الحرية _ رشا عيسى:
تمثل عودة إدراج سوريا في بيانات وتوقعات البنك الدولي بعد أكثر من 14 عامًا من الانقطاع حدثًا بارزاً يحمل دلالات اقتصادية وسياسية متشابكة، وتعكس تحولات جوهرية في الوضع السوري بعد سقوط النظام السابق.
وهذه العودة ليست مجرد حدث تقني، بل خطوة استراتيجية تحمل دلالات اقتصادية وسياسية عميقة كما يوضح الباحث في الشأن الاقتصادي والسياسي المهندس باسل كويفي لـ ( الحرية).
*كويفي: بدأت المؤسسات الدولية ترى إمكانية للتعامل الاقتصادي في سوريا
وتمثل العودة من الناحية الاقتصادية بداية إعادة الدمج في النظام العالمي، مع إمكانية جذب التمويل والاستثمارات. وسياسياً، تعزز شرعية الحكومة وتفتح آفاق التعاون الدولي.
ورغم الإيجابيات، يرى كويفي أن الاقتصاد السوري لم يدخل بعد مرحلة النمو، ويواجه تحديات هائلة تتطلب استقرارًا سياسيًا، وإصلاحات هيكلية، ودعمًا دوليًا مكثفًا.
ورغم أهمية هذه العودة كونها تعد بوابة لإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار، لكن نجاحها مرهون بالقدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
دلالات اقتصادية
وفي تحليل للمشهد من عدة زوايا اقتصادية، يوضح كويفي أنها إشارة إلى الاستقرار النسبي في سوريا، وتعكس بداية إعادة دمجها في النظام المالي والاقتصادي العالمي، خاصة بعد استئناف الاتصال بنظام “سويفت” وسداد ديونها المتأخرة للبنك الدولي (15.5 مليون دولار) بدعم من السعودية وقطر، ما يعني أن المؤسسات الدولية بدأت ترى في سوريا إمكانية للتعامل الاقتصادي بعد سنوات من العزلة بسبب الحرب والعقوبات.
كما تعد دعماً لإعادة الإعمار بمعنى أن عودة البنك الدولي لتقديم بيانات وتوقعات اقتصادية عن سوريا تمهد الطريق لتخصيص مِنح وقروض، مثل منحة 146 مليون دولار لقطاع الطاقة و80 مليون دولار من السويد للصحة والتعليم، هذه الخطوة تشير إلى استعداد المجتمع الدولي لدعم جهود إعادة الإعمار، وهي ضرورية لإحياء البنية التحتية المدمرة التي تُقدر تكلفة إصلاحها بأكثر من 400 مليار دولار.
*كويفي: عودة البيانات تعزز الثقة لدى المستثمرين الأجانب
من ناحية موازية، تشكل بوابة لجذب الاستثمارات، أي عودة البيانات تعزز الثقة لدى المستثمرين الأجانب، خاصة مع الاتفاقيات المبدئية مع شركات خليجية في مجالات الطاقة والبنية التحتية، مايحفز تدفق رؤوس الأموال، خاصة من الجاليات السورية في الخارج، التي تُشجع على العودة والاستثمار عبر ضمانات مالية وشفافية في تحويل الأموال.
دلالات سياسية
وفي الدلالات السياسية يرى كويفي أنها نوع من الشرعية الدولية واعترافاً ضمنياً بالحكومة السورية الجديدة، ما يتيح إبرام اتفاقيات تجارية واستثمارية، والتفاوض لإلغاء كامل للعقوبات مثل قانون قيصر، الذي يشكل عائقًا أمام التعافي الاقتصادي.
وأيضا تشكل دعماً إقليمياً ودولياً، للحكومة السورية، وتشير إلى تحول في الموقف الإقليمي نحو دعم سوريا الجديدة.
و بين كويفي أن تحديات التشرذم السياسي لا تزال قائمة ما تعيق التعافي الاقتصادي الكامل، ورغم أهمية هذه الخطوات، لا يزال إقناع الأطراف الدولية بتخفيف القيود يتطلب استقرارًا سياسيًا داخليًا وتوافقًا مع الفاعلين المحليين.
*كويفي: لتحقيق نمو اقتصادي مستدام يجب التركيز على إصلاح الحوكمة وتعزيز القطاع الخاص
مرحلة النمو
والسؤال المطروح هل دخل الاقتصاد السوري مرحلة النمو؟ يؤكد كويفي أن الاقتصاد السوري في الوضع الحالي لم يدخل بعد مرحلة النمو المستدام، وبيانات البنك الدولي تشير إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 85% منذ 2011، ليصل إلى حوالي 9 مليارات دولار في 2023، مع توقعات متباينة في 2025. هذا الانخفاض يعكس تدمير البنية التحتية، والفساد الذي كان مستشرياً وهجرة الكفاءات، وتراجع الإنتاج في قطاعات حيوية مثل الزراعة والطاقة.
ويلفت كويفي إلى التحديات الداخلية من ارتفاع معدل الفقر المدقع إلى 74.8% في 2025، والبطالة التي تصيب واحدًا من كل أربعة سوريين، إضافة إلى انهيار احتياطي النقد الأجنبي، ما يجعل النمو الاقتصادي بعيد المنال في المدى القصير، كما أن تدهور البنية الإنتاجية وغياب إحصاءات موثوقة يعّقد تقييم الوضع بدقة، وهذا يحتاج إلى برامج عمل متكاملة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتشريعي،
مؤشرات إيجابية
رغم ذلك يرى كويفي أن هناك بوادر أمل، مثل عودة 300 ألف لاجئ و885 ألف نازح داخلي منذ كانون الاول 2024، ما قد يحرك الأنشطة الاقتصادية على المدى المتوسط، كما أن إصلاحات الحكومة الانتقالية مثل تحرير القطاع المصرفي، ودمج المصارف العامة، وتوحيد أسعار الصرف عبر “التعويم المُدار”، قد تسهم في تحسين الاستقرار الاقتصادي.
رؤية مستقبلية
لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، يجب أن تركز سوريا على عدة نقاط يراها كويفي أساسية وأبرزها:
* إصلاح الحوكمة لمكافحة الفساد وضمان الشفافية.
* إعادة بناء البنية التحتية وخاصة في الطاقة والاتصالات.
* تحفيز القطاع الخاص لجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية.
*إشراك المجتمعات المحلية لضمان تنمية شاملة ومستدامة.