الحرية- باسمة اسماعيل:
في أروقة المدارس ومع بدء موسم الامتحانات، تسيطر أجواء مشحونة بالقلق والتوتر، لا تقتصر على الطلبة فقط، بل تمتد لتطول أهاليهم، الذين يعيشون معهم الضغط نفسه وربما أكثر، وهذا ما يُعرف بـ”الرهاب الامتحاني”، حالة نفسية تتجاوز القلق الطبيعي، وتؤثر بشكل مباشر في الأداء الأكاديمي، وحتى في الاستقرار النفسي والاجتماعي داخل الأسرة.
بين الأمس واليوم.. قلق يرويه الطلاب والأهالي
”الحرية” التقت بعضاً من الطلبة والأهالي في أول يوم من امتحان الشهادة الإعدادية، عبّرت الطالبة رهف عن حالتها، قبل الامتحانات، كنت أنام بصعوبة وأشعر بثقل في صدري كلما فكرت بالامتحان، حتى الطعام لم أعد أتناوله بشكل طبيعي، وخلال اللحظات الأولى من الامتحان، شعرت أني نسيت ما حفظته، لكن استرجعت كل شيء عندما سارت العملية الامتحانية بهدوء.
أما والدتها فأشارت إلى أنها عاشت حالة توتر وخوف لا تقل عنها، وهذا حال كل الأهالي، خوفنا تحول إلى ضغط أحياناً من دون قصد، لأننا نريد فقط أن نراهم ناجحين، وهذا بحد ذاته يولد قلقاً متبادلاً.
الطالب حسام أضاف: كنت أشعر بأني مستعد قبل أيام من الامتحان، لكن ما إن اقترب الموعد حتى بدأت أعاني من أرق، وأشعر بالخوف من أن أنسى كل شيء، