بعد صمت الصواريخ.. الأسئلة الحائرة الدائرة حول احتمالات استئناف التفاوض بين إيران وأميركا

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

أهم ما يمكن استنتاجه من طريقة وقف إعلان وقف الحرب بين إيران وإسرائيل، من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب.. أنه كان إعلاناً مدروساً بعناية، بما فيه الخطوات التصعيدية الأخيرة التي مهدت له (ضرب المنشآت النووية الإيرانية ومن ثم الرد الإيراني بضرب قاعدة العديد الأميركية في قطر).

مَنْ اتخذ نهج التحليل العميق ربطاً وتفكيكاً واستقراءً، أدرك منذ لحظة إعلان ترامب ضرب المنشآت النووية الإيرانية الثلاث الرئيسية وأهمها فوردو، أنها خطوة تمهيدية لوقف الحرب بعد أن يعقبها رد إيراني (متفق عليه) وفق ترامب، على قاعدة العديد.

اتفاق وقف إطلاق النار تم التأسيس له بطريقة تحفظ ماء وجه جميع الأطراف وتعطيهم فرص ادعاء النصر وبما يرفع الحرج عن طرفي التفاوض إيران وأميركا للعودة إلى طاولة التفاوض

وبغض النظر عن كل النظريات المُقدمة لبدء الحرب ونهايتها ومجرياتها، أسبابها ثم نتائجها، من انتصر ومن انهزم، فإننا سنأخذ منها فقط اتفاق وقف إطلاق النار لتحديد ما إذا كان فتح (أم أغلق) طريق العودة إلى المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، رغم أن تصريحات كلا الطرفين حول هذه العودة فيها الكثير من التناقض بما يُصعّب عملية الفهم والتحليل، لكن بالمقابل فإن مسار التحليل لا يمكن فصله عن أن إيران والولايات المتحدة لديهما مصلحة مشتركة في استئناف التفاوض.

يُقال في اتفاق وقف إطلاق النار أنه صِيغَ، بمعنى تم التأسيس له (كما ذكرنا آنفاً) بطريقة تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف، وتعطيهم جميعاً فرص ادعاء النصر أمام الرأي العام الداخلي (وعلى مستوى الإقليم). وبالتالي فإن هذه الطريقة رفعت الحرج عن طرفي التفاوض الأساسيين، إيران وأميركا، فيما يخص العودة إلى طاولة التفاوض. وحسب المتداول فإن جولة سادسة من التفاوض ستكون قائمة خلال أسبوع، وبعض المصادر تقول إنها مقررة الخميس المقبل.

هناك اتفاق عام على أن استئناف التفاوض سيكون بمنزلة مؤشر مهم على تحييد خيار استئناف الحرب وبالتالي تجنيب المنطقة خياراً عسكرياً أوسع في الجغرافيا والزمان

وكان من المفترض أن تُعقد هذه الجولة يوم الأحد في 15 حزيران الجاري في العاصمة العُمانية مسقط، لكن إسرائيل استبقتها بيومين، لتبدأ يوم الجمعة 13 من هذا الشهر حرباً على إيران امتدت لـ12 يوماً.

وهناك اتفاق عام على أن الوصول إلى عقد هذه الجولة، سيُعد إلى حد كبير مؤشراً على تحييد خيار استئناف الحرب مجدداً بين إيران وإسرائيل، وبالتالي تجنيب المنطقة خياراً عسكرياً أوسع في الجغرافيا والزمان، بفعل أن دولاً، أو لنقل أطرافاً في المنطقة ستنضم إليها، ولن تبقى على الحياد كما كانت في حرب الأيام الـ12.

كما أن عودة إيران وأميركا إلى طاولة التفاوض يعني أن هناك اتفاقاً مسبقاً بينهما على استئناف التفاوض، ربما تم الاتفاق فيما كانت الحرب توشك أن تضع أوزارها، وتضمن مع وقف الحرب، عودة لاحقة إلى طاولة التفاوض.. لكن وكما هي الإجراءات العسكرية التي مهدت لإعلان إنهاء الحرب، هناك إجراءات تصعيدية (في المواقف السياسية طبعاً) ستمهد لعودة التفاوض، أقله من جانب إيران التي تبدي تشدداً في العودة بعد «الخيانة الدبلوماسية» التي تعرضت لها من ترامب.. فيما كان ترامب وإدارته يتحدثون بصورة إيجابية لافتة ومهمة عن إيجابية مسار التفاوض كانوا يخططون مع إسرائيل لشن حرب على إيران.

إدارة ترامب تتحدث علناً عن مسار تعويضي لإيران تمهيداً لاستئناف التفاوض يتضمن التعويض عليها ببرنامج نووي سلمي وتخفيف العقوبات وتحرير الأموال المجمدة.. والأهم أن هذا المسار التعويضي متفق عليه مع دول الجوار الإيراني

إيران حتى اللحظة الأخيرة لم تكن تتوقع أن تتعرض لحرب، ربما لأن ترامب كان يُرفق دائماً تهديداته التي سبقت الحرب بكلمات تحايلية، غير جازمة، وبما دفع إيران إلى حالة لايقين غلبت عليها في النهاية حالة اطمئنان إلى أن لا حرب مقبلة، وأن عمليات التحذير والإخلاء التي كانت توجهها إدارة ترامب ودول غربية لرعاياها في المنطقة، غير مقلقة، فهي ليست جديدة، وتدخل ضمن الحرب النفسية.. وعليه وقعت إيران تحت الصدمة طيلة اليوم الأول من الحرب قبل أن تستدرك في اليوم التالي.

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تحدث أمس الجمعة عن رفض العودة إلى التفاوض مع إدارة ترامب لكنه في الوقت ذاته لم يغلق الباب كلياً. عراقجي قال: بينما كانت المفاوضات جارية، خان الأميركيون الدبلوماسية. هذه التجربة ستؤثر في قراراتنا بشأن أي مفاوضات أي مفاوضات مستقبلية معهم، لكن مع ذلك الدبلوماسية مستمرة ونحن على تواصل مع عدد من وزراء خارجية بعض الدول.

وحول تصريح ترامب الذي قال فيه «سنجتمع مع الإيرانيين الأسبوع المقبل» قال عراقجي: لا تأخذوا هذه التصريحات على محمل الجد، لم يجرِ التوصل إلى أي اتفاق بخصوص التفاوض، بل لم يجرِ حتى أي نقاش بهذا الشأن. تصريحاتهم (الأميركيين) مملوءة بالتناقض.

مع ذلك استمرت التصريحات الأميركية التي تؤكد أن واشنطن على تواصل وثيق مع إيران ووسطائها، رغم عدم وجود محادثات مجدولة. بل إن إدارة ترامب تتحدث علناً عن تقديم سلسلة «إغراءات وحوافز» لاحتواء «غضب إيران» تمهيداً لاستئناف التفاوض، منها التعويض عليها بـ «برنامج نووي سلمي» ما بين 20 إلى 30 مليار دولار، وتخفيف العقوبات، وتحرير مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المحتجزة في الخارج.. وحسب المتداول فإن هذا المسار التعويضي متفق عليه مع بعض دول الجوار الإيراني.

إدارة ترامب تقول إنها متفائلة حيال تغير الموقف الإيراني. المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف قال في تصريحات لشبكة «فوكس نيوز» أمس: إن المحادثات واعدة. نحن متفائلون. وتابع: الآن حان الوقت للجلوس مع الإيرانيين والتوصل إلى اتفاق سلام شامل.

ولم يكشف ويتكوف تفاصيل، لكنه حرص على تأكيد أن الحرب على إيران حققت أهدافها، في إشارة إلى أن إيران لا بد وأن تجنح للتفاوض وإن كانت تبدي تمنعاً حالياً.

الآن..  من أين ينطلق التفاؤل الأميركي، وإذا كانت الحرب حققت أهدافها فلماذا يتوجب على واشنطن تقديم حوافز وإغراءات لإيران حتى تعود للتفاوض، وإذا ما تم استئناف التفاوض فهل سيكون حكراً على قضايا تتعلق بإسرائيل وإيران وأميركا، أم أنها ستشمل القضايا الأساسية في المنطقة إذا ما افترضنا أن تلك الإغراءات والحوافز تمت باتفاق وتوافق مع دول الجوار، أي تحظى بدعم الدول المؤثرة والمتأثرة في آن بكل ما يتعلق بإيران، إي بدول الخليج العربية خصوصاً؟

الحديث عن أن استئناف التفاوض هو مصلحة مشتركة لإيران وأميركا، بل لدول المنطقة أيضاً.. وعليه فإن التوسط سيكون متعدد الأطراف على قاعدة الرفض المرن الذي تبديه إيران

مرة أخرى، لا إجابات شافية، لأن أي أحد لا يملك فعلياً إجابات شافية، مع استمرار حالة التناقض واللافهم لما يجري، ولكن بالمقابل هناك اتفاق عام على أن عدم العودة إلى التفاوض، أو التأخر في العودة إليه، سيقود إلى مزيد من التعقيد والمخاطر التي ستطول تداعياتها كل المنطقة، وإن بدرجات وأشكال مختلفة، من دون استبعاد عودة الحرب في جولة جديدة.

من هنا يأتي الحديث عن أن استئناف التفاوض هو مصلحة مشتركة لإيران وأميركا، بل لدول المنطقة أيضاً. وعليه فإن التوسط سيكون متعدد الأطراف، على قاعدة الرفض المرن، الذي تبديه إيران. صحيح أنها تتحدث عن أن ما قبل الحرب ليس كما بعدها لناحية التفاوض مع أميركا، إلا أنها تدرك جيداً التفاوض هو الطريق الأساسي، إن لم يكن الوحيد، لكي تتجنب حرباً أخرى.

بالمقابل تدرك إدارة ترامب جيداً أن التفاوض هو أيضاً الطريق الأساسي لإبعاد جولة حرب أخرى، هي في الحقيقة لا تريدها. فإذا ما افترضنا أنها استطاعت هندسة الجولة الأولى والخروج منها بأقل خسائر إقليمية (وداخلية) وفرضت نهاية لها تجعلها تراكم أوراق قوة بمواجهة إيران (والمنطقة، وأيضاً الخصوم العالميون الأشد روسيا والصين) فإن تجدد الحرب في جولة ثانية ليس بالضرورة أن يكون بنفس الإمكانيات والقدرة على الاحتواء والضبط .. إيران بالعموم ليست خصماً سهلاً رغم ما تعرضت لها من انكسارات على مستوى الإقليم.

ولكن السؤال، هل أن المصلحة المشتركة للجميع باستئناف التفاوض، كفيلة بتحقيق هذا الهدف؟

الإجابة على بعد أسبوع.

لننتظر ونرَ.

Leave a Comment
آخر الأخبار