حكايات إيطالية بين السينما والموسيقا بدمشق

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية- إدريس مراد:

أقامت السفارة الإيطالية بدمشق بالتعاون مع وزارة الثقافة السورية قبل أيام وجيزة حفلاً بعنوان (حكاية إيطالية بين السينما والموسيقا) في دار الأوبرا الدمشقية بمناسبة العيد الوطني لإيطاليا.

في الجزء الأول من الحفل أشار القائم بأعمال السفارة الإيطالية بدمشق ستيفانو رافانيان بأن هذا الحفل هو تكريم للشعب السوري، وللفن، ولجميع الإيطاليين العاملين من أجل سوريا، وهو بمثابة خطوة أولى في تعزيز التعاون بالمجال الثقافي، حيث سيتم تنظيم مؤتمر في روما في كانون الأول القادم حول التراث الموسيقي السوري، ولاسيما أن الآفاق الجديدة لسوريا منفتحة على الخارج، وعلى إقامة علاقات قوية ومتجددة، حيث يمكن للبلدين، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، أن يتعاونا في مسارات التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن يتشاركا بتجاربهم وخبراتهم.

الحوار الثقافي

من جانبه أكد معاون وزير الثقافة أحمد صواف، أن المناسبة اليوم هي تأكيد على أن الشعوب، على اختلافها ثقافياً، تتوق إلى الحرية وإسقاط الظلم والاستبداد، ووصف  الحفل بأنه يمثل تجسيداً حقيقياً لقيمة التبادل الثقافي والحضاري التي توليها وزارة الثقافة أهمية كبيرة، وخصوصاً وسط زمن تتسارع فيه التغيرات وتتعاظم فيه الحاجة إلى المساحات التي تعزز التفاهم والتقارب بين الشعوب، انطلاقاً من إيمان سوريا بأن الحوار الثقافي هو أنبل أشكال التواصل بين الأمم.

وفي الجزء الثاني للحفل كان الحضور أمام أعمال موسيقا تصويرية لعمالقة الموسيقيين الإيطاليين نفذتها بنجاح مبهر أوركسترا مؤلفة من الموسيقيين السوريين إلى جانبهم ثلاثة عازفين إيطاليين وهم لوكا يابوني (ترومبيت)، فانيسا كريماسكي (كمان)، غابرييله بوناسورته (ساكسوفون)، بقيادة المايسترو السوري البارع ميساك باغبودريان قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية.

موسيقا سينما براديسو من أروع وأشهر الموسيقا التصويرية في تاريخ السينما العالمية

سينما براديسو

البداية كانت من نصيب الموسيقي الإيطالي الشهير إنيو موريكون والموسيقا التي وضعها مع ابنه أندريا سنة 1988 للفيلم سينما باراديسو حيث نفذت الفرقة منها عدة مقاطع منها ذكريات الطفولة التي تميزت بنغمة عاطفية ومؤثرة للغاية تعكس روح الحنين للماضي والطفولة والسينما، ونغمات بسيطة دافئة، تعبر عن براءة (توتو) وعلاقته بسينما القرية، وتعد مقطوعة لحن الحب واحدة من أشهر المقطوعات، التي استخدمت في مشهد النهاية المؤثر حيث يستعرض البطل المقاطع المحذوفة من الأفلام، وذلك ضمن مشهد أصبح كلاسيكياً في تاريخ السينما، وأدتها صوتاً الفنانة حنين الحلبي.

موسيقا هذا الفيلم ليست مجرد خلفية موسيقية بل تعد شخصية أساسية في الفيلم تعبر عن أحاسيس قد تعجز عنها الصورة والصوت، كما اعتبرت من أروع وأشهر الموسيقا التصويرية في تاريخ السينما العالمية.

أسطورة 1900

ولموريكوني قدم باغبودريان والأوركسترا مقطوعات من موسيقا فيلم أسطورة 1900 والفيلم للمخرج ذاته الذي وقع سينما باراديسو، وهو تورناتوري. تدور قصة الفيلم حول عازف بيانو يدعى 1900 ولد وعاش طوال حياته على متن سفينة ولم تطأ قدمه اليابسة أبداً رغم عبقريته الموسيقية اختار البقاء في عالمه العائم بعيداً عن ضجيج الحياة الحديثة، أما موسيقا الفيلم فتجسد العوالم الداخلية لهذه الشخصية عبر مقطوعات كلاسيكية حالمة، وفي بعضها تمثل فترات التحدي والتألق الموسيقي لا سيما في مشهد المبارزة بين 1900 وعازف الجاز الأمريكي رول مرتون، وأحياناً تأتي المقطوعات عاطفية لاسيما تلك التي تجسد الحب الذي لم يكتب له أن يزهر خارج أسوار السفينة، بطابع شاعري بين الحنان والحزن كما استطاع موريكوني أن يجسد الوحدة العبقرية والحياة خارج الزمن. ويمكن اعتبار هذه الموسيقا بحد ذاتها رحلة داخل عقل شخصية غير اعتيادية تجسد فلسفة العيش خارج العالم الواقعي.

كما قدمت المجموعة لذات المؤلف موسيقا فيلم ذات مرة في أمريكا للمخرج الايطالي سيرجيو ليوني أنتاج عام 1984، وتتضمن الموسيقا خمس مقطوعات أشهرها ديبورا واحدة من أكثر المقطوعات المؤثرة وتعزف عند ظهور الحب الحزين بين نودلز وديبورا، ومقطوعة أخرى مستوحاة من الأغنية القديمة أمابولا أعيد توزيعها بأسلوب يناسب أجواء الثلاثينات، ومقطوعة ذاكرة الطفولة تعكس الحنين والبراءة والذكريات، أما مقطوعة فقر فهي تعبير موسيقي عن معاناة طفولة الشخصيات، وأغنية كوكاي التي تعزف على الفلوت تعد من أكثر المقطوعات شهرة.

استطاع موريكوني أن يجسد الوحدة العبقرية والحياة خارج الزمن

ذات مرة في الغرب

عادت الفرقة لعزف موسيقا تصويرية لموريكوني، والتي كتبها لفيلم ذات مرة في الغرب من إخراج سيرجيو ليوني، هذه الموسيقا تمتاز بقدرتها على التعبير العميق عن شخصيات الفيلم ومشاعره حتى دون الحاجة إلى الكلمات، ويقال بأن الموسيقا تم تأليفها قبل التصوير لكي يضع ليوني اللقطات بناءً عليها، وهو اسلوب نادر جداً، فأصبح لكل شخصية تيمة موسيقية خاصة بها، يعكس مشاعرها وقصتها.

أما موسيقا فيلم حفنة من الدولارات استخدم فيها موريكوني مجموعة من الأدوات الموسيقية المميزة مثل الصافرات والطبول الصوتية بالإضافة إلى الغيتار الإسباني والآلات النفخية كما أضاف أصواتاً من الطبيعة كصفير الرياح وأصوات الخلفية البشرية مما خلق جواً موسيقياً فريداً ومؤثراً.

أما موسيقا فيلم الطيب والشرس والقبيح لا تذهب بعيداً عن موسيقا الفيلم السابق (حفنة من الدولارات) كثيراً حيث صوت الرياح والطبول وتعد واحدة من أبرز الأعمال الموسيقية في تاريخ السينما التي ساهمت بشكل كبير في تحديد هوية أفلام (الويسترن الايطالي) أو ما يعرف بسباغيتي ويسترن.

وقد حدد موريكوني لكل شخصية حسب عنوان الفيلم آلة موسيقية حيث مثل شخصية الطيب آلة الفلوت والشرس آلة الأركيلوفونو والقبيح جسدها بأصوات جوقة بشرية.

موسيقي من فينيسيا

وتابعت الفرقة أمسيتها بالانتقال إلى أسلوب آخر للموسيقا التصويرية من خلال موسيقا فيلم انونيمو فينيزيانو  من إنتاج 1970 وإخراج إنريكو ماريا ساليرنو والفيلم بالأصل يتحدث عن موسيقي فينيسي مصاب بمرض عضال، والموسيقا التي وضعها ستلفيو تشيبرياني تتميز بتوظيفها لآلات موسيقية كلاسيكية وموسيقا الجاز  وأضفى هذا المزج طابعاً فريداً، وعكس الأجواء الرومانسية والإنسانية التراجيدية، كما عبر عن مرور الزمن والتغييرات في العلاقة بين الشخصيات.
انتقلت الفرقة إلى موسيقا فيلم ساعي البريد التي ألفها الموسيقي الأرجنتيني الإيطالي بالكوف الذي فاز عن هذه الموسيقا بجائزة الأوسكار لأفضل موسيقا تصويرية عام 1995

العراب والطريق

وفي القسم الأخير للأمسية خصصتها الفرقة للمؤلف الموسيقي الايطالي نينو روتا حين عزفت موسيقاه التصويرية لخمسة أفلام منها العراب والطريق والحياة الحلوة، ومن المعروف بأن روتا يعتمد الألحان البسيطة وسهلة الحفظ مما يجعل موسيقاه قريبة من الجمهور وسهلة التذكر، هذا النهج ساعده في تعزيز تأثير الموسيقا على المتلقين وربطهم العاطفي بالفيلم، كما استلهم روتا العديد من ألحانه من الموسيقا الشعبية الايطالية مثل استخدامه للماندولين والطبول والآلات الوترية كما في فيلم العراب، وحاول استخدام آلات منفردة كآلة الترومبيت في بداية الفيلم المذكور، وتمكن روتا عموماً من التعبير عن التناقضات في الشخصيات والأحداث من خلال موسيقاه مثل المزج بين الألحان الحزينة مع الايقاعات السريعة أو المزج بين الألحان الرومانسية والمشاهد العنيفة مما أضاف عمقاً للأحداث والشخصيات.

نجاح مبهر

نجحت الأوركسترا بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان أفي ن تؤدي هذه الأعمال بتقنية عالية وبقدرة كل عازف بالتحكم بآلته والتفاعل اللحظي معاً، مما مكن الأوركسترا من البناء الدرامي والتطور اللحني والتعبير العاطفي المتزن، لا بتنفيذ النوتات بدقة فحسب بل عكس الموسيقيين التوتر الدرامي الحاضر في كل قطعة، مع احترام البناء الايقاعي الذي حدده باغبودريان مما جعل الأداء الجماعي ينبض بالحياة، ومن جهته استطاع باغبودريان بخبرته الطويلة التحكم بزمام الأمور وأن يضبط الإيقاع والتعبير عن روح الموسيقية للأعمال وأن ينظم العلاقة بين الكتل الموسيقية المختلفة، ليكون المتلقي أمام أمسية موسيقية فائقة الجمال.

Leave a Comment
آخر الأخبار