الحرية- عمران محفوض:
الجميع متوافق على أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وحتى متناهية الصغر كقاعدة تنموية اقتصادية واجتماعية في آن معاً، على أمل تطويرها مستقبلاً لتصبح مشروعات إنتاجية وخدمية أكبر من حيث حجم رأس المال الموظف وعدد العاملين فيها، ومن حيث توسعها الجغرافي على مستوى جميع المحافظات.. لكن.. الذي حصل أننا – سابقاً واليوم- لم نستطع تحديد نقطة البداية لتحقيق هذا التوافق التنموي على أسس قانونية وتنظيمية واضحة لتنفيذ خريطة استثمارية ناجحة لهذه المشروعات.
وتحت غطاء هذا التوافق حاولت بعض الجهات العامة والخاصة تسويق فكرة الدعم المالي كأولوية لانتشار هذه المشروعات على ساحة الوطن لدرجة أن المساندين لهذه الفكرة طالبوا بتراخيص لإقامة المشروعات الصغيرة داخل المناطق المأهولة بالسكان في المدن والأحياء متجاهلين وجود عشرات المدن والمناطق الصناعية التي أنفقت عليها مليارات الليرات لتكون جاهزة من جميع النواحي لاستقطاب هذه المشروعات.
اليوم.. لا يمكننا الاستمرار بالدوران ضمن هذه الدوامة عبر ترك المجال لمزيد من “النق” الصناعي على مطلب الدعم المالي قبل إقامة أي مشروع صغير، أو متناهي الصغر متجاهلين حاجة البلاد الراهنة لمثل هذه المشروعات على الصعد كافة، بل علينا تحديد أولويات العمل في هذا المجال، ولتكن الأولوية الأولى إعداد جيل راغب في العمل الحر ومتطلع إليه، ولديه القدرة على مقاومة الفشل والإحباط الذي قد يصيب البعض عند أول عثرة يتعرضون لها في مشروعهم، وهذه هي التربة الصالحة لاستنبات المشروعات الصغيرة.
وتالياً؛ لا بدّ أن يترافق إعداد هذا الجيل المنتج مع وضع إستراتيجية متكاملة من الجهات المعنية بالاستثمار في المشروعات الصغيرة يتم في إطارها تحديد الأهداف الإنمائية والاجتماعية لهذه المشروعات، وترتيب أولوياتها، وتوزيع الأدوار فيما بين هذه الجهات، في إطار من التنسيق والتكامل، وإيجاد المناخ المؤاتي للتوسع في إقامة المشروعات الصغيرة، واجتذاب المبادرين من خلال تطوير التشريعات والنظم ذات العلاقة، بل إيجاد الإطار التشريعي الخاص لهذا النوع من الاستثمار، من حيث آليات التسجيل والترخيص وحقوق الملكية، والحماية من الممارسات غير التنافسية.
وأخيراً يأتي التمويل الكافي لتهيئة البنية التحتية والتقنية وتوفير الخدمات الفنية والتسويقية والمعلوماتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال المؤسسات ذات العلاقة، بما يسهم في تخفيف التكاليف الإجمالية على صاحب المشروع، وتحقيق الاستفادة من مختلف الخبرات المتاحة من منابعها وآلياتها المتخصصة.
وبعد تحديد تلك الأولويات يمكننا الجزم أن تنفيذها يحتاج تعاوناً مثمراً وعملاً تشاركياً حقيقياً بين القطاعين العام والخاص لكي تصبح لدينا مشروعات صغيرة متنوعة في جميع القطاعات تعمل في نور القوانين والأنظمة الاقتصادية والمالية – لا في ظلام الأقبية المخالفة وأبنية السكن العشوائي- وغايتها الأساسية تكون المساهمة في بناء اقتصاد وطني قوي، وليس التهرب من الرسوم والضرائب وتحقيق أرباح شخصية على حساب جودة المنتجات.. وإلّا فإن جميع التصريحات والاجتماعات والندوات التي أقيمت بشأن دعم واحتضان هذه المشروعات لا قيمة تنموية لها ما لم يكن لها أثر واضح على أرض الواقع.