الحرية – نهى علي :
لم تغب عن أذهان الخبراء العاملين في الحقل التنموي السوري، تلك المكونات الأساسية التي يرونها حاملاً أساسياً للاستقرار والأمن الغذائي والأمان الاجتماعي..حتى مهما علا ضجيج الحديث عن الاستثمارات الذكية والتوظيفات الرأسمالية في ” البزنس الرقمي”.
د. حداد: مجمعات إنتاج حيواني تتم متابعتها ومراقبتها بعناية من قبل الاختصاصيين للوصول إلى إنتاج وفير..و نشرها على كامل الجغرافيا السورية
ولعلّ الكثيرين بدؤوا اليوم بإفراد ملف قطاع الثروة الحيوانية لاستعادة قوامه السابق، من منطلق القناعة بأنه أحد الخيارات المهمة في الطريق نحو استثمار الميزة السورية والخصوصية السورية التي طالما كانت ورقة رابحة في ميدان الإنتاج والتصدير..إلى جانب تأمين مصادر دخل ” محترمة” لآلاف الأسر السورية، خصوصاً في المناطق التي تتعاطى مع هذه ” المفردة التنموية” كخيار حياة.
فكرة تنظيم و إنقاذ
ضاعت الثروة الحيوانية السورية أو كادت تضيع، على خلفية السنوات العجاف التي عصفت بسورية عموماً، واليوم بعد التحرير بدأت سلسلة العصف الذهني حول المطلوب لاستعادة هذه الثروة بأدوات تنطوي على بعض الترتيب والتنظيم والمنهجة.
يقترح الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة دمشق الدكتور إبراهيم حداد، فكرة مجمعات إنتاج حيواني، ويعتبرها مهمة جداً، ومن الممكن تطبيقها حتى كليات الزراعة في الجامعات السورية ، أو بعضها، نظراً لتوفر المساحة والاختصاصيين، مذكراً بأنه قد قدم سابقاً إلى كلية الزراعة بجامعة دمشق، مقترح حول إمكانية تربية مئة رأس من الأبقار ومدجنة للدجاج البياض والفروج، والمساحة متوفرة..ولكن الفكرة تحتاج رأس المال والسيولة للتنفيذ على أرض الواقع، وتجهيز المكان والبنية التحتية بمختلف المستلزمات.
المجمعات المقترحة كان يمكن أن تتم متابعتها ومراقبتها بعناية من قبل الاختصاصيين للوصول إلى إنتاج وفير، من تلك المشاريع الكبيرة التي يمكن نشرها على كامل الجغرافيا السورية أو على الأقل في مكان واحد.
د. حداد: ريف دمشق مطرح جيد لمثل هذه المجمعات وهي مشروعات نوعية في حال توفر المياه والطاقة .. ويدخل على الخط خبراء ومختصون في اللحوم التربية و التصنيع الحيواني.. لتحقيق قيم استثمارية مضافة حقيقية
مطارح استراتيجية
ويرى الدكتور حداد في تصريح لـ” الحرية” ..أن ريف دمشق مطرح جيد لمثل هذه المجمعات، فهي برأيه مشروعات نوعية مع إمكانية توفر المياه والطاقة ومختلف المستلزمات اللازمة، ومن الممكن تطوير الفكرة بأن يدخل على الخط خبراء ومختصون في اللحوم التربية و التصنيع الحيواني.. لتحقيق قيم استثمارية مضافة حقيقية، وتحقيق العائدات المجزية المنشودة.
ويركز أستاذ الزراعة بجامعة دمشق، على أن هكذا مشروعات تحتاج تضافراً وتعاوناً حكومياً وأهلياً مع أصحاب رؤوس الأموال.. من دون أن يخفي توجسه من أن رأس المال جبان.. لذلك تحتاج فرص الاستثمار هذه أشخاصاً قلوبهم وأيديهم مع الوطن مؤمنين بالتنمية فيه .
د. حداد: هكذا مشروعات تحتاج لتضافر وتعاون حكومي وأهلي مع أصحاب رؤوس الأموال..و مستثمرين ” قلوبهم على البلد”
عائدات مجزية
لكن وعلى الرغم من ذلك يقول حداد أنه بالرغم من التكلفة ربما الكبيرة لتلك المشروعات، تبقى إنتاجيتها عالية وستنعكس بشكل إيجابي على الجميع، فمثلاً مخلفات الحيوانات من السماد العضوي، تدعم الإنتاج بشكل عام من اللحوم والبيض والحليب ومشتقاته وتصنيعها، وهنا يشير الدكتور حداد إلى أن كلية الزراعة بدمشق تمتلك معملاً لتصنيع الألبان واللحوم ولكنه متوقف لعدم توفر المواد الأولية ورأس المال لتشغيله، مايعكس العقبة الحقيقية لتكون تلك المشروعات ذات مردود اقتصادي كبير على المستثمرين والوطن وبادرة النهوض الأولى .
