الحرية – آلاء هشام عقدة:
بعد توقف صوت السلاح وعودة المدن لالتقاط أنفاسها الأولى، يبدأ السؤال الأصعب: كيف يتحوّل التحرير إلى بناء؟ ففي بلد أثقلت الحرب يومياته، لم يعد رفع الرايات كافياً، ما يطلبه السوريون اليوم هو رؤية لمسار واضح يعيد للحياة انتظامها وللمجتمع ثقته.
وتوضح الدكتورة ريم عيسى، أستاذة الاقتصاد في جامعة اللاذقية، لـ«الحرية» أنّ التحرير الحقيقي لا يُقاس فقط بعودة الجغرافيا، بل باستعادة الإنسان لدوره ووعيه ومسؤولياته، وتقول: الأرض قد تتحرر، لكن إعادة بناء العلاقة بين المواطن والدولة هي الامتحان الأصعب، هذا الجيل يُطالَب اليوم بصناعة السلام، رغم أنه لم يُستشر في قرار الحرب.
وترى عيسى أن الشباب السوري اليوم ليس جمهوراً ينتظر الخطب، بل طاقة خام يجب أن تُحتضن وتُفعّل عبر المشاركة وصنع القرار، مؤكدة أن تمكين الجيل الجديد هو أول خطوة لتثبيت الاستقرار وتحويل النصر إلى مشروع تنموي طويل الأمد.
بناء وعي وطني جديد.. خارج منطق الشعارات
المرحلة الحالية تتطلب- برأي عيسى- وعياً وطنياً جديداً يقوم على المشاركة لا الاصطفاف، وعلى العمل لا التمجيد، فالتحرير تحقق عسكرياً، لكن إعادة بناء الثقة تحتاج إلى مؤسسات عادلة، ونظام خدمة يكرّس قيمة الإنسان، ومدارس وجامعات ومرافق عامة يشعر المواطن أنها له وليست فوقه.
اللحمة الوطنية، كما تقول عيسى، لا تُفرض بقرار، بل تُبنى في التفاصيل: في صف دراسي يعود للحياة بعد ترميمه، في طبيبة بقيت في مركزها لأنها تعتبر شفاء المرضى جزءاً من شفاء الوطن، وفي شاب يبدأ مشروعه رغم الظروف لأنه يؤمن بأن سوريا لن يبنيها سواه.
امتحان الدولة.. وانتظار الناس
ومع تزايد الحديث عن إعادة الإعمار، ينتظر الشارع السوري خطوات ملموسة: خدمات أفضل، فرص عمل حقيقية، وسياسات اقتصادية تخفّف الأعباء اليومية، فهذا الانتظار هو الاختبار الحقيقي للمؤسسات، وهو ما سيحدد إن كان التحرير سيبقى لحظة رمزية.. أم سيصبح نقطة تحول فعلية.
بداية الطريق لا نهايته
من الواضح أن النصر العسكري لم ينهِ مهمة السوريين، بل نقلها إلى مستوى جديد، فمرحلة ما بعد التحرير تحتاج إلى وعي، وإدارة، وكفاءات، وإصرار يومي على البناء.
وكما ختمت الدكتورة عيسى تصريحها لـ«الحرية»: المستقبل لا تصنعه الشعارات.. بل الأيدي التي تعمل.