الحرية- حسام قره باش:
ملامح الإصلاح الاقتصادي وإن كانت نظرياً قد بدأت عبر حزمة من التشريعات والقوانين، التي ستعيد رسم المرحلة الاقتصادية الجامدة منذ سنوات، إلا أنه عملياً ما تزال خطوات تعافي وإنعاش اقتصادنا خجولة، والحل لن يكون إلا بتدفق الاستثمارات الخارجية، والإقلاع في عملية إعادة الإعمار، وهذان الأمران تواجههما عقبات أبرزها ارتفاع مستوى البطالة والتضخم وسوق عمل غير مهيأ وبيئة مصرفية متهالكة.
سوق العمل المجهول
في ضوء ذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي ونائب رئيس جامعة القلمون الدكتور نهاد حيدر في حديثه لصحيفتنا “الحرية” أن الأطراف المكونة للأعمال هي الشركات والناس والجامعات والمعاهد كطرف وسيط يقدر حاجة سوق العمل، متسائلاً عن صلاحية ما هو موجود في السوق الحالي لـ(البزنس الجديد).
وقال: لا أتوقع ذلك لوجود فجوة كبيرة بين الأعمال في العالم، يتم ترميمها بشكل سريع عبر التدريب المباشر في الشركات التي تحضر معها خبراء من الخارج لتدريب الموجودين حالياً، أو الذين سيعودون إلى البلد، وهؤلاء سيحتاجون إلى الشركات الحديثة التي ستدخل في إعادة الإعمار.
وطرح مثالاً بسيطاً عن قطاع العقارات من خلال الشكل التقليدي لنمط البناء عندنا، ومستلزماته القديمة كالإسمنت والبلوك مثلاً الذي يتميز عندنا بأنه ثقيل وقديم وغير عازل، على عكس النمط الحديث الذي فيه مادة الفلين وخفيف الوزن وعازل وسريع، والشركة التي ستبني برجاً أو مدينة لن تعتمد الموجود عندنا نهائياً والموضوع لن يكون صعباً لكنه يحتاج إلى الوقت.
وتطرق الخبير الاقتصادي أيضاً إلى قطاع البنوك التي ستدخل السوق السورية، وستصطدم بالفجوة الكبيرة ما بين الخدمات المصرفية المقدمة محلياً، وما تقدمه البنوك الجديدة التي ستدخل، من خدمات حديثة جداً تتناسب مع شركات الأعمال الكبيرة القادمة، التي لا تجد في المصارف العامة والخاصة عندنا ضالتها من ناحية طريقة تدفق الأموال وفهم الخدمة المصرفية وماهيتها، ولا يقتصر هذا الأمر على الإعمار فقط بل على قطاع السياحة وباقي القطاعات كلها.
ورأى حيدر أن سوق العمل في سوريا، سيشهد عملية تغيير نوعي على مستوى متطلبات السوق، الذي سيعتمد بالدرجة الأولى على شكل التدريب المباشر من الشركات إلى حين تأهيل الجامعات والمعاهد التي تحتاج لأربع أو خمس سنوات لتأهيل الكوادر التي يحتاجها سوق العمل ضمن الجامعات المحلية التدريبية والتي تتطلب بدورها تغيير المناهج وإعداد مدربين محترفين كون جميع الموجودين في الجامعات ليسوا على التواصل 100٪ مع المتطلبات الخارجية من التطور الموجود في التعليم والتدريب المهني والفني والتكنولوجي.
رأس الأفعى
بناءً على تقرير المكتب المركزي للإحصاء سابقاً، بلغت نسبة البطالة في سوريا لعام 2022 نسبة 26٪ من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 23.2 مليون نسمة، فيما تشير التقديرات إلى أن نسبة البطالة في سوريا لعام 2024 حوالي 13.5٪، ووفقاً لحيدر فإنه لا توجد إحصائيات دقيقة وربما تكون أكثر من ذلك من خلال ما نراه على أرض الواقع في المجمعات السكنية وغيرها.
وبالسياق ذاته، بيَّن أن تخفيض معدل البطالة لأدنى مستوياتها وحل مشكلتها يكون أولاً من خلال الاستثمارات وأن ننسى وظائف الدولة لأن أغلبية الناس تدخل ضمن ما يسمى البطالة المقنعة والتي قُدرَت نسبتها بأحد السنوات 85٪، وبالتالي يتحول الجميع من قطاع غير منتج طفيلي كالقطاع الحكومي إلى قطاع منتج مع الاستثمارات في القطاع الخاص.
ويضيف: وهذا له قراءتان، الأولى أنها تحسِّن المستوى المعيشي للعاطل عن العمل مع الاستثمارات الجديدة الداخلة للبلد، وبالتالي تحل مشكلة البطالة خاصة أن الطرف الآخر (الشركات المستثمرة) يستفيد من التكلفة المنخفضة للعاطل عن العمل لأنه من دون مؤهل ولا يتمتع بالخبرة والكفاءة الكافية ويرضى بأي شيء لينتهي من البطالة، ما سيشجع الشركات على دخول سوق العمل، التي ستتولى تعليمه وتدريبه وهذا أيضاً يشجع على الاستثمار، فالمستثمر يحسب التكلفة بادئ الأمر ثم البنك الذي سيموله والعمال بمواصفات معينة والأرض ومستلزمات العمل وبالتالي مواطن التكلفة الأهم تكون في العمالة وأجورها، وهي عندنا ذات تكلفة منخفضة وعليه تكون نسب البطالة قابلة للانخفاض شرط دخول الاستثمارات الخارجية الكبيرة للبلد وهي الأهم والمعوَّل عليها في التطور الاقتصادي إلى جانب الاستثمارات الداخلية.
رؤية ضبابية
وبما يخص البيئة الاستثمارية، نوه حيدر بأنه للآن لم يتضح شيء ولم يصدر أي تشريعات وقوانين استثمار وما صدر فقط يتعلق بالمدن الصناعية، لكن الاستثمارات وآليتها والإجراءات وشخص المستثمر والمطلوب منه والبنك الممول للمشروع، كل هذه الأسئلة لا يوجد عليها إجابة الآن، فضلاً عن الحاجة أكثر إلى الأمان كعامل مهم في المجال الاستثماري، علماً أننا لسنا متشائمين كما قال.