قرنفلة: ضوابط وشروط فنية تحدد المسافات الفاصلة بين مزارع الإنتاج الحيواني بما يحقق ضمانات الأمن الحيوي
العشوائية تضر ولا تنفع
إلا أن لخبير الإنتاج الحيواني والزراعي المهندس عبد الرحمن قرنفلة، وجهة نظر مغايرة حول فكرة إنشاء مجمعات للاستثمار في الإنتاج الحيواني.. فالموضوع – برأيه – لا يمكن بحثه بهذه السطحية نظراً لوجود ضوابط وشروط فنية تحدد المسافات الفاصلة بين مزارع الإنتاج الحيواني بما يحقق ضمانات الأمن الحيوي وعدم انتقال الأمراض بين مزارع الإنتاج الحيواني، إضافة إلى اختلاف البيئات المناسبة لكل نوع حيواني.
فالدواجن – برأي قرنفلة في تصريحه لـ”الحرية” – تربى غالباً في حظائر مغلقة تبنى على أراض غير صالحة للزراعة ..بينما تربى الأغنام في البادية والمراعي الطبيعية وتعتمد على التنقل سعياً وراء موارد العلف المجانية …بينما تربى الأبقار في مزارع تحتاج أراضي زراعية خصبة لإنتاج الأعلاف وموارد مائية وفيرة .. فضلاً عن تباين طرق التعامل مع منتجات كل نوع حيواني.
هذه العوامل من حيث المبدأ لا تساعد على تنفيذ فكرة إنشاء مدن لتربية الحيوان.
قرنفلة: لابد من إعداد دراسات فنية واقتصادية تفصيلية تشارك فيها كافة الجهات المعنية لتحديد مسارات التنفيذ
بديل منظّم
البديل للفكرة الذي يراه الخبير الزراعي، أنه يمكن إقامة تجمع مثلاً لتربية الأبقار، ومزارع بالبادية متخصصة بتربية الأغنام، وكذلك يمكن تنفيذ تجمعات لمزارع تربية الدواجن تراعى فيها الشروط الفنية البيطرية…ٍوإن كانت كل هذه الإجراءات تحتاج رقابة فنية صارمة ومتابعة مستمرة وإشرافاً دائماً من الأجهزة الفنية البيطرية.
دراسات
يرى خبير الإنتاج الحيواني أنه لابد من إعداد دراسات فنية واقتصادية تفصيلية تشارك فيها كافة الجهات المعنية لتحديد مسارات التنفيذ، ومسؤولية كل جهة في متابعة التنفيذ والتشغيل.. وبكل الحالات هذا يصلح للشركات الكبيرة ولا يصلح لصغار المربين الذين يشكلون ٩٠% من مربي الثروة الحيوانية في سورية.. ويكرر..حتماً لا شك في أنها للشركات الكبرى وسيكون هناك تكامل..على أن تُحدد الأماكن بعيداً عن المناطق السكنية وتوفر لها البنية التحتية.
ويضيف قرنفلة: لكن لا يمكن للمربي الصغير تبديل سلوكيات عمله بهذه السهولة والتخلي عن مزرعته لمصلحة دمجها بمزارع بعيدة عن سكنه..فالأمر يجنح للنظرية أكثر من كونه عملياً، وهذا النموذج المقترح غير موجود حتى في أكثر دول العالم تطوراً بالإنتاج الحيواني.
قرنقلة: إحداث وزارة مختصة بالثروة الحيوانية السورية بهدف رفع مساهمتها بالدخل الوطني
مساهمة غير منظورة
كما يرى قرنفلة أن الإنتاج الحيواني مثقل بحزمة من الصعوبات الإدارية والقانونية والفنية والاقتصادية والمالية، تقيد انطلاقته…ورغم أن الإحصاءات تشير إلى أن مساهمة القطاع الحيواني تشكل ٣٣% من إجمالي الناتج الزراعي المحلي، ولكن هذه الإحصائيات تهمل المساهمات غير النقدية للإنتاج الحيواني مثل قيمة قوة العمل والنقل والانتقال وقيمة السماد العضوي وكثير من الخدمات التي تقدمها الثروة الحيوانية بالريف ..والتي لو تم تقييمها مالياً لتجاوزت مساهمة قطاع الإنتاج الحيواني نسبة ٥٥% من إجمالي الناتج الزراعي.
وزارة متخصصة
هنا يجدد المهندس قرنفلة الدعوة لإحداث وزارة مختصة بالثروة الحيوانية السورية، بهدف رفع مساهمتها بالدخل الوطني، ولاسيما أن للإنتاج الحيواني ارتباطات أمامية وخلفية تشغل أعداداً هائلة من اليد العاملة وتشكل محركاً للاقتصاد الوطني.
ويقترح وضع استراتيجية وطنية لتنمية الثروة الحيوانية يشارك فيها مربو الثروة الحيوانية حسب كل قطاع والوزارات والجامعات ومؤسسات البحث العلمي المحلية والعربية والدولية.