في معادلة عودة الاقتصاد إلى 70 بالمئة من موارده المهدورة في شمال شرق سوريا.. حد كبير من فاتورة الاستيراد… وتقليص العجز في الميزان التجاري السوري

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – مرشد ملوك:
يقدم المستشار والخبير الاقتصادي الدكتور عامر خربوطلي مثالاً يختصر فيه الضعف والوهن الكبير الذي ابتلى به الاقتصاد السوري من جراء خروج المنطقة الشمالية الشرقية من معادلة هذا الاقتصاد، الذي امتدت خساراته الاقتصادية والسياسية إلى أبعد من ذلك بكثير..
يقول خربوطلي: “يكفينا القول إنه في المرحلة السابقة تراجع إنتاج سوريا من القطن ولم تعد هناك إمكانية للاستفادة منه، تحولت سوريا لأول مرة في تاريخها لمستورد للقطن والغزول القطنية لتلبية احتياجات المعامل السورية العامة والخاصة، التي لم يعد يكفيها إنتاج القطن المحلي وفي هذا تملك سوريا ميزة تنافسية وميزة نسبية في إنتاج القطن، لذلك فإن عودة هذه الأراضي الزراعية في الجزيرة وشمال شرق سوريا مهم جداً لعودة إقلاع عجلة الصناعات النسيجية التي تشكل من 24 – 25 بالمئة من ناتج الصناعات التحويلية السورية”.

خصائص الجغرافيا
في عمق التجسيد الجغرافي السوري الحامل والحاضن للثروات السورية في السياسة والاقتصاد وفي الديموغرافيا تتطابق وتختلف خصائص الغنى في السياسة والاقتصاد والثقافة مكونة النسيج السوري العرقي والديني الذي عاش وتبادل المصالح والثقافات، والواضح اليوم أن “العقل الرأسمالي ” الدولي ومن وراءه كياناته السياسية والاقتصادية، يعي تماماً أن كعكة المصالح المتبادلة مع المكون الجغرافي السوري، لن تتحقق إلا بمكون سياسي سوري واحد موحد، وفق بيئة عمل مستقرة لا وجود فيها “لكونتونات” متشظية لا تستطيع تحقيق مصالحها ولا حتى مصالح الآخرين، وبعكس ذلك فإن التنازع والصراع لن يحقق مصلحة أحد.
وهذا ما يعكسه المستشار خربوطلي في مقولة “إن البناء على الشيء يبرز من مقتضاه” وتجسيداً لأن تكون سوريا الخضراء بأيدي السوريين، وبالتالي فالمنعكس هو زيادة الناتج المحلي وزيادة مستوى المعيشة ودعم لمستوى الاقتصاد السوري، وهذا الاتفاق مهم جداً لعودة الأراضي السورية لحضن الوطن، وهو ببساطة عودة سوريا لوضعها الطبيعي منذ فجر الاستقلال بوحدة وتنوع الجغرافيا السورية، وليس عودة الموارد لباقي أجزاء الوطن فحسب، بل عودة الوطن لهذه الموارد الغالية على جميع قلوب السوريين.”

الخزان المائي
لذلك فالحرب التي امتدت لقرابة العقد والنصف وشرذمت الجغرافيا السورية، قدمت دروساً وعبراً يجب التوقف عندها، وكانت مثالاً صارخاً بأنه لا يمكن أن تقوم كيانات سورية متباعدة تحقق مصالحها المباشرة، ولن يستطيع أبناء الوطن ولا الآخرين تحقيق مصالحهم فيها، وهذا مخالف لكل الشرائع والأدبيات السياسية والاقتصادية، الأمر الذي يدحض كل نظريات التباعد والتقسيم.
إذاً القراءة الأولية المباشرة للاتفاق الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية ” قسد” في شمال شرق البلاد والدولة السورية يبدو الأمر ببساطة عودة جزء مهم من الثروات السورية النفطية والغازية والزراعية إلى النسيج السياسي والاقتصادي السوري العام، وهذا أمر في غاية الأهمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لكن المسألة أبعد من ذلك بكثير .. وهذا ما جسده الخطاب الوطني الذي حواه بنود الاتفاق.
ويؤكد على ذلك المستشار الدكتور خربوطلي من الناحية الاقتصادية بالقول: “إن هذا الاتفاق من الناحية الاقتصادية مهم جداً لاكتمال صورة الاقتصاد السوري الذي فقد من 60 – 70 % من موارده في المرحلة السابقة التي سبقت الاتفاق، واليوم تعود هذه الموارد لجميع أبناء سوريا، ويمكننا القول بأن 95 % من النفط والغاز السوري هو من منطقة الجزيرة وشرق الفرات ومنطقة شمال شرق سوريا، وبنفس الوقت هي الخزان الغذائي الزراعي لسوريا لناحية الثروة النباتية أو الإنتاج الحيواني من الأبقار والأغنام والبادية المهمة جداً، هذا بالإضافة إلى المحاصيل الاستراتيجية من قطن وقمح وشعير وعدس.”
إضافة لكل ما سبق يزيد الدكتور خربوطلي: “فلدينا الخزان المائي في هذه المناطق بوجود نهر الفرات والسدود، والنقطة المهمة هي اعتماد هذه السدود على توليد الطاقة الكهرمائية، وهنا يمكن القول إن هذه العودة إن كان للطاقة الكهرمائية وإن كان للنفط والغاز والمحولات تسهم في إعادة إعمار سوريا وتجديد البنية التحتية المتهالكة وتعزز تنافسية الاقتصاد السوري.”

تعزيز فرص التمويل
وحقيقة سيكون لهذا الاتفاق آثار مهمة في تخفيض التوترات السياسية بين القوى السياسية في المنطقة، وكذلك الحياة السياسية الداخلية في سوريا. ويدعم هذا الاتفاق الوطني فرص مشاركة أوسع في الحكومة السورية القادمة، وهذا سيعزز المصداقية وفرص الحوار في المجتمع السوري.
وسيكون للاتفاق الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والحكومة السورية أثر متوقع على الظروف الاقتصادية والمعيشية في سوريا من خلال دخول واندماج المقدرات الاقتصادية في شمال شرق البلاد في الاقتصاد السوري، وسيكون لذلك الاتفاق منعكس أساسي على بيئة العمل والاستثمار، الأمر الذي يعزز فرص التمويل في الزراعة والطاقة وفي الخدمات وكل نواحي الاقتصاد السوري.

كتلة قطع أجنبي
يقول المستشار والخبير الاقتصادي الدكتور عامر خربوطلي :
“كذلك الأمر التقليل من تكاليف وأعباء المشاريع الاستثمارية، والتخفيف من فاتورة الاستيراد التي كانت سوريا تضطر له لعدم توافر هذه المواد محلياً سواء مواد غذائية أو غير غذائية، وهذا بطبيعة الحال يخفف من العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات وبالتالي تحسن من سعر الصرف”.
ويكفي أن نحدد يقول خربوطلي: “إن الصادرات النفطية كانت تشكل حوالي 35 % من الصادرات السورية، وهي في الفترة السابقة انقلبت للاستيراد، ويعني التحول لإنتاج محلي ومن ثم للصادرات المساهمة في دعم خزينة الدولة بكتلة أموال مهمة جداً من القطع الأجنبي لتحديث بنية الاقتصاد السوري في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر عليه المتمثلة بمرحلة البناء والإعمار والاقتصاد الحر التنافسي” .

عواطف
وأخيراً وفي حديث العواطف.. فإن الصورة الذهنية الجامعة لمشهد الجغرافيا السورية فإن العقل السوري يحتفظ بالكثير من المشاهد والذكريات المحفورة في الوجدان التي لا يمكن محوها باتفاقات على الورق أو حتى عدم اتفاق، ولا يمكن للسوري الذي تبللت قدماه برمل البحر المتوسط الرطب على شواطئ اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس ، ويقطع سهول الخير في حمص وحماة وصولاً إلى المنطقة التي يريد متجهاً إلى سهول إدلب وحلب وإلى سهول الرقة ودير الزور، وفي الطريق إلى الجنوب مروراً بدمشق إلى سهول حوران والسويداء، هو مشهد مذهل من التنوع والثروات والعراقة والخبرة وفق تاريخ ومصالح كل منطقة.

Leave a Comment
آخر الأخبار