الحرية – مها سلطان:
لأن الجغرافيا حاكمة (وإذا ارتبطت بالسياسة تتحول إلى ديكتاتورية) يصبح لزاماً على الدول المعنية أن تجعل هذه الجغرافيا الحاكمة داعمة، وليس مانعة، وهو بالضبط ما تفعله القيادة السورية الجديدة، عندما يتعلق الأمر بالجوار الجغرافي، وكل ما يُثار من هواجس، خصوصاً إذا كان الحديث خريطة جيوسياسية جديدة تتشكل بسيناريوات مفتوحة، وعن حدث سوري هو في القلب منها.
في الحدث السوري الممتد والمفتوح، لا تزال العين على العراق، بجغرافيته الحاكمة، والمقترنة سياسياً وميدانياً (وأمنياً) وبما يجعل الهواجس قائمة، وإن كانت في حدها الأدنى في هذه المرحلة، أو بعبارة أدق يتم التعامل معها من قبل البلدين بصورة متوازنة قوامها تنسيق وتعاون، خصوصاً في الملفات الأمنية (الحدود والسجون والتنظيمات المسلحة والمطلوبين).
لا شك أن العراق يمثل أهمية جغرافية كبيرة لسورية، والعكس بالعكس، ولا يمكن بأي حال أن يتجاور البلدان جغرافياً، وينعزلان سياسياً، وما يتبع ذلك على المستوى الاقتصادي (والميداني حيث لا يزال تنظيم داعش الإرهابي ومجموعات مسلحة أخرى تشكل تهديداً لكلا البلدين).
البعض يرى أن من سوء المصادفة أو التوقيت أن يتزامن الحدث السوري مع استضافة العراق القمة العربية في دورتها العادية والمقرر في أيار المقبل. وفيما يرى البعض العكس، فربما تكون هذه القمة فرصة لكليهما، فالهواجس والمخاوف ليست لدى العراق فقط، بل لدى سوريا أيضاً، وكما أن العراق يدعو القيادة السورية لبث رسائل طمأنة، فإن العراق بدوره مدعو لفعل الأمر نفسه.
العراق يوسع مسار الإيجابية
في هذا الإطار، كان لإعلان العراق عن أن الرئيس السوري أحمد لشرع مدعو إلى القمة العربية/ العادية في بغداد، وقعاً إيجابياً، خصوصاً أننا على بعد عشرة أيام فقط من قمة عربية طارئة ستستضيفها العاصمة المصرية القاهرة في 27 شباط الجاري. وبالتأكيد سينعكس هذا الإعلان العراقي على أجواء القمة الطارئة، وعلى مجمل اللقاءات السورية خلالها، علماً أن القيادة السورية لم تعلن بعد مستوى تمثيلها في هذه القمة، وإن كان من المتوقع وفق المعطيات والتحليلات أن يكون القرار بمشاركة الرئيس الشرع.
العراق عمد إلى توسيع دائرة الإيجابية حول دوره وموقفه من القيادة السورية الجديدة عندما أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن بلاده «ليس لديها تحفظات على التعامل مع القيادة السورية الجديدة». مشدداً على أهمية التنسيق المشترك لمحاربة الإرهاب وتعزيز أمن المنطقة.
على بعد 10 أيام من القمة العربية الطارئة.. الشيباني في العراق «قريباً» بجدول مباحثات «مؤثر» ثنائي وإقليمي
وقال خلال مشاركته في مؤتمر باريس الذي اختتم أعماله الخميس الماضي: تم توجيه دعوة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لزيارة العراق والتي «ستكون قريبة جداً». (وكان الشيباني نفسه أكد هذه الدعوة وأنه سيزور العراق قريباً… وحسب تقارير ستكون هذه الزيارة الأسبوع المقبل).
وبذلك يكون العراق حسم الجدل حول مسألتين: الأولى دعوة سورية ورئيسها الشرع للمشاركة في أعمال القمة العربية العادية، والثانية مسألة الهواجس والمخاوف عندما أكد أنه لا تحفظات في التعامل مع القيادة السورية الجديدة.
علماً أن مسألة الهواجس والمخاوف هي في سياقها الطبيعي في ظل اعتقاد على نطاق واسع بأن سقوط النظام في سوريا سيخلق فوضى أمنية في كل المنطقة، خصوصاً الجوار، وهو اعتقاد عمل هذا النظام على تعزيزه لإطالة بقائه على سدة الحكم، حيث تجاوز ترهيبه في الداخل إلى ترهيب الجوار من مغبة زواله، وكان أن سقط وفر هارباً، ولم تحدث تلك الفوضى المزعومة، لا بل إن المنطقة تعمل على ترتيب أوراقها بصورة أكثر ثباتاً واستقراراً، عازمة على منع الفوضى وتكريس الوحدة، وعلى أن تكون المرحلة المقبلة جامعة، بعيداً عن سياسات المحاور التي لم تجلب إلا الخراب والدمار.
– إزالة الهواجس
يفيد التذكير هنا أن العراق كان من أوائل الدول التي أرسلت وفوداً إلى سوريا للقاء القيادة الجديدة، حيث زار رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري دمشق في 27 كانون الأول الماضي، والتقى بالرئيس الشرع.
اليوم تبدو الهواجس في حدها الأدنى، كما ذكرنا آنفاً. ومن هنا تبدو القمة العربية في العراق مهمة لناحية دفن ما تبقى من الهواجس والانطلاق نحو علاقات ثنائية جديدة، على قواعد سليمة هذه المرة، تكون الأولوية فيها لخدمة البلدين والشعبين وليس لخدمة محاور وأجندات خارجية على حسابهما.
زيارة الشيباني… الأهمية والتأثير
ويبقى أن نعود إلى زيارة الشيباني المرتقبة إلى العراق والتي يُنظر إليها على أنها تشكل أهمية كبيرة باعتبارها التمهيد الأول لعلاقات جديدة بين البلدين، وهي وإن كان البعض يربطها بالقمة العربية الدورية التي يستضيفها العراق، إلا أنها بالمقابل أوسع مدىً وأهدافاً.
ربما يفيد هنا إيراد أحدث موقف عراقي، متمثل في تصريحات المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، والذي قال إن بلاده لا تفكر بمنطق الشروط والمطالب بل تسعى لتعاون جاد، وهي لا تتدخل في الشؤون الداخلية السورية وتحترم إرادة الشعب السوري في اختيار قيادته.
وأضاف العوادي لـ«الجزيرة نت» أمس إن الرغبة كانت في إتمام زيارة الشيباني في وقت أبكر، إلا أن العراق فضل التريث لأمرين: الأول هو الهواجس الأمنية، هي في تراجع في ظل التعاون الأمني، والثاني هو إتاحة الفرصة أمام القيادة السورية الجديدة لترسيخ مؤسساتها وهو ما تحقق خلال الأسابيع الماضية.
وبيّن أن زيارة الشيباني تفتح صفة جديدة في العلاقات، تقوم على التعاون والاحترام المتبادل وتتناول مختلف الملفات المهمة وعلى رأسها الملف الأمني.
حرص متبادل
حرص العراق على التعاون والتنسيق في سياق بناء علاقات جديدة، تلاقيه القيادة السورية بالمثل، وزيارة الشيباني المرتقبة تصب في هذا الإطار (على قاعدة الملاقاة في منتصف الطريق). ويرى مراقبون أن العراق حافظ منذ سقوط النظام السابق على سياسة متوازنة وهادئة في التعامل مع التطورات وأرسلت مبكراً وفداً رسمياً إلى دمشق (زيارة رئيس جهاز الاستخبارات آنفة الذكر) وكان لهذا تأثير مهم. ويتوقع هؤلاء المراقبون أن تكون زيارة الشيباني في جزء منها- ربما- لترتيب زيارة للرئيس الشرع إلى بغداد، إذا افترضنا وجود قرار بمشاركته في القمة العربية العادية في أيار المقبل.