الحرية – محمد فرحة:
طوال العقدين الماضيين وأكثر، كانت الحكومات السابقة ومعها النقابات العمالية، تُردّد معزوفة “إصلاح القطاع العام بات ضرورة اقتصادية واجتماعية ملحة”
دون أن نرى شيئاً ولو بصيص أمل سوى المزيد من التراجع والترهل والخسائر المتلاحقة في مختلف الشركات والقطاعات الحكومية الإنتاجية، بل ما كان لافتاً في بعض الحكومات البائدة والمنحلة أنها كانت ترفع شعارات لا خصخصة ولا تخصيص، بل تطوير وإصلاح، وإذ به تُرك لمصير فوضوي عبث به المعنيون.
اليوم نسمع بأن الحكومة المؤقتة تتجه نحو خصخصة بعض القطاعات والشركات الخاسرة، والإبقاء على قطاع الطاقة والنقل، وفقاً لحديث حكومي لرويترز قبل أيام.
صحيفة “الحرية” تسأل خبيرين اقتصاديين حول خصخصة القطاع العام: هل هو ضرورة أم يجب الإصلاح وهذه كانت إجابتهما:
مدير مصرف تجاري مصياف والاقتصادي مهنا المحمد، أوضح أنه من المواضيع الأكثر إشكالية أن يبقى قطاعنا العام خاسراً، فلا تم إصلاحه طوال العشرين سنة الماضية، ولا تمت خصخصة الشركات والقطاعات الخاسرة بشكل كبير وملحوظ.
وأضاف مهنا: رغم أن رغبة الحكومات البائدة كانت في كل مناسبة تُردّد وتؤكد على ضرورة إصلاح القطاع العام، وما كنا نراه هو المزيد من الخسائر، دون أي تخفيض منها، من جراء الترهل الذي أصاب هذا القطاع وعدم قدرته على اللحاق بالقطاع الخاص، وأي خصخصة اليوم لا بد فيها من المحافظة على اليد العاملة الماهرة وأصحاب الخبرة والباع الطويل فيما يتعلق بالإنتاج والإنتاجية، في الوقت الذي لا يتوافر التدريب اللازم لعمالة جديدة للارتقاء بالعمل من أجل جودة المنتج.
كما تطرق مهنا إلى أن كثيراً من دول العالم تخلت عن القطاع العام، وهذه حقيقة واتجهوا نحو الخصخصة أو التشاركية مع وجود ملاحظات كثيرة على خطوة كهذه.
وعن الملاحظات، يجيب المهنا: هناك احتمال وقوعها في المطب نفسه والعراقيل، وخاصة عندما تكون سيطرة الدولة على ٥٠% وبالتالي سيكون القرار لها وستكون الآلية نفسها كما كانت يوم كان قطاعاً عاماً. فذهاب أغلب الباحثين إلى فكرة القطاع العام وسيطرة الدولة على الإنتاج والتدخل الإيجابي قد كانت تصلح في فترة من الفترات، لكنها شاخت اليوم ومحاولة بث الحياة ودب الروح بها خطوة في غاية الصعوبة إن لم نقل مستحيلة.
وختم الخبير الاقتصادي مهنا حديثه: في ظل اقتصاد السوق الحر التنافسي وسيطرة الشركات الكبرى العابرة يبقى اعتقاد فرص القطاع العام في النجاح شبه معدومة.
فاليوم يجب اتخاذ القرار المناسب بسرعة كبيرة، وإلا فالخسارة لا يمكن لأحد التنبؤ بها، كما في أسواق البورصة وتداول الأسهم.
نعم كان في السنوات الماضية من الحكم البائد ضرورة اقتصادية واجتماعية لإصلاح القطاع العام، لكنهم كانوا منشغلين بتعزيز الفساد، الأمر الذي أوصل اقتصادنا إلى هذا الدرك، رغم توافر كل مقومات النجاح التي كانت متوافرة.
من جانبها، بيّنت الأستاذة في جامعة حماة الدكتورة اسمهان خلف، أن التطوير والتجديد سر نجاح الشركات والقدرة على تلبية ذوق المستهلك.
فمن الأفضل تأسيس شركات عامة مساهمة تستطيع الدولة أن تشتري فيها أسهماً بحدود معينة كأي تاجر، وبالتالي تشترك بالملكية والإدارة وبالوقت نفسه صنع القرار التشاركي لا التفرد بهذا القرار.
وترى الدكتورة خلف، أنه يجب الابتعاد عن المركزية، فهي الموت المحتم لإبداع الفرد.
بالمختصر المفيد: إن خصخصة الشركات الخاسرة والإبقاء على قطاعي الطاقة والنقل قد يكونان حلاً للقطاعات الخاسرة، لكن لا بد من توافر شروط ومقومات نجاح هذه الخصخصة، بعيداً عن المركزية، وأي خسائر جديدة قد تلحق بقطاعنا العام، سواء كان بخصخصة أو بلا خصخصة ستكون كارثة اقتصادية، وهذا لا تقبله الحكومة المؤقتة وترفضه، بل تسعى للنهوض الاقتصادي والاجتماعي معاً بكل ما أُوتيت من قوة وجهد.