الحرية – وليد الزعبي:
ليس بخافٍ على أحد الواقع الصعب للمياه في منطقتنا، حيث إن ضعف الهاطل المطري على مدار عدة سنوات خلت، مقابل استنزاف المخزون الجوفي وعدم إمكانية تعويض أي كميات منه، خلّف تراجعاً كبيراً بالمصادر المائية الخاصة بمياه الشرب والري في آنٍ معاً، وهنا تبرز أهمية وضع الخطة الإنتاجية الزراعية بعناية فائقة لتحقق التوازن بتحديد مساحات المحاصيل وفق الاحتياج الفعلي المطلوب من إنتاجها في السوق المحلية والتشدد بضروة تطبيقها، والمهم أيضاً ضبط استجرار الآبار الزراعية ووضع حدّ لظاهرة حفرها المستعرة إلى الآن.
– قلة أمطار يقابلها استنزاف للمخزون الجوفي.. والنتيجة جفاف ينابيع وآبار وتراجع غزارات أخرى
كأننا نصدر المياه
يرى متابعون للشأن الزراعي أن هناك محاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه، وينبغي التوقف عندها لدى وضع الخطة الإنتاجية الزراعية، حيث يتم حصر مساحاتها بما يلبي احتياجات السوق المحلية فقط، لكي لا تكون الزيادة الذاهبة للتسويق الخارجي على حساب هدر المياه، لأنها في حسابات الجدوى تعد خسارة لا تعوض، وخاصةً أننا بذلك نصدر مياهاً بهيئة محاصيل ونحن لا نشعر، والأهم من كل ذلك عدم ترك الفلاحين يزرعون على هواهم، بشكل يجعل إنتاج بعض المحاصيل يفيض عن احتياج السوق المحلية ولا يمكن تصريف كل ذلك الفائض للخارج.
– المعضلة في الآبار المخالفة التي حُفرت بالآلاف.. ووقفها غدا ضرورة ملحة
تراجع كبير
مدير الموارد المائية في درعا المهندس هاني عبد الله ذكر لصحيفة الحرية، أنه ومن خلال تتبع الوضع المائي بشكل عام في المحافظة والمراقبات والقياسات لغزارات الينابيع بشكلٍ خاص، وكذلك الهطولات المطرية السنوية، لوحظ تراجع كبير في غزارات الينابيع وهبوط ملحوظ في مناسيب المياه الجوفية بدءاً من نهايات القرن الماضي، وترافق هذا التراجع مع فترة الجفاف، حيث مرّت المنطقة بدورة جفاف مناخي وانخفضت كميات الهاطل المطري خلال العقود السابقة بشكلٍ كبير، وكذلك خلال هذا العام بشكل ملحوظ، حيث لم يتجاوز معدل الهطول المطري 30% في أغلب المناطق، ما انعكس سلباً على الموارد المائية السطحية والجوفية في المحافظة، وتجلى ذلك بتدني مخزون السدود وانخفاض مناسيب المياه الجوفية وغزارة الينابيع، والذي أثر بدوره على مياه الشرب والري في المحافظة، حيث وقع عجز بمياه الشرب في معظم التجمعات السكانية في المحافظة.
– حاجة ماسة لإعادة النظر بالخطة الإنتاجية الزراعية والتشدد بتطبيقها على الآبار
الهطولات ليست كما يجب
وبالنظر إلى وسطي الهطولات المطرية لعدة سنوات سابقة، يلاحظ أنها متفاوتة، وفي الموسم الفائت كانت الأسوأ، وقد بيّن مدير الموارد أنها في 2016 بلغت 241مم وفي 2017 بمقدار 258مم وفي 2018 وصلت 233مم وفي 2019 كانت 385مم وفي 2020 بلغت 420مم وفي 2021 سجلت 389مم وفي 2022 بلغت 333مم وفي 2023 سجلت 327مم وفي 2024 بلغت 326مم، أما في موسم الشتاء الفائت فكانت أقل من 100 مم، علماً أن معدل الهطول المطري السنوي المعتمد للمحافظة 317 مم، وبالنسبة لواردات السدود، فإنها تفاوتت حسب الهطولات المطرية لكن الأسوأ كان في العام الحالي على الإطلاق، حيث لم يتجاوز ٤ ملايين متر مكعب، علماً أن السعة الإجمالية لسدود المحافظة تبلغ ٩٢ مليون متر مكعب.
– تأثر مياه الشرب بشكل كبير وحدوث عجز بتأمينها للعديد من التجمعات السكانية
الينابيع بين تراجع وجفاف
ولجهة الينابيع يوجد منها في المحافظة حوالي 20 نبعاً بغزارات متوسطة نسبياً، وعلى هذا الصعيد أوضح المهندس عبد الله أن القسم الأكبر منها جف تماماً (الطاحونة – عين البصل – الغزولي – بندك – العجمي – الأشعري – عشترا ـ دير لبو ـ الصفصافة ـ الشيخ سعد – المحيرس – السريا – الميسري )، وقسم آخر أصبح موسمياً أي جاف صيفاً ورطب شتاءً، ولا سيما (المزيريب – زيزون – عيون العبد – الساخنة الكبرى – الساخنة الصغرى)، أما القسم المتبقي فلا تزال غزارته مستمرة مع انخفاض جزئي صيفاً، وهي ينابيع (الهرير – عين ذكر – الصافوقية – غزالة)، وعلى سبيل المثال تراجعت غزارة نبع المزيريب تدريجياً منذ العام 1996 من 1128 ليتراً في الثانية حتى جف نهائياً منذ عام 2022.
مشكلة الآبار المخالفة
أما المصدر المائي الآخر والأهم والذي تعتمد عليه الزراعة بشكل رئيس في المحافظة وينتشر على كامل أراضي المحافظة هو الآبار، وبيّن مدير الموارد أن الاقبال بدأ يتزايد على حفر الآبار منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما كانت القوانين والأنظمة تسمح بذلك، وبعدها بدأ حفر الآبار ينحصر بشروط صعبة وصولاً لمنعها بشكل كامل، لكن ومنذ عام 2011 تم استغلال الظروف السائدة وانتشر بشكل واسع حفر الآبار المخالفة على كامل أراضي المحافظة حتى ضمن المناطق السكنية داخل المخططات التنظيمية للقرى والبلدات لتأمين مياه الشرب وغيرها، وكذلك ضمن شبكات الري الحكومية وغيرها لغياب المياه عنها وتعطلها وعدم توفر المورد المائي لها، وقد وصل عدد الآبار المخالفة المصرح عنها من قبل أصحابها في العام 2022 إلى 3592 بئراً، فيما هناك عدد كبير من الآبار وبمناطق مختلفة لم يتم إحصاؤها، وتفاقم الأمر أكثر منذ تحرير البلاد، حيث جرى استغلال الوضع بسبب الظروف حينها لحفر الآبار بشكل كبير، وانعكس ذلك على انخفاض ملموس في مناسيب المياه الجوفية.
عوامل أخرى
هناك عوامل أخرى غير ما سبق لعبت دوراً سلبياً في الواقع المائي، حيث كان -وفق ما أوضح مدير الموارد- لاستخدام الطاقة البديلة في تشغيل الآبار واستمرارية الضخ منها طوال فترة السطوع الشمسي نهاراً ولساعات تصل حتى 12 ساعة صيفاً، التأثير السلبي لجهة انخفاض مناسيب المياه الجوفية، وكذلك انخفاض غزارات الينابيع وجفاف عدد منها، كذلك أثر تركز الهطولات المطرية الغزيرة في مناطق محددة من الحوض وقسم منها قرب الحدود الخارجية للحوض، إضافةً لقلة الهطولات الثلجية نسبياً على مدى سنوات طويلة وحتى على الجبال المحددة والمغذية للحوض.
طال مياه الشرب أيضاً
وهذا الواقع لم ينعكس سلباً على تدني إنتاج المحاصيل الشتوية وخاصة محصول القمح والمحاصيل العلفية والبقوليات والخضار الباكورية في منطقة الشجرة حسبما ذكر مدير الموارد، بل أدى أيضاً لتراجع كبير في المساحات المزروعة لهذا العام وإيقاف الزراعات الصيفية على شبكات ري السدود لعدم توفر المياه، ولم يقتصر التاثير السلبي على الزراعة بل على مياه الشرب حيث حدث شح كبير فيها ضمن عدة تجمعات سكانية، من أهمها منطقة المزيريب وتل شهاب وزيزون ومناطق أخرى بالمحافظة.
إجراءات إسعافية
أمام هذا الواقع الذي ينذر بالخطر لا بد من اتخاذ جملة من الإجراءات الإسعافية، وقد أشار المهندس عبد الله إلى أن أهمها إعادة تأهيل المنشآت المائية المتضررة لاستثمار الموارد المائية المتاحة وتخفيف الهدر والضياعات، وضبط الاستجرار بكل أشكاله في جميع مناطق المحافظة، ودراسة الواقع المائي الحالي في حوض اليرموك والإجراءات اللازمة لوقف استنزاف المياه الجوفية، ولا سيما لجهة معالجة الآبار الزراعية المخالفة ووقف الحفر المخالف والعشوائي للآبار، وإعادة النظر بالخطة الزراعية السنوية على الآبار والتشدد بتطبيقها والتركيز فيها على الزراعات الشتوية وخاصة محصول القمح والأشجار القائمة لحين تعافي مناسيب المياه الجوفية، والاعتماد بشكل رئيسي في الزراعة على الموارد المائية السطحية، بالاضافة إلى تنظيم الزراعات حسب المناطق التي تصلح فيها زراعات معينة ولاتصلح لغيرها، واستخدام تقنيات الري الحديث وفق المقنن المائي لكل منتج زراعي، والإسراع بتنفيذ محطات المعالجة للمياه الراجعة من الصرف الصحي والاستفادة منها في الزراعات الممكنة.