكمل دراستي حيث شدّني المسرح واتجهت إليه بكل ما أملك، مع ذلك امتهنت لفترة قليلة تصميم بطاقات الأفراح، وأعدتُ رسم لوحاتٍ لرسامين عالميين مستشرقين، هذا مكنني من الدخول في عوالم اللون والمنظور بشكل أكبر وشكّل لي مصدر دخل مريح نوعاً ما، لاحقاً حين تفرغت للعمل في المسرح، شعرت بأنني انتقلت من اللوحة الثابتة إلى المتحركة”.
+ مهمة النقد أبعد بكثير من شرح مقولة العمل وسلبياته وإيجابياته، الناقد مشاركٌ فعّالٌ في العرض
الشخصية “اللاعبة”
يهتم البقاعي بالشخصية “اللاعبة” بالمعنى التركيبي لمفردة اللعب، أي أنها تختبر لحظاتٍ ومشاعر مختلفة كالغضب والفرح وغيرها، على أن لا يكون هناك أي ابتذال أو إسفاف يمكن أن يصل الطفل ويحفظه في ذاكرته، مع الحرص كذلك على وجود لغة تفاهم بين المخرج والممثل.
يضيف لـ “الحرية”: “مسرح الطفل فيه عوالم باهرة جداً، ينمي الوجدان ويشكّل ذائقة الجمال، وهو أيضاً مسرحٌ عقلانيٌ ومدروس ليناسب المراحل العمرية المستهدفة في كل عرض، وهو يحمل قيماً عليا، يأتي الإشكال عادة في كيفية تقديمها، بالتأكيد لا يجب أن يكون هذا بطريقة مباشرة أو تلقينية أو وعظية بل بأسلوب درامي يدخل وجدان وعقل الطفل ليصبح أكثر نبلاً.”
+ أعرف ممثلين ومخرجين عملوا معي في المسرح وعلّمتهم، كان بإمكانهم أن يمدوا لي يد العون، لكنْ قليلون جداً من يحفظون الود والوفاء لمن علّموهم
خيارات النقاد
بالعودة إلى ما بدأنا به حوارنا، يُؤمن البقاعي بأهمية الكتابة النقدية عن العروض المسرحية ضمن مستويات متعددة فنياً وفكرياً، لأن ذلك يمكن أن يُنبه العاملين في المسرح إلى نقاط غابت عنهم، ولاسيما أن مهمة النقد برأيه أبعد بكثير من شرح مقولة العمل وسلبياته وإيجابياته، الناقد مشاركٌ فعّال في العرض.
لكن ماذا عن الكتابات الوصفية، وهي الأكثر على حساب القلّة في نقاد المسرح؟. يجيب: “في النقد كما في التمثيل، الممثلون كثر لكن الموهوبين قلائل. الكتابات الجادة قليلة، لأن المسألة تتعلق بالتخصص، ونحن نفتقد هذا بشدة، سابقاً كانت هناك أسماء كبيرة مثل الراحل د.نديم معلا ود.نبيل حفار، حالياً توجد مجموعة لا بأس بها لكن خياراتهم محدودة، بعضهم ينطلق من علاقته بالمخرج ورأيه بالعمل “أحبه أم لا”، بالعموم أنا لست ضد هؤلاء مهما كانت توجهاتهم ودوافعهم، كتاباتهم ستسهم بشيء من الانتشار للعمل، وفي النهاية البقاء للقيّم عروضاً وكتابةً”.
مُشاركات مسرحية
خلال الأعوام الأخيرة، قدّم البقاعي مجموعة أعمال مسرحية منها “القطة شحرورة” كتابة وإخراجاً، وفي رصيده أيضاً “شموسة” تمثيلاً وكتابة وإخراجاً وهي تحكي عن الصراع بين النور والعتمة في حدوتة بسيطة فيها شيء من الخيال وكثير من الكوميديا المبالغ بها بشكل مدروس، كما شارك مع المخرجة سوزان الصالح في مسرحية “أميرة البحار السبعة”، وغيرها الكثير.
لديه مشاركات في مسرحيات للكبار منها “حفلة على الخازوق” لزيناتي قدسية، “السيرك الأوسط” لغزوان قهوجي، “أحلام الصعاليك” لمحمد الطيب، أخرج عرض مونودراما “شمة زعوط” للكاتب عدنان كنفاني. وعلى صعيد المسرحيات المنشورة، اشتغل البقاعي على نصوص شهيرة مثل: “الخادمات”، “جلجامش”، “الخادم الأخرس”، “مغامرة رأس المملوك جابر”. وفي السينما له تجارب منها “الهاتف” للمخرجة فاديا إبراهيم.
إشكالياتٌ معروفة
واجه البقاعي إشكاليات كبيرة في التلفزيون، يصفها بالمعروفة، وفي مقدمتها “الشللية”. يشرح: “لم أنتمِ يوماً لشلة، أعتمد على جهدي وفهمي للفن لا على العلاقات والمعارف، لم يتوفر لي أي دعم من الشركات ولا من أحد آخر، بالمقابل لا أسعى للتملق والدخول بمهاترات، أعرف ممثلين ومخرجين عملوا معي في المسرح وعلّمتهم، كان بإمكانهم أن يمدوا لي يد العون، لكنْ قليلون جداً من يحفظون الود والوفاء لمن علّموهم، أزعم إنني ممثل مغاير لكن لم يُستثمر هذا في التلفزيون”.
شارك البقاعي في عدة أعمال تلفزيونية منها: “سقف العالم” لنجدة أنزور، “قانون ولكن” لرشا شربتجي، “الشوكة السوداء” لمحمد عزيزية، “باب الحارة” لمحمد زهير رجب، ويستعد لمشروع تلفزيوني كتابة وإخراجاً وتمثيلاً، يعلّق هنا: “مسألة الإخراج ليست سهلة أبداً، يفترض أن يمتلك المخرج قدراً معقولاً من العلم والمعرفة على صعيد علم النفس والجمال والاجتماع، وأن يُحيط بمعارف كثيرة تُمكنه من خلق عالم متكامل فنياً يصنع الدهشة والفن المبتكر”.