تكلم حتى أراك… واكتب حتى أقشعك! حرف الضاد يقاتل وحيداً!

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- زيد قطريب:
لم يكن تقرير مجلة “الإيكونوميست” البريطانية، مفاجئاً، رغم أن المحرر اختار عنواناً صادماً يقول: “اضمحلال لغة القرآن”، فالدراسة التي أجرتها المجلة، أفضت إلى نتيجة تقول إن العربية ستتحوّل إلى لغة ميتة بعد مئة عام! وذلك استناداً لاكتساحها بالمفردات الأجنبية، وتخلف مناهج التعليم وعدم إعطائها العربية الأهمية المطلوبة، وجعلها لغة أولى مرسبّة في جميع المراحل الدراسية.
للأسف، يخوض حرف الضاد، حربه القاسية، وحيداً مع مفردات التكنولوجيا واللغات الأجنبية المعتمدة كلغة تعليمية في الكثير من المدارس العربية، ويبرر أنصار هذا الاتجاه بمواكبة الحداثة وفهم تطورات العلوم، فيما تبدو مجامع اللغة العربية عاجزة عن تعريب سيل الكلمات الأجنبية المنهمر يومياً عبر السوشيال ميديا وغيرها من المجالات.
نصوص أمة “اقرأ”، وتعابيرها، وحتى قرارات حكوماتها الرسمية، تمتلئ اليوم بالأخطاء اللغوية، والركاكة، حتى إن مقولة الأصمعي الشهيرة عن البلاغة، بأنها تقديم الكثير من المعاني بأقل عدد من الكلمات، صارت ضرباً من الخيال عند أجيال، لم تُعطَ الاهتمام الكافي، في صون لسان العرب، من اللحن والكسر والخروج عن القواعد.
بالطبع، لن يكون من السهل، هزيمة أحرف “أبجد هوز”، كما توقعت “الإيكونوميست” البريطانية. لكن إذا ما بقي معجم العربية مهملاً بهذا الشكل، فإن حاله بعد مئة عام لن تسرّ أحداً، وربما تصبح الفصحى مقتصرة على النخبة، من الأدباء وهواة اللغة، أما على صعيد المجتمع، فهي تواجه خطراً حقيقياً، يزيد من شدته، اللهجات العامية التي راحت تدخل مجال الكتابة الأدبية في العديد من الدول العربية، بلا مبرر إبداعي أو منطقي. فالروايات التي تصلنا من مصر والمغرب، تؤكد هذا المنحى، ما يرفع درجة الخطر للحد الأقصى.
المصيبة الأكبر ربما، هو وقوع مختصي اللغة العربية، بأخطاء نحوية لا يمكن تخيلها، عدا عن وجود الكثير من الأخطاء اللغوية في رسائل الماجستير والدكتوراه، الخاصة بأقسام اللغة العربية في جامعات العرب عموماً، وهو أمر يثلج قلوب أنصار الغزو الثقافي والتغريب وتبني لغات الثقافات الأخرى، الذين يحاولون تصوير العربية كلغة عاجزة عن المواكبة، مع أنها الأغنى بالمفردات والمعاني المتعددة التي تحملها المفردة الواحدة، مع تبدل التشكيل، وتغير موقعها في الجملة.
الكثير من العرب، يثيرون الشفقة، أثناء محاولتهم التحدث بالفصحى، من كثرة الأخطاء في النطق، وتكسير أواخر الكلمات، ولو أن سيبويه صاحب “لسان العرب”، يسمع بعضاً من خطاباتهم، لأصيب بالجنون حتماً، ولشعر أن كل ما فعله من تدوين لحفظ قواعد العربية، ذهب سدى.
اختُرقت العربية في العديد من الجوانب، ومنها البرامج التلفزيونية والمسلسلات التي أغرقت في اللهجات المحلية، إلى درجة اعتُبرت فيها الفصحى لغة جامدة لا تواكب العصر، رغم أنها تحوي أكثر من اثني عشر مليون كلمة غير مكررة، أي ما يقارب “25” ضعفاً من عدد الكلمات باللغة الإنكليزية. ومع هذا، تتوقع “الإيكونومست” أن تتحول إلى لغة ميتة، بسبب إهمال أبنائها، وتعاملهم معها كوسيلة للتفاهم، وليس على أنها إحدى مكونات شخصية الأمة.
وإذا ما أضفنا، المواجهة التي تخوضها العربية مع لغة التكنولوجيا واللهجات العامية، وكتابة الرموز التي يتواصل بوساطتها الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب أسماء الآلات والمخترعات الحديثة التي تُخاطب بمعجمها الأجنبي، يمكننا أن نتخيل حجم الخذلان الذي مُنيت به حروف “أبجد هوز” وهي تُترك وحيدةً أمام مصيرها المحتوم.
بالعودة إلى تراث الأجداد، يظهر اللحن باللغة، جريمة كبرى تخفف من شأن صاحبها، حتى لو كان حاكماً، فقد جاء في “معجم الأدباء” لياقوت الحموي، أن الخليل بن أحمد الفراهيدي، سمع أيوب السجستاني، يحدّث بحديث، فلحن فيه، فقال: “أستغفر الله”. ثم يفسِّر: “يعني أنه عدّ اللحنَ ذنْباً”.
ومن لطائف المنقول في اللحن، ما ورد عن الحسن البصري عندما جاءه رجلٌ وقَرَع عليه، قائلاً: “يا أبو سعيد”، وفيها لحن، فلم يجبه البصري. فكرر الرجل وقال: “أبي سعيد” وفيها لحن، أيضاً. فقال له البصري: “قُل الثالثة، وادخُل!”. وقصد بالثالثة “يا أبا سعيد”. وهي الخالية من اللحن.
كان أجدادنا الكرام يقولون: تكلم حتى أراك. وإذا تخيلنا، أن الفراهيدي، أو البصري، يستمعان اليوم لمحطات التلفزة، وخطابات ، وندوات الثقافة والأدب… فلا شك سيقولان: اصمتوا بالله عليكم!.

Leave a Comment
آخر الأخبار