وحدة الصف.. ضرورة لمواجهة التحديات المعاصرة

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- مجد عبيسي:

في أزمان خلت برزت قوة العرب سيفًا يُرهِبُ الأعداء، لكنَّ الضعف الذي نال منهم في القرنِ التاسع عشر أفقدهم مكانتهم، ومنحَ الغربَ فرصةً ذهبيةً لتفتيتِهم، منذ أكثر من 1400 عام كانت دولة المسلمين إحدى القوى الكبرى في العالم، ويبدو أن الضعف العثماني وتفكك شمل المسلمين وتأخرهم الحضاري، خصوصاً في القرن التاسع عشر، أعطى الغرب الأوروبي -المثقل برصيد تاريخي من الخصومة والعداء، فرصةً ذهبية لا تعوض- فكان السؤال البارز هو كيفية ضمان ألا تظهر قوة إسلامية كبرى تحلّ مكان الدولة العثمانية حال سقوطها، وتهدد من جديد مصالح الغرب ومطامعه؟
ولذلك ظهرت فكرة «الدولة الحاجزة» التي تغرس في قلب العالم الإسلامي وعند نقطة اتصال جناح العالم الإسلامي في آسيا بجناح العالم الإسلامي في إفريقيا، بحيث يفصل بينهما كيان غريب معادٍ يمنع أي وحدة أو نهضة إسلامية محتملة، ويكون رأس رمح لضرب أي نمو حضاري قوي في المنطقة، أو على الأقل يشغل العالم الإسلامي بمشكلة طويلة معقدة تستنزف طاقاته وجهوده وتبقيه إلى أبعد مدى ممكن في فلك التبعية والضعف والحاجة للعالم الغربي.
ولن ندخل في الخطة التي أعدت سراً داخل سراديب لندن، بل سنستعرض ما شهد به الغرب أنفسهم في هذا الخصوص لنرى أين موقعنا اليوم من هذه المخططات.

معركة “ذي قار” رمز الوحدة والانتصار

يقولٌ (مور بيجر) في كتابه العالم العربي المعاصر: (إنّ الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة العربية، ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل لمحاربة الإسلام بالحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوتهم؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره)، أما عباس محمود العقاد فيؤكد في كتابه (عبقرية خالد) عن حال العرب قبل الإسلام: “.. كانوا متفرقين بغير باعث على الوحدة والنهوض، فجاءتهم الدعوة الإسلامية تجمع شتاتهم وتبعث كرامتهم وتنطلق بهم فى سبيلهم، فتم لهم ما نقص وتهيأت لهم ذرائع النصر في شريعة الأرض والسماء، وعلم النبي عليه الصلاة والسلام بيوم «ذي قار» وهو يدعو العرب إلى دين التوحيد، فرأى فيه بوادر نصر العرب على العجم، وأيقن أنه يوم تتلوه أيام، وأنه مسمع بدعوته الأمم جميعًا عما قريب..”
معركة ذي قار مواجهة تاريخية وقعت بين العرب والفرس شمال الجزيرة العربية، جنوب مدينة طريف بالسعودية حاليًا، وانتهت بانتصار العرب، ما جعلها من أبرز أيامهم التاريخية، وأول مرة يحققون فيها النصر على الفرس، ما أضعف النفوذ الفارسي في المنطقة.
تعتبر معركة ذي قار من أهم المعارك في العصر الجاهلي، حيث تجمع العرب من بنو عجل بقيادة حنظلة بن ثعلبة، وبني شيبان بقيادة بكر بن زيد، واستمرت المعركة لعدة أيام انتهت بهزيمة الفرس وانتصار المسلمين؛ ما أشعل غضب كسرى الثاني قائد الفرس ولم يتمكن بعدها من إعادة الهيمنة على الجزيرة العربية. ذي قار لم تكن بين المسلمين والفرس بل بين العرب والفرس وسبب النصر كان في وحدتهم يومئذ، سلاح العرب الأمضى عبر العصور، وما الإسلام إلا الجامع على هذا المبدأ.

الوحدة أمل المستقبل

يقول القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي، إيتان بن إلياهو: “الاطلاع على قصة انتصار عمر بن الخطاب على الإمبراطورية الرومانية والفارسية في وقت قياسي وفي إمكانيات ذلك الزمان تدل على أن العرب بإمكانهم أن يفاجئونا”. وهنا تبرز أهمية الوحدة وتجنب الفرقة والنزاع، فمن يسعى لتمزيق وحدة الصف عن عمد أو دون وعي يُعد أداة في يد الأعداء ومخططاتهم، ما لبثت مسؤولية شباب العرب كبيرة، فهم أمل الأمة، ووحدتها شعارهم، فإن جرى الخلاف فلا مكان للانقسام الذي يهدد المستقبل ويشتت الجهود وننتهي بخير الكلام: “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا”.

Leave a Comment
آخر الأخبار