صناعة المزاج العام من «الجمهور عايز كده» إلى «السوشيال ميديا»

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية- وصال سلوم:

انقلب المزاج العام على السوشيال ميديا، من متابعة أخبار الفنانين والدراما وفضح الأسرار، إلى عالم السياسة والحروب وأنباء الكوارث. وراحت مجموعات “البلوغر” وصناع المحتوى، تركب الموجة، من أجل الحصول على متابعين كثر، بعد أن فقدت موضة الممثلين جاذبيتها!.

المتحكم الضخم
التحول يطرح فرضية، أن يكون هناك متحكم ضخم يجلس خلف أزرار السوشيال ميديا، ويعطي الأوامر لطبيعة الموجة التي ستسود في كل مرحلة، بحيث يتم التحكم، دون أن نشعر، بالمزاج العام عبر آلاف الناشرين الذين يغيرون مضامينهم كأن هناك من يتحكم بهم عن بعد.

إنها الخوارزمية
إنها خوارزمية النشر والانتشار التي تتبعها المنصات والصفحات، فبعد أن كانت بعض المواقع تمارس سياسة المنع والحظر ضد الناشرين الذين ينشرون محتوى لا يناسب سياستها التحريرية، أصبح بإمكان الجميع اليوم نشر ما يريدون بلا رقابة أو منع، حيث ستتكفل تلك الخوارزمية بالحد من الانتشار، ليصبح الناشر وكأنه يكتب لنفسه، حيث لن يظهر ذلك المنشور سوى لعدد ضئيل جداً من الناس.
ومن دون صدور أوامر رسمية مباشرة، بات بإمكان المتحكمين بتلك الخوارزمية، التحكم أيضاً بالمزاج العام والرأي السائد وتوجيهه، بعد أن ساد الاعتقاد لوقت طويل بأن السوشيال ميديا تنسجم مع الدارج وتراهن على الشعبي، لنتأكد جميعاً بأن هناك “كونترول ضخم” يمكنه في أية لحظة، توجيه التيار باتجاه اقتصادي أو فني أو سياسي، حسب ما تقتضيه الإدارات الخفية الكبرى في العالم.
عندما تكون الموجة اقتصادية، يتم صناعة تريند يهيئ للتغير المنتظر، ومع ارتفاع أعداد المتابعين، ينعطف الناشرون باتجاه هذا الفضاء لحصد المتابعين الجدد، عندها سنرى الاهتمام يأخذ بعداً اقتصادياً فعلاً على مستوى العالم، وهو ما يحصل أيضاً إذا كان الموضوع سياسياً أو عسكرياً، أما المواضيع الترفيهية، فيتم التعامل معها كاستراحات لا مانع من انتشارها، عندما لا تكون هناك قضايا ملحة، لدى ذلك الكونترول الضخم الذي يتحكم  بكل شيء.

قلب القاعدة
لقد قلبوا القاعدة القائلة إن “الجمهور عايز كده”، فأصبحت “نحن عايزين كده”، بمعنى أن من يمتلك خوارزمية السوشيال ميديا، هو من يحدد المزاج العام ويؤثر فيه وليس العكس. وتلك الحقيقة إذا ما كتب لها الاستمرار في النجاح، فلاشك ستؤثر على أسلوب تفكير الدول والبشر بشكل عام.
تريدون توجيه الرأي العام باتجاه انتقاد الاقتصاد الصيني؟ حسناً، الأمر بسيط. سيتم صناعة تريند يبدو بريئاً يستجلب التعاطف، ثم وخلال فترة بسيطة تتم صناعة جمهور إلكتروني، وبعدها المزيد من قوافل الجمهور المشابهة، ليصبح المزاج الواقعي العام في معظم دول العالم، كذلك فعلاً. الأمر نفسه يحصل في التمهيد للحروب والأحداث الكبرى، فالقصف التمهيدي يحصل من تلك الخوارزميات التي تدفع الجمهور للقول إن هذه الحرب يجب أن تحدث فعلاً، من أجل خير البشرية وصالحها العام!.
وفي الحقيقة، لم يكن انتشار كورونا، إلا تجربة لهذا النوع من صناعة المزاج العام، عندما تم تعميم الهلع بحيث صار الناس يتقبلون كل إجراء للخلاص من ذلك الفايروس. لكن المشكلة الخطيرة، تحصل في إحداث التغيرات الثقافية عند الشعوب، وتبديل قناعاتها وخصوصياتها، فتلك الخوارزمية، يمكنها شيطنة كل شيء وملاحقته حتى يضطر للتبدل، وهذه تعتبر أخطر الصناعات التي بدأتها السوشيال ميديا.

Leave a Comment
آخر الأخبار