الحرية – خليل اقطيني:
تشهد تجارة قوالب الثلج في الحسكة رواجاً كبيراً في هذه الفترة من السنة، وذلك بسبب اتقطاع التيار الكهربائي عن المحافظة للشهر الرابع على التوالي، ما أدى إلى عدم توافر إمكانية تشغيل البرادات في المنازل. ولا سيما أن هذا الأمر يترافق مع موجة حر شديدة في هذه الفترة من الصيف اللاهب أصلاً. الأمر الذي يزيد الطلب على المياه الباردة، وخاصة للشرب. إلى جانب استخدام قوالب الثلج في حفظ الطعام والمواد الغذائية، سواء في البيوت أو في المحال. وذلك لعدم توافر إمكانية تشغيل البرادات بسبب عدم وجود الكهرباء.
أسعار مرهقة ونوعية رديئة
احمد الإبراهيم معلم متقاعد، ذكر أنه مضطر لشراء قالب ثلج (بوظ) كامل كل يوم، بسعر يتراوح بين 20 و 25 ألف ليرة. وهذا عبء مالي إضافي أرهق كاهل السكان. وذلك من أجل تبريد مياه الشرب من جهة ومن أجل حفظ الطعام في المنزل من جهة ثانية، بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم توافر إمكانية تشغيل البراد.
أما إسراء الخليل 50 عاماً، فذكرت أن تجارة قوالب الثلج في الحسكة تحولت إلى تجارة مربحة. فكما يقال تاجر الماء دائماً رابح. لكن المصيبة أن ضعاف النفوس استغلوا هذه التجارة وكثرة الطلب عليها بسبب انقطاع الكهرباء من ناحية وارتفاع درجات الحرارة من ناحية أخرى لمصالحهم الدنيئة. فهم من جهة يستخدمون مياه الآبار الملوثة وغير الصالحة للاستهلاك البشري في تصنيع قوالب الثلج. وذلك لأن هذه المياه مجانية ولا تحتاج إلى دفع أي مبلغ مالي، كما يحدث مع مياه الصهاريج التي يصل سعر البرميل الواحد منها إلى 10 آلاف ليرة. ومن جهة أخرى يبيع التجار قوالب الثلج بأسعار مرتفعة. الأمر الذي يعرض حياة الناس للخطر، مستغلين غياب الرقابة بنوعيها الصحية والتموينية عن الأسواق، بسبب استمرار إغلاق المؤسسات الحكومية في المحافظة.
وأكد نواف العلي أنه منذ بداية الصيف لم ينقطع هو وأفراد عائلته عن زيارة الأطباء، بسبب إصابتهم بامراض معوية مختلفة. وبالتدقيق بالسبب تبين أنه قوالب الثلج، لكون المياه المستخدمة فيها مياه آبار ملوثة وغير خاضعة للتعقيم.
لا أحد يقول «لبنه حامضاً»
ونفى مسؤول أحد معامل تصنيع قوالب الثلج في الحسكة إنتاج القوالب في معمله من مياه الآبار. مبيناً أن المياه المستخدمة في التصنيع صالحة للاستهلاك البشري، وهي من نفس المياه التي يستخدمها السكان للشرب. حيث تُنقل عبر صهاريج مخصصة من المصادر المعروفة في محيط مدينة الحسكة من أجل ضمان النظافة والسلامة.
وأضاف: إن المعمل يعمل بطاقته القصوى، حيث يصل الإنتاج إلى أكثر من 1700 قالب في اليوم، بمعدل نحو 850 قالباً في كل وجبة عمل.
موضحاً أن المعمل يقوم ببيع ما ينتجه من قوالب الثلج لكل من يرغب من السكان بشكل مباشر ومن دون وسطاء من كوة البيع في المعمل بسعر 15 ألف ليرة. الأمر الذي أسهم في الحد من الاحتكار، ورفع الأسعار من قبل التجار.
ورغم أن ما ذكره صاحب المعمل متوقع، إذ لا أحد يقو «لبنه حامضاً»، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا : إذا كان المعمل يعتمد سياسة البيع المباشر من كوة البيع، فمن أين يحصل التجار على كل هذه الكميات من قوالب الثلج التي يطرحونها للبيع في الأسواق بأسعار مرتفعة؟!
تأثيرات صحية خطيرة
ولدى عرض الموضوع على أحد الأطباء في مدينة الحسكة، وهو الدكتور عبدالقادر زهدي، أكد أن استخدام مياه ملوثة في تصنيع قوالب الثلج وبيعها للسكان، له تأثيرات خطيرة على صحة الإنسان، حيث يمكن أن يسبب أمراضاً متنوعة، تتراوح بين مشكلات الجهاز الهضمي والجلدية، وحتى أمراض خطيرة مثل السرطان وفشل الكبد والكلى. ولاسيما أن هذه الأمراض يمكن أن تنتقل عن طريق شرب المياه الملوثة من قوالب الثلج التي توضع فيها لتبريدها.
مبيناً لصحيفتنا «الحرية»، أن تلوث المياه بمسببات الأمراض، مثل البكتيريا والفيروسات والطفيليات، يمكن أن يؤدي إلى أمراض مثل الكوليرا، والتيفوئيد، والزحار، والتهاب الكبد، والإسهال الشديد. كما أن المياه الملوثة بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق، يمكن أن تسبب مشكلات عصبية، واضطرابات في النمو، وتلف الكبد والكلى، وحتى السرطان.
وأشار الدكتور زهدي إلى أن التعرض للمياه الملوثة، يمكن أن يسبب تهيج الجلد والتهابات.
لافتاً إلى أن تلوث المياه بالمواد الكيميائية يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية مزمنة، مثل السرطان واضطرابات الهرمونات وتلف الجهاز المناعي.
وشدد الدكتور زهدي على أن الأطفال والنساء الحوامل هم الأكثر عرضة لتأثيرات تلوث المياه، وخاصةً بالمعادن الثقيلة، حيث يمكن أن يؤثر ذلك على النمو والتطور العصبي لديهم.