‏«هرمز».. شريان الطاقة الذي يهز أوضاع العالم ومفترق طرق الاقتصاد العالمي

مدة القراءة 12 دقيقة/دقائق

الحرية- أمين سليم الدريوسي:‏

لا يعد مضيق «هرمز» مجرد ممر مائي ضيق بعرض 33 كيلومتراً، بل هو شريان الطاقة ‏الحيوي للعالم، تمر عبره 30% من تجارة النفط العالمية و25% من الغاز الطبيعي المسال، ‏وذلك وفقاً لهيئة الطاقة الدولية، أي أن إغلاق هذا الممر – جراء ما يجري بين إيران وإسرائيل ‏سيكون بمثابة زلزال اقتصادي تُقاس آثاره بالأسابيع لا بالسنوات.‏

ما هي الدول التي ستكون في قلب العاصفة؟

أولاً، المملكة العربية السعودية، إذ يعتبر إغلاق الممر ليس مجرد أزمة اقتصادية للسعودية، بل ‏تهديد وجودي لنموذجها التنموي 2030، والمشهد سيكون أقرب إلى «معجزة اقتصادية تُدفن ‏تحت أنقاض المضيق»، كل هذا بينما سيسمع صوت العالم وهو يصرخ، أين النفط السعودي؟ ‏بعد أن تكون قد اهتزت أركان الاقتصاد السعودي في ضربة ثلاثية الأبعاد تتمثل بشلل ‏الصادرات النفطية، حيث أن 80% من إيرادات النفط «٧.٥ ملايين برميل يومياً» ستتجمد ‏فوراً، مما يجعل المملكة تلجأ لتصدير النفط عبر موانئ البحر الأحمر وهذا سيرفع التكاليف ‌‏٣٠% ويُضعف التنافسية.‏
لكن السيناريو الأسوأ بالنسبة لها هو خسارة 200 مليار دولار سنوياً، أي نصف إجمالي ‏إيرادات المملكة، كما ان توقف مشاريع رؤية 2030 ستتحول إلى حبر على ورق، وسيتم تعليق ‏مشاريع «نيوم» و«ذا لاين» لسنوات، ويصبح تحوُّل المملكة إلى «مركز استثماري عالمي» ‏مجرد سراباً، وسيصبح الريال السعودي أول ضحايا الأزمة إذ سيكون هناك «ضغوط غير ‏مسبوقة لفك الارتباط بالدولار»، كما سيؤدي لارتفاع حاد في البطالة مع توقف المشاريع ‏الكبرى.‏

شريان لا يُعوض للإمارات

ثانياً، الإمارات العربية، تعتبر الإمارات من بين الدول الأكثر عرضة للخطر في حال إغلاق ‏مضيق هرمز من قبل إيران، وذلك للأسباب التالية:‏
‏• اعتمادها على الصادرات من النفط، إذ تعتبر الإمارات من أكبر منتجي ومصدري النفط ‏والغاز في العالم، ويمر جزء كبير من صادراتها النفطية والغازية عبر هذا المضيق، والإغلاق ‏سيمنع أو يعيق هذه الصادرات، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة.‏
‏• كما تعتمد الإمارات بشكل كبير على إيرادات النفط والغاز في ميزانيتها، وانخفاض الصادرات ‏يعني انخفاض الإيرادات، مما يؤثر على خطط التنمية والمشاريع الحكومية.‏
‏• كما سيؤدي الإغلاق إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، مما قد يضر بالاقتصاد الإماراتي على ‏المدى الطويل.‏
والمفارقه هنا انه رغم تطوير الإمارات لميناء الفجيرة إلى خارج المضيق، لكن لا تزال ‏هناك90% من صادراتها النفطية تعبر «هرمز»، أما الثغرة الثانية في ضعف ميناء الفجيرة ‏تكمن في أن خط أنابيب «حبشان-الفجيرة» الذي ينقل «1.5 مليون برميل يومياً» متوقف منذ ‌‏2022 بسبب هجمات الحوثيين.‏

كابوس العراق الاقتصادي

ثالثاً: العراق، حيث يواجه مخاطر جمة في حال إغلاق مضيق هرمز، خاصة وهو الشريان ‏الحيوي لتجارة النفط العالمية، ويعتمد العراق على تصدير النفط، المصدر الرئيسي لإيراداته، ‏عبر هذا المضيق وإغلاقه يعني:‏
‏• تأثير على الإيرادات، إذ ستنخفض إيرادات النفط بشكل حاد، مما يؤثر على الميزانية، ويعيق ‏جهود إعادة الإعمار.‏
‏• سيكون هناك صعوبة في تصدير النفط، إذ أن 85 % من صادراته أي «3.3 ملايين برميل ‏يومياً» تمر عبر ميناء البصرة، مما قد يؤدي إلى تخزين النفط، أو إيجاد طرق بديلة مكلفة، ‏وانقطاعها يعني انهيار موازنة الدولة.‏
‏•  ارتفاع أسعار النفط العالمية، فقد يؤثر على الاقتصاد العراقي، ويزيد من التضخم.‏
‏• أما من جانب التأثيرات الأمنية، فقد يتأثر الأمن العراقي بسبب التوترات الإقليمية، والحاجة ‏إلى حماية المنشآت النفطية، مما سيضطر العراق للاعتماد على دعم من الحلفاء للحفاظ على ‏أمنه الاقتصادي والنفطي.‏
باختصار، فإن إغلاق «هرمز» يمثل تهديداً خطيراً للاقتصاد العراقي، ويهدد استقراره، ‏ويتطلب استعداداً وجهوداً مضاعفة للتخفيف من آثاره.‏

قطر على خط المواجهة

رابعاً، قطر، تحتل هذه الدولة المرتبة الثالثة عالماً كأكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم ‏ثالث مصدر «77 مليون طن سنوياً»، وبهذا تكون قطر هدفاً حيوياً في حال إغلاق المضيق، ‏ويمر عبر هذا الممر المائي الحيوي الجزء الأكبر من صادرات الغاز القطرية، والتي تمثل ‏عصب الاقتصاد، والإغلاق يعني:‏
‏•   شلّ الصادرات، أي تعطيل شبه كامل لصادرات الغاز، وهو المصدر الرئيسي للدخل ‏القومي.‏
‏•   انخفاض حاد في الإيرادات، مما يؤثر على الخطط التنموية والمشاريع الكبرى.‏
‏•   زيادة أسعار الغاز، وتأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي.‏
‏•   زيادة تكاليف التأمين والشحن، والبحث عن طرق بديلة أكثر تكلفة.‏
‏•   زيادة التوتر في المنطقة، وتأثيره على الاستثمارات الأجنبية.‏
بإيجاز، يضع إغلاق «هرمز» قطر في وضع بالغ الحرج، مما يستدعي اتخاذ تدابير احترازية ‏لحماية أمن الطاقة واقتصادها.‏

الكويت في دائرة الخطر

خامساً، الكويت، تواجه الكويت، الدولة النفطية، مخاطر كبيرة في حال إغلاق مضيق ‌‏«هرمز»، الشريان الحيوي لتصدير النفط. يعتمد الاقتصاد الكويتي بشكل كبير على صادرات ‏النفط الخام التي تعبر هذا المضيق، وهذا الإغلاق سيؤدي إلى:‏
‏• صعوبة كبيرة في تصدير النفط الخام، المصدر الرئيسي للدخل القومي، حيث تعتبر 100% ‏من صادراتها النفطية معرّضة للتجميد، وهذا يؤدي لانخفاض حاد في الإيرادات النفطية، مما ‏يؤثر على الميزانية العامة للدولة.‏
‏• ارتفاع أسعار النفط العالمية، قد يؤثر على الاقتصاد العالمي، وحتى وإن كان في البداية مكسباً ‏للكويت، فإنه يضر على المدى الطويل.‏
‏• تعطيل التجارة البحرية، مما يزيد من تكاليف الاستيراد والتصدير.‏
‏• زيادة التوتر في المنطقة، واحتمال تعرض المنشآت النفطية الكويتية للخطر.‏
باختصار، يمثل إغلاق «هرمز» تهديداً كبيراً للكويت، ويستدعي اتخاذ إجراءات لحماية ‏الاقتصاد الوطني.‏

آسيا في مرمى نيران الإغلاق

يمثل إغلاق مضيق «هرمز» كارثة اقتصادية قادمة لقارة آسيا، التي تعتمد بشكل كبير على ‏واردات النفط والغاز من منطقة الخليج، ويمر عبر هذا الممر المائي الحيوي جزء كبير من ‏إمدادات الطاقة اللازمة للاقتصادات الآسيوية الكبرى ما يعني أن كابوس انهيار اقتصادات ‏العملاقين الصين والهند بات يلاحقهما

خطرٌ على أمن الصين الطاقوي

سادساً، الصين، فالصين وهي أكبر مستورد للنفط في العالم «40%، 11 مليون برميل يوماً»، ‏تواجه مخاطر كبيرة حيث يمر عبر هذا الممر المائي الحيوي جزء كبير من واردات النفط ‏والغاز التي تعتمد عليها الصين لدعم اقتصادها الضخم. هذا الإغلاق سيؤدي إلى:‏
‏• ارتفاع التضخم إلى 15%.‏
‏• نقص حاد في إمدادات النفط والغاز، مما قد يؤدي إلى تعطيل الصناعة والنمو الاقتصادي.‏
‏• ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً سيؤدي إلى تباطؤ النمو، وتدهور التجارة الخارجية.‏
‏• الحاجة إلى البحث عن طرق بديلة ومكلفة لتأمين إمدادات الطاقة.‏
‏• زيادة التوتر في المنطقة، وتأثيره على العلاقات مع الدول المستوردة للنفط.‏
‏• زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الصين.‏
باختصار، يمثل إغلاق «هرمز» تهديداً خطيراً للأمن الطاقوي الصيني، ويضعف من قدرتها ‏على الحفاظ على النمو الاقتصادي.‏

الهند على المحك

سابعاً، الهند، تواجه الهند، القوة الاقتصادية الصاعدة، تحديات جمة في حال إغلاق مضيق ‏هرمز تعتمد الهند بشكل كبير على واردات النفط والغاز من منطقة الخليج «65%، 4.5 ملايين ‏برميل يوماً»، والتي تمر عبر هذا الممر المائي الاستراتيجي وهذا الإغلاق سيؤدي إلى:‏
‏• نقص كبير في إمدادات الطاقة، مما يؤثر على الصناعة والنمو الاقتصادي.‏
‏• ارتفاع أسعار النفط والغاز العالمية سيؤدي إلى التضخم، ويثقل كاهل المستهلكين.‏
‏• تباطؤ النمو الاقتصادي، وتأثير سلبي على التجارة الخارجية والاستثمار.‏
‏• ضغوط على الروبية الهندية، وتراجع قيمتها مقابل الدولار.‏
كذلك زيادة التوتر في المنطقة، والحاجة إلى حماية المصالح الهندية.‏
باختصار، يمثل إغلاق «هرمز» تهديداً كبيراً لأمن الطاقة الهندي، ويُعيق طموحاتها التنموية.‏

تسونامي اقتصادي يهدد اليابان وكوريا الجنوبية

ثامناً، اليابان وكوريا الجنوبية، تواجه كل من اليابان وكوريا الجنوبية، أكبر اقتصادين في شرق ‏آسيا، أزمة طاقة حادة في حال إغلاق مضيق هرمز، إذ تعتمد هاتان الدولتان بشكل كبير على ‏واردات النفط والغاز من منطقة الخليج، والتي تمر عبر هذا الممر المائي الحيوي، وفي حال ‏أإغلاق هذا الشريان الحيوي لنفط الشرق الأوسط، ستتلقى اليابان وكوريا الجنوبية ضربات ‏اقتصادية قاسية
‏• كارثة إمدادات الطاقة، حيث تعتمد بنسبة 90% على نفط الشرق الأوسط، معظمه عبر ‌‏«هرمز»، والإغلاق يعني شحاً فورياً وخطر شلل صناعي.‏
‏• بينما تستورد كوريا الجنوبية 70% من نفطها عبر المضيق، وتوقف التدفق يهدد ‏أمنها واستقرار قطاعاتها الحيوية.‏
‏• انقطاع الإمدادات سيُسبب قفزة تاريخية في أسعار النفط والغاز عالمياً، مما يرفع تكاليف ‏الإنتاج والاستيراد بشكل حاد.‏
‏• الصناعات العملاقة للدولتين «مثل السيارات والإلكترونيات والصلب» ستعاني نقصاً في ‏الوقود ومواد أولية بتروكيماوية، مما قد يُوقف خطوط الإنتاج.‏
‏• ارتفاع كلفة الطاقة والنقل سيدفع التضخم لأعلى، بينما يُخنق النمو الاقتصادي ويُرهق ‏المستهلكين والشركات.‏
‏• اضطراب سلاسل التوريد العالمية: اعتماد اقتصادات البلدين الكثيف على التصدير والاستيراد ‏يجعل أي خلل في شحنات النفط والمنتجات البترولية عبر «هرمز» كفيلاً بتعطيل شبكات ‏التوريد العالمية برمتها.‏
‏• كما سيؤدي ارتفاع أسعار الطاقة لزيادة  التوتر الاجتماعي المحتمل.‏

باختصار: إغلاق «هرمز» ليس مجرد أزمة إمدادات طاقة، بل هو قنبلة موقوتة تُهدد بانهيار ‏سلاسل الصناعة والتوريد في قوتين اقتصاديتين آسيويتين، وتُسبب صدمة تضخمية تمس حياة ‏المواطنين وتُزعزع استقرارهما الاقتصادي والأمني، وتداعياته ستكون عالمية، ولكن اليابان ‏وكوريا الجنوبية ستكونان في قلب العاصفة.‏

عاصفة اقتصادية تهدد أوروبا

تاسعاً، أوروبا، تواجه القارة الأوروبية، التي تعتمد على استيراد كميات كبيرة من النفط والغاز، ‏تحديات كبيرة في حال إغلاق «هرمز»، الذي يمر عبره جزء كبير من إمدادات الطاقة التي ‏تعتمد عليها أوروبا، ولو أُغلق مضيق «هرمز» وهو الممر الحيوي لـ30% من النفط المنقول ‏بحراً ستواجه أوروبا تداعيات خطيرة رغم اعتمادها الأقل على نفط الخليج مقارنة بآسيا ومنها:‏
‏• ارتفاع فوري لأسعار النفط والغاز العالمية بنسبة قد تتجاوز 50%، مما يرفع فواتير الطاقة ‏للأسر والصناعات الأوروبية ويعمق أزمة تكاليف المعيشة.‏
‏• قطاعات حيوية مثل الكيمياويات في ألمانيا ومصافي النفط في إيطاليا وإسبانيا ستُضرب بشدة ‏بسبب نقص الإمدادات البديلة، ما يهدد بتعطيل الإنتاج وزيادة البطالة.‏
‏• ارتفاع كلفة النقل والطاقة سيُضاعف تضخم السلع الأساسية، خاصة مع اعتماد سلاسل ‏التوريد الأوروبية على المنتجات البترولية الواردة عبر «هرمز».‏
‏• محاولة استبدال النفط الخليجي «20% من واردات أوروبا» بطرق أطول، مثل رأس الرجاء ‏الصالح، وهذا سيُكلف مليارات الدولارات وتُربك الأسواق.‏
‏• تصاعد المنافسة على إمدادات النفط المحدودة قد يُعمق الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي ‏ويُضعف موقفه التفاوضي أمام موردي الطاقة.‏
والخلاصة، فإنه رغم تنويع أوروبا لمصادر طاقتها مؤخراً، يبقى إغلاق «هرمز» كابوساً ‏اقتصادياً سيدفع القارة إلى ركود تضخمي، ويُفاقم أزماتها الاجتماعية، ويُعيدها إلى شفير أزمة ‏طاقة جديدة.‏

متى يصبح الإغلاق واقعاً؟

يقول الخبراء أن الإغلاق وإن حصل فلن يدوم أكثر من 6 أسابيع بسبب الضغط الدولي، لكن ‏الأسابيع الستة هذه كفيلة بتدمير النظام الاقتصادي العالمي، ولكن الخطر الأكبر يكمن في أن ‏تتحول الأزمة المؤقتة إلى انهيار دائم لثقة الأسواق في نظام الطاقة العالمي، مما يدفع العالم نحو ‏حروب باردة جديدة على الطاقة، هذا هو الثمن الذي لا يدركه متحمسو التصعيد في طهران وتل ‏أبيب.. والعالم كله سيدفعه.‏

شرارة تُشعل فوضى الطاقة العالمية

قصارى القول، إغلاق مضيق هرمز ليس شأناً إقليميّاً عابراً وحسب، بل هو زلزالٌ يهدد أسس ‏الاقتصاد العالمي، وتداعياته ستُحوِّل أسواق الطاقة إلى ساحات صراع، وتجرّ العالم إلى هاوية ‏تضخمٍ لا تُبقي ولا تذر، وهنا يُختبر التضامن الدولي، إما تعاونٌ استثنائي لتفادي الكارثة، أو ‏انزلاقٌ نحو عصرٍ جديد من الفوضى والتنافس الدموي على الموارد، الساعة تدقّ، وشريان ‏الحياة العالمي على حافة الانفجار.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار