ضمير المتكلم للناقد محمد منصور.. قراءة نقدية في رواية” السوريون الأعداء”

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- محمد خالد الخضر:

في كتابه أشار الأديب محمد منصور إلى أن الرواية جاءت بكثير من الجدية وسلطت الضوء على الحياة السورية خلال نصف قرن تعرضت خلاله البلاد إلى تدمير وتخريب للبنية التحليلية، وأحالت المجتمع إلى ظلال باهتة يحركه الاستبداد والنزعات التي راحت تكبر فيها الطائفية من خلال ضعاف النفوس فكانت هي كلمة السر في صناعة الخراب.
وركز الناقد منصور في تحليله للرواية على سبر أغوارها، كما صور تموضعها وحلل أنماط الصراعات التي عانى منها المجتمع السوري من خلال الفساد والسعي لتحقيق الأهداف الشخصية التي وفِّق الأديب فواز حداد في كشفها من خلال الرواية، لتأتي الدراسة النقدية ملائمة للرواية الاستثنائية من خلال مقاربة تدفع القارئ ليركز إحساسه محللاً القيمة الموضوعية عبر جماليات الإبداع.
وفي قراءته المنهجية التقط منصور بعض الأخطاء التي تسيء للثقافة والأدب في توصيفه بشكل مغلوط ومعاكس كما فعل شوقي بغدادي بوصفه لنزار قباني بأنه يمثل أدب المرأة الجريء خلافاً للحقيقة والمتغيرات التي جاءت في الأدب والنقد بعيداً عن الإيجابية الثقافية التي سيطر عليها بعض الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالثقافة وكانوا يؤتمرون بمن يحرك الواقع الفاسد.
وفي رؤيته المنهجية كشف كثيراً من الوقائع التي عاشها بعض الأدباء والصراعات الإيديولوجية وكثيراً مما تجاهله الأدب وتغيير الواقع ووصف بعض الأدباء بصفات مغايرة لمسارهم الثقافي والعمل على الخلاص من الأدباء الذين واجهوا الواقع وعكسوا ما تأثروا به مثل عبد السلام العجيلي ونزار قباني وألفة الإدلبي وغيرهم.
وأضاف المؤلف إلى قراءة رواية ( السوريون أعداء ) لفواز حداد تسليط الضوء بعض الأعمال الروائية التي صدرت في مطلع القرن الحادي والعشرين وكشفت الاستبداد والصراعات الطائفية مثل مديح الكراهية لخالد خليفة ومدائن الأرجوان لنديم سليمان مبيناً أن فواز حداد في روايته تمرد على الأدب السوري كله الذي جاء مكبلاً فتحدث عن كل المجازر والأخطاء والأغلاط التي عانت منها سوريا من خلال أشخاص أو جماعات الجرائم والمخالفات المؤذية للمجتمع.
ومن يطلع على الكتاب يعرف ويدرك أبرز أحداث الرواية وعناوينها ومعانيها ليدفع بالقارئ إلى البحث عن الرواية لمعرفة مكونات جمالها.
ولاسيما أنّ الرواية تتفرد بكشف كثير عن الفساد في أغلب الأماكن وصولاً إلى القضاء والمحكمة الميدانية والأجهزة الأخرى والإشارات الطائفية التي كانت تخالف القيم والأخلاق والنظام.
ولم يقتصر مؤلف الكتاب على كشف اتجاه اجتماعي واحد بل حلل ما وصل إليه الراوي في الإشارة إلى أنّ التفكير الطائفي سوف يؤثر في تخريب المجتمع وذلك بدقة متناهية تضع القارئ أمام المواجهة الطائفية المفتوحة التي بدأت في نهاية السبعينيات بسبب عدم الالتزام في القيم الثقافية والتربوية.
ومن خلال شخصية لميس التي كانت الشخصية النسائية الأكثر ثراء في الرواية والأقوى حضوراً بين المؤلف أن الروائي برع في بناء شخصيتها لتختزل شريحة كاملة من شخصيات النساء اللواتي تسرب الغلط إلى حياتهن وقمن بأخطاء سعت إلى تخريب اجتماعي كنزع الحجابات في الشارع وأثره على إثارة النعرات والخلافات والتخريب الاجتماعي تحت مسميات لا تخدم أي تطور اجتماعي في سعي لفضيحة كلِّ من قام بغلط أساء للوطن والدولة سواء كان مدنياً أو عسكرياً أو أدعى العسكرية وهو بعيد عنها.
واستطاع المؤلف أن يفكك ويحلل بشكل تطبيقي الزمن في الرواية وتحولاته وصولاً إلى إشكالات تدفع القارئ وخاصة السوري إلى تفاعل مع بنية الزمن وحركته وما حصل وحدث في كل فترة وصولاً إلى الصراعات والاعتداءات والمواجهات التي فرضت على السوريين وتسرب الأثرياء ومن دعمهم لتعاظم الفساد وانتصار الرؤى الشعبية من خلال الثورة على كل مخلفات الفساد التي وصلت من مكونات الشعبية إلى ألم كبير، فالرواية بقدر ما تقدم دليلاً للخراب السوري الذي امتد في السنوات الأخيرة، ذهبت إلى ملامسة الوجع ودفع السوريين للبحث عن مستقبل أولادهم وأحلامهم، فالرواية مراجعة تاريخية أدبية فكرية سياسية تبين من خلال توغل القارئ فيها أنها تحمل مواقعَ اعتبارية تسعى إلى رصد الانفعالات النفسية المتبادلة تؤول إلى جاذبية العنوان والأحداث وتلخيص مجموع العلاقات الإيجابية والسلبية.

وفيما قدمه المؤلف منصور سيصدم القارئ عناصر مختلفة ويتأثر منفعلاً بالعناوين والأبعاد الدلالية التي تسعى إليها الرواية كما يشير إلى وظائف العناوين التي تثير القارئ وتوجز كثيراً من الأحداث والمظاهر التركيبية المكونة من واقع مؤلم. وبيّن أنّ الرواية هي نوع من الترميز الذي يسعى المؤلف إلى إقامته مع القارئ الفطن فرصعها بألفاظ مثيرة ومشعة وغريبة حيث اختار ألفاظاً لغوية تتلاءم مع المعاني المطروحة فذهب إلى مقام إنجازي آخر جديد يحيل إلى إظهار الإعجاب وتفعيل العواطف والذهاب من خلال الاستذكار إلى ما يخص المجتمع السوري بشكل كامل من دون تفرقة فهو متمكن من الوصول إلى كل مدلولات الرواية فيذهب إلى القارئ ليأخذه إلى الذهول وكشف الألغاز والمكنونات والدلائل بجرأة متفردة مبتعداً عن القلق والحيرة والتريث في المواجهة.
الكتاب الذي أصدرته دار موزاييك للدراسات والنشر يعدّ واحداً من أهم الكتب النقدية التي صدرت في ربع القرن الأخير نظراً لما تحمله من مفاهيم اعتمدت على أسس ثقافية ونقدية حقيقية وعلى الاستقصاء في الطرح التحليلي.
إضافة إلى فضح الخراب الذي سببه النظام البائد بأسس مدبرة ومدروسة.

Leave a Comment
آخر الأخبار