بعد إعلان وزير المالية عن نيات الإصلاح الجذري… خبير مصرفي يعلن تراتبية أولويات ” إنقاذ” القطاع المصرفي السوري

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – نهى علي:
أبدى الدكتور محمد يسر برنية وزير المالية عبر منشور له على منصة لينكد، عدم رضاه عن أداء المصارف العامة، عازيًا عدم الرضا لإرث الفساد والتشوهات في منظومة ونموذج العمل الذي خلفه النظام البائد.

التصريح يشي بأن ثمة جرعة إصلاح عميقة قادمة للمنظومة المصرفية في سوريا، بعد طول ارتكاس وقصور وفوات تقني وتكنولوجي – وحتى مهني – أدى إلى المشهد الراهن.
فما أسباب ما وصلت إليه البنوك السورية.. وما الأولويات التي سيبدأ بها الوزير برنية رحلة إصلاحه للقطاع المرهق..؟ وما هو ترتيب هذه الأولويات.. وكيف سيصار إلى إعادة بناء هذا القطاع الموصوف بأنه ” محرك الاقتصاد” و أداة الدفع التنموي بأبعاده المختلفة ؟

• الفيومي: الحكومات السابقة استعاضت بمعالجات بدلاً من أن تؤدي إلى المحافظة ما أمكن على الثقة بعمل المصارف.. أضرت بها وأدت إلى المرحلة التي نحن عليها اليوم

دور أساسي

هذه التساؤلات وجهتها “الحرية” للخبير المصرفي أنس الفيومي، الذي بدأ إجابته نبدأ حيث بدأ السيد وزير المالية بما ورد في منشوره على منصة لينكد حول عدم رضاه عن أداء المصارف العامة خلال اجتماعه مع السادة المديرين العامين، عدم الرضا عزاه السيد الوزير لإرث الفساد والتشوهات في منظومة ونموذج العمل الذي خلفه النظام البائد.
وقال الفيومي: لعل هذه الفقرة بالذات من الاجتماع نضيف عليها عنواناً عريضاً ، مفاده أي من الجهات والمؤسسات والأفراد ممكن أن يعبروا عن رضا ولو جزئياً عن أداء المصارف العامة وخاصة في السنوات العشر الأخيرة تقريباً .
فبرأيه لا يخفى على أحد دور المصارف في أي دولة من دول العالم في العملية التنموية والرافد المهم للاقتصاد، عدا عن دورها الاجتماعي، الذي تضاءل لدى مصارفنا العامة لتتحول إلى مجرد صناديق سحب وإيداع، طبعاً على مضض وضمن قيود أصبحت عبئاً حتى على مستوى العاملين الموطنة رواتبهم لدى هذه المصارف، فكيف بالمستويات الأخرى من شركات وتجار و مستثمرين، ما حول العلاقة مع هذه المصارف إلى العقبة الأهم وهي انعدام الثقة .

• استقدام التقنيات والبرمجيات الحديثة والمتطورة وخاصة الصرافات ونقاط البيع وخاصة أن جزءاً كبيراً من هذه التقنيات يعتبر من متطلبات الربط مع نظام السويفت

وهن مزمن

يعود الخبير المصرفي قليلاً إلى عقود خلت، فهو يرى أن الاستعراض التاريخي السريع، قد يكون مفيداً لتقييم المرحلة التي وصلنا إليها، فبعد أن كانت المصارف السورية في ستينيات القرن الماضي تخرج كوادر مصرفية مهمة، أسست لمصارف مهمة عربياً وخاصة في لبنان والأردن والخليج، جاءت مرحلة تأميم هذه المصارف وتحويلها إلى مصارف تخصصية بالفكر الاشتراكي.
فهذه المصارف استطاعت لسنوات أن تؤدي دوراً مهماً باعتبار أن القائمين عليها كانوا من العاملين في المصارف المؤممة ومع اختلاف الأداء بين مد وجزر بين المصارف العامة من جهة وبين كل مصرف بحد ذاته من جهة أخرى، نتيجة الأحداث السياسية التي عصفت ببلدنا، مع التأثير السلبي لبعض العقوبات التي أخرت التكنولوجيا الحديثة والبرمجيات المتطورة من الوصول إلينا.
و كمثال بسيط.. يلفت الفيومي إلى أن أول عملية صراف آلي كانت في عام 2003، في حين دول كثير سبقتنا إليه بسنوات عديدة واعتبر في حينه إنجاز حضاري كبير، عدا عن تفاصيل أخرى لا مجال لذكرها تتعلق بالربط مع وسائل الدفع العالمية فيزا وماستر كارد ، وطريقة إدخال برامج عمل المصارف، والعقبات التي أعاقت تطوير هذه البرمجيات فيما بعد.

ضربة قاصمة

لكن على التوازي يرى الخبير المصرفي أن المصارف لم تطور آلية عملها وتعليماتها التطبيقية، وظلت تتعامل بنفس الآلية مع تعديلات بسيطة لا تغير كثيرًا من الروتين المتوارث لديها، وأغلب هذه التعديلات كانت مع بداية القرن الحالي عندما أصبحت المصارف تتمتع بسيولة كافية للقيام بدور تنموي واقتصادي قوي، لولا تسلط حيتان القروض على المصارف واستجرار قروض شخصية لمشاريعهم الخاصة التي بالكاد نجح بعضها وتعثر القسم الأكبر نتيجة أسباب متعددة بدأت من شخص المقترض نفسه ومن ثم نوع مشروعه والاستفادة منه، وعدم تحديد القطاعات المطلوب التنمية فيها من الحكومات السابقة، إلى أن وصلنا إلى مرحلة عجز المصارف بعد سحب سيولة كبيرة منها مع بدء الثورة.
ويعتبر الفيومي أن الحكومات السابقة استعاضت بمعالجات بدلاً من أن تؤدي إلى المحافظة ما أمكن على الثقة بعمل المصارف، أضرت بها وأدت إلى المرحلة التي نحن عليها اليوم.

• معالجة موضوع انعدام الثقة ..عبر دراسة كل التعليمات التي كان لها تأثير سلبي وصل إلى مرحلة الخوف من المصارف

من هذه المعالجات القاصرة كان إلزام الجهات بتوطين رواتب عمالها لنشهد الازدحام الخانق على صرافات المصارف العامة المتهالكة بشكل عام، وتقييد عمليات السحب خاصة، كذلك تعليمات البيوع العقارية التي دفعت البعض إلى الالتفاف عليها وإشغال أروقة المحاكم، تشكيل اللجنة 352 التي عالجت موضوع القروض المتعثرة معالجة قاصرة وعقابية طالت الخبرات في المصارف العامة والمقترضين، ولم تطل من “على رأسه ريشة الدعم الخاص” ، الخبرات التي اتهمت بعدم تحصيل القروض في المناطق الساخنة كما جاء بتصريح وزير مالية سابق، لنصل في مجمل الأحداث التي مرت على أداء مصارف نشعر بغصة عندما نسميها بهذا الاسم .

متطلبات الخطة الإنقاذية

ونصل اليوم إلى ما هو المطلوب للإصلاح؟ ..
فبعد حديث السيد الوزير عن انطلاق خطة إصلاح شاملة وعميقة بالتعاون مع مصرف سوريا المركزي وبقية الأجهزة الرقابية، بعد تدقيق ومراجعة مهنية، حيث ستهدف هذه الخطة الى تحديث هذه البنوك وتطوير خدماتها وتعزيز تنافسيتها ودورها في التنمية..
يقول الفيومي: نرجو كما عبر السيد الوزير بنظرة تفاؤلية تحتاج إلى تضافر الجهود من قبل الجميع وبكل المستويات لنجاح هذه الخطة.
ويرى – الخبير الفيومي – أن المطلوب لإنجاح هذه الخطة عدة نقاط هامة..
أولها: أنه وبعد رفع عدد من العقوبات على بلدنا استقدام التقنيات والبرمجيات الحديثة والمتطورة وخاصة الصرافات ونقاط البيع وخاصة أن جزءاً كبيراً من هذه التقنيات يعتبر من متطلبات الربط مع نظام السويفت العالمي أو مع أنظمة الدفع والائتمان المعروفة.
وثانيها: تأهيل الكوادر الموجودة واتباعها دورات إعادة تأهيل، والاستفادة من مقترح سابق تقدمت به إلى حكومة العطري لرفع سوية أداء المصارف العامة التعيين المباشر للطلاب المتفوقين في المعاهد المصرفية وفي أقسام المصارف لدى كلية الاقتصاد استثناءً من الطرق القانونية للتعيين .
ثالثاً: الأهم معالجة موضوع انعدام الثقة، عبر دراسة كل التعليمات التي كان لها تأثير سلبي وصل إلى مرحلة الخوف من المصارف وخاصة موضوع البيوع العقارية وتعقيدات إجراءات التحويل والسحب.
رابعاً: إعادة دور المصارف المهم في عمليات التحويل والحوالات الخارجية وتوحيد سعر الصرف فيها، فأي ثقة اليوم بمصرف بالكاد يمنح صاحب حساب لديه مليون ليرة بالمقابل هناك صراف جوال على الطريق يحمل الملايين .
خامساً: إعادة صياغة التعليمات التطبيقية للمصارف لتحويلها إلى مصارف شاملة لكل الأعمال المطلوبة ، مع جدية تنفيذ الطرح السابق بفتح نوافذ للعمليات المصرفية الإسلامية .
سادساً: عودة تواصل كل مصرف مع عملائه وخاصة المستثمرين في الخارج ومنحهم الضمانات الكافية لعودة أموالهم واستثمارها في مشاريع وطنية.
ويختم الخبير المصرفي حديثه بأن العمل المصرفي بطبيعته يجمع بين العمل المالي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي وحتى السياسي، وخاصة أنه أداة في يد الدولة تدير به ومن خلاله جزء مهم من اقتصادها وأهدافها التنموية في خططها المستقبلية، والتي نرجو بالقريب العاجل أن تتغير النظرة عن المصارف العامة.

Leave a Comment
آخر الأخبار