في دلالات «اتصال التهنئة» لماكرون بالرئيس الشرع.. سوريا الجديدة على الطريق الصحيح

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

بلغة المرحلة، هي تهنئة بالغة الدلالة تلك التي قدمها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للسيد الرئيس أحمد الشرع بتوليه منصب الرئاسة وذلك عبر اتصال هاتفي أمس وتوجيهه دعوة خاصة له لزيارة فرنسا..
وبلغة الاقتصاد، هي تهنئة لها ما بعدها، باعتبارها تطوراً لافتاً ليس فقط على مستوى المرحلة، أي شكل ومضمون العلاقات السورية- الفرنسية المستقبلية، بل على المستوى الأعم، أي العلاقات السورية الأوروبية/الدولية.. وهي تهنئة سيعقبها ما يُماثلها على مستوى الرؤساء والمسؤولين الأوروبيين، باعتبارها الأولى أوروبياً (وغربياً بالعموم) وبما يفتح الباب أمام خطوات أوسع باتجاه رفع العقوبات، خصوصاً وأن فرنسا (ومعها ألمانيا) تقود جهوداً بارزة ومهمة في هذا الإطار، وكانتا من أوائل من أرسل مسؤولين إلى دمشق بعد التحرير في 8 كانون الأول الماضي..
وبلغة السياسة والجغرافيا، هي تحول مهم في النظرة الفرنسية حيال مسار التطورات الداخلية في سوريا، إذا ما أخذنا بالاعتبار الموقف من «المكون الكردي» الذي شابه كثير من الجدل خلال الشهرين الماضيين، لناحية تصريحات ماكرون حول أنه «لن يتخلى عن الأكراد» ولكن الاتصال الهاتفي الذي أجراه ماكرون مع الرئيس الشرع وحمل التهنئة ودعوة الزيارة، تضمن أيضاً تأكيد ماكرون لدعم العملية السياسية في سوريا ووحدة وسيادة أراضيها. وهذا التصريح يعزز ما سبق من تصريحات أطلقها مسؤولون فرنسيون مؤخراً دعوا فيها إلى دمج «قوات سوريا الديمقراطية/قسد» بشكل كامل في عملية الانتقال، وهذا بلغة السياسيين تحول لافت ومهم وفي فترة زمنية قصيرة، ما بين اتصال ماكرون بالرئيس الشرع وزيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (مع نظيرته الالمانية أنالينا بيربوك) دمشق في 17 كانون الأول الماضي، حيث التقيا الرئيس الشرع، ممثلين عن الاتحاد الأوروبي.
ولأن مسألة رفع العقوبات أولوية، فقد أخذت حيزاً مهماً من المباحثات الهاتفية بين الرئيسين الشرع وماكرون، وفق البيانين الرئاسيين اللذين صدرا عن دمشق وباريس، حيث أكد ماكرون مساعي بلاده لرفع العقوبات عن سوريا وإفساح المجال للنمو والتعافي، هذا من جهة..
ومن جهة ثانية تأكيدهما ضرورة العمل بشكل مشترك لمواجهة التحديات الأمنية، وبما يحفظ الأمن والاستقرار في سوريا.
(وكان الاتحاد الأوروبي أعلن في 27 كانون الثاني الماضي ما سماه خريطة طريق لتخفيف العقوبات بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد.. وقبل أيام أعلن الاتحاد تعليق العقوبات على حركة الطيران والشحن والبنية التحتية المصرفية والطاقة لمدة عام).
وشكر الرئيس الشرع الرئيس ماكرون على مكالمته وعلى موقف فرنسا الداعم للشعب السوري خلال الـ14 عاماً الماضية، مؤكداً أن «سوريا ستكون جزءاً إيجابياً وفاعلاً في المنطقة والعالم، وهي تشارك شركاءها الهواجس الأمنية، وستركز على مصالحها الوطنية المتمثلة باستقرار وسيادة سوريا وسلامة أراضيها» وفق بيان الرئاسة السورية.
وتحدّث الرئيس الشرع عن «التحديات الحالية التي تتمثل بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على الشعب السوري وعدم استكمال وحدة الأراضي السورية». وتطرق إلى «الرؤية التنموية والوطنية التي تنتهجها الإدارة الجديدة لضمان رفاهية وتعافي سوريا وشعبها بشكل عاجل».
بلا شك يفتح هذا الاتصال من الرئيس ماكرون بالرئيس الشرع باب التحليل الواسع لما ستكون عليه العلاقات السورية- الفرنسية المستقبلية بعد انقطاعها لـ13 عاماً مضت. وإذا ما نظرنا إلى تاريخ هذه العلاقات فإنه كان لفرنسا دائماً حضور خاص ودور مهم على الساحة السورية.
ووفق صحف فرنسية فإن فرنسا تستعد لتسريع خطواتها الدبلوماسية باتجاه دمشق، أي باتجاه القيادة الجديدة والرئيس الشرع، وسط مسار إقليمي دولي نشط ومكثف ومتواصل لـ«ترتيب الأوراق وإعادة التموضع» في سوريا الجديدة.
وترى هذه الصحف أن «الدبلوماسية الفرنسية تتمتع بميزة فريدة في المشهد السوري الجديد، فعلى عكس القوى الأوروبية الأخرى، لم تساوم فرنسا على مواقفها المبدئية تجاه نظام الأسد»..«وحافظت على علاقات وثيقة مع المعارضة السورية والمجتمع المدني، عبر مبعوثيها في المنطقة» مشيرة إلى «أن هذا الموقف الثابت يمنح فرنسا مصداقية خاصة في المرحلة الحالية».
وحسب ميشيل دوكلو، المستشار الخاص في معهد مونتين والسفير السابق في سوريا، فإن «فرنسا تمتلك عدة أوراق قوة في المشهد السوري، فإلى جانب غياب الماضي السلبي مع السلطات الجديدة، فإن مكانة فرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة لدمشق في المستقبل».

وكانت صحيفة «أكسبريس» الفرنسية، اعتبرت- في مقال لها قبل أيام- أن فرنسا، رغم تأخرها عن بعض العواصم في التواصل مع دمشق، إلا أنها تمتلك فرصة حقيقية للعب دور مؤثر في المرحلة المقبلة «ويعزز هذه الفرصة علاقاتها القوية مع قطر والسعودية، اللتين من المتوقع أن يكون لهما دور مهم في إعادة إعمار سوريا وتحقيق الاستقرار فيها».
وكان الرئيس الشرع زار السعودية الأحد الماضي، ثم تركيا أمس الثلاثاء، وذلك في مستهل زياراته الخارجية، وسط ارتياح وتفاؤل السوريين بالزيارتين وبمجمل النشاط الدبلوماسي للرئيس الشرع والذي يرى المراقبون أنه ينم عن فهم استراتيجي عميق لمسار بناء الدولة واستعادة الاقتصاد، تبعاً لمكانة كل دولة ودورها ومواقفها تجاه سوريا الجديدة.

Leave a Comment
آخر الأخبار