الحرية – مها سلطان:
لا شك أن الحرب الإيرانية- الإسرائيلية تضغط بإلحاح على روسيا وعلى نفوذها في المنطقة، والذي يكاد يكون في حدوده الدنيا. حتى الساعة ليس هناك من هو قادر على إعطاء تقديرات نهائية لما ستكون عليه نتائج هذه الحرب، وما التسوية الممكنة بين الجانبين والتي بلا شك سترسي توازنات جديدة في المنطقة قد لا تكون في مصلحة روسيا، باعتبار أن إيران هي أحد حليفيها الرئيسين (إلى جانب سوريا سابقاً)، فإذا ما كانت التسوية الممكنة في أحد شروطها تحد من علاقات التحالف القائمة بين إيران وورسيا، فإن ذلك بلا شك سينعكس على وضع روسيا في سوريا، لذلك فإن القيادة الروسية لا تكاد تتلمس مساراً محدداً لاحتواء حالة ضرر تتوسع فيما يخص نفوذها في المنطقة، ولاسيما في سوريا وإيران.
وإذا كان الوضع اليوم هو على قائمة الانتظار لما ستقود إليه الحرب الإيرانية- الإسرائيلية، فإن المساعي الروسية لا تنقطع باتجاه سوريا على أمل ألا تطول عملية تطبيع العلاقات، بل يمكن القول إن هناك عملية إلحاح روسية، لا تظهر للعلن إلا في مناسبات متباعدة، حيث لا تتوانى موسكو عن بث رسائل الرجاء والأمل للقيادة السورية بخصوص التطبيع والانطلاق بعلاقات جديدة.
المساعي الروسية لا تنقطع باتجاه سوريا بل يمكن القول أن هناك عملية إلحاح لا تظهر للعلن إلا في مناسبات متباعدة، حيث لا تتوانى موسكو عن بث رسائل الرجاء والأمل للقيادة السورية بخصوص التطبيع والانطلاق بعلاقات جديدة
وفي هذا الخصوص أطلقت روسيا تصريحات لافتة في اليومين الماضيين على لسان كل من ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية، وميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي.
وفي تصريحات بدت غريبة عن لهجة الخطاب الروسي، تحدث بوغدانوف بلهجة «مستجدية» إذا جاز لنا التعبير، داعياً وزارة الخارجية السورية أن تقبل دعوة إرسال وفد إلى موسكو «لمناقشة كامل نطاق العلاقات الثنائية». وقال بوغدانوف على هامش منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي أمس الجمعة: ننتظر وصول وفد رسمي من دمشق.. لقد وجهنا دعوة إلى وزير الخارجية أسعد الشيباني لزيارة موسكو.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وجه هذه الدعوة منذ منتصف أيار الماضي أثناء زيارة له إلى تركيا، ولم تعلق وزارة الخارجية السورية عليها حتى كتابة هذه السطور.
ولفت بوغدانوف إلى أن موسكو تواصل الاتصالات مع الجانب السوري بشأن القواعد الروسية في سوريا، معرباً عن الأمل في تحقيق تفاهم متبادل قائلا: «نحن نواصل الاتصالات بالطبع. كل شيء يعمل حتى الآن، وآمل أن نصل إلى تفاهم مع السلطات الجديدة. لقد جرت فعلياً محادثات بهذا الشأن».
أما بيسكوف فكان أوضح في التعبير والتصريح، معتبراً أن روسيا بحاجة إلى إقامة علاقات مع الذين هم فعلياً في السلطة في سوريا. وقال في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم»: لدينا مصالحنا الخاصة في سوريا ونحن بحاجة لضمانها من خلال الحوار.
روسيا لا تستطيع التفاوض حالياً إلا من باب الممكن، خصوصاً في ظل الانفتاح الأمريكي على سوريا، لذلك قامت بإعادة تدوير لسياساتها بما يُناسب، وهي تنتظر رد القيادة السورية
وأضاف إن ما جرى في سوريا وقع بالفعل نتيجة عوامل داخلية وأخرى خارجية، مشيراً إلى أن النظام السوري «انهار كعملاق ذي أقدام من طين» في إشارة إلى ما كان عليه النظام السابق من ضعف.
وأكد بيسكوف أن موسكو ترى في المرحلة الراهنة ضرورة إقامة علاقات عملية مع الجهات التي تمسك بزمام الأمور في سوريا، مؤكداً أن هذه العلاقات تمثل أداة لضمان المصالح الروسية في المنطقة.
وفي وقت سابق أكدت موسكو استمرار الاتصالات مع القيادة السورية بشأن القواعد العسكرية وضمان بقائها، وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف: الحوار لا يزال مستمراً مع دمشق حول مختلف القضايا المطروحة، مشيراً إلى أن «الوضع الراهن لم يشهد أي تغييرات جذرية حتى الآن». وأكد ريابكوف أن روسيا تتوقع – انطلاقاً من «المنطق والمسؤولية المتبادلة» – الحفاظ على مصالحها الوطنية في سوريا، بما يشمل وجود قواعدها العسكرية.
ما سبق يمكن قراءته باتجاهين:
الأول، أن روسيا لن تتخلى عن نفوذها في سوريا، أو لنقل لن تتخلى عن موطئ قدم لها في سوريا حتى وإن كان في حده الأدنى، وهذا الأمر ينطبق على الوجود العسكري بالدرجة الأولى، بمعنى أن روسيا ستقبل بأي بقعة من سوريا للوجود حتى لو كان في أقصاها إذا ما أخذنا المتداول حول نقل قواتها ومعداتها من قاعدتي طرطوس وحميميم/اللاذقية، إلى قاعدة في القامشلي. صحيح أن الوجود على البحر المتوسط هو الأكثر استراتيجية بالنسبة لها إلا أنها لا تستطيع التفاوض حالياً إلا من باب الممكن، خصوصاً في ظل الانفتاح الأمريكي/الدولي بوجهه الاقتصادي الأبرز.. لذلك فإن روسيا قامت بإعادة تدوير لسياساتها بما يناسب الخريطة السورية الجديدة بامتداداتها الإقليمية الدولية، وهي تنتظر رد القيادة السورية.
روسيا تبدو أكثر قلقاً في المرحلة الحالية ليس فقط بسبب حالة الانفتاح الأمريكي على سوريا بل أيضاً بسبب الحرب الإيرانية- الإسرائيلية التي تنعكس بنتائج مباشرة على سوريا وتالياً على الوجود الروسي
ولا يخفى أن روسيا تسعى لإبرام صفقة مع دمشق للاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا.. كما لا يخفى الموقف الأمريكي/الغربي الرافض للوجود الروسي في سوريا. وحسب مسؤولين أمريكيين فإن هذا الوجود يشكل تهديداً طويل الأمد يجب معالجته بشكل حاسم، ويقولون: إذا سمحنا لروسيا بالبقاء في سوريا، فالأمر مسألة وقت فقط قبل أن تصبح باباً خلفياً لعودة إيران مرة أخرى، وهذا ما يجب ألا نتسامح أو نتهاون به.
الاتجاه الثاني يتمثل في أن روسيا تبدو أكثر قلقاً في المرحلة الحالية، ليس فقط بسبب حالة الانفتاح الأمريكي/الدولي على سوريا، بل أيضاً بسبب الحرب الإيرانية- الإسرائيلية التي تنعكس بنتائج مباشرة على سوريا، وتالياً على الوجود الروسي، ولاسيما العسكري، في سوريا.
روسيا ربما تخشى خسارة إيران أيضاً بعد خسارتها سوريا. والخسارة هنا ليس بالضرورة عبر تسوية إيرانية أمريكية/غربية على حساب روسيا، بل عبر هزيمة محتملة لإيران في هذه الحرب إذا ما سارت إدارة ترامب حتى النهاية في معادلة أن إيران لا يمكن لها الفوز، ولن يتم السماح لها بالفوز.
لذلك كلما طال أمد الحرب الإيرانية- الإسرائيلية، زاد قلق روسيا لناحية مدى وحجم ما يمكن أن تخسره.. وعليه فإن روسيا تواصل عرض التوسط بين إيران وإسرائيل، محذرة من التداعيات ومما ستجره من أوضاع خطرة على المنطقة والعالم.
حتى الآن لم يتم قبول عرض الوساطة من روسيا، فالغرب لن يسمح لها بالتقدم لتكون مجدداً لاعباً رئيسياً أو تصوير نفسها كصانع سلام. وللتوضيح فإن روسيا لا تستطيع أن تقدم لحليفتها إيران أكثر من عرض وساطة، حتى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بينهما، عملت روسيا على تقديم قراءة مختلفة لها عبر القول إنها ليست اتفاقية دفاعية، ولا تلزم روسيا بالدفاع عن إيران.
لذلك عادت روسيا اليوم للتركيز على سوريا، وتظهير موقف أكثر وضوحاً وشفافية فيما يخص الاتصالات مع قيادتها، لكن هذه القيادة تبدو اليوم أبعد عن موسكو، على الأقل هذا ما يظهر، وربما كان خلف التصريحات الروسية – آنفة الذكر أعلاه – ما هو غير مُعلن.. لننتظر وسنرى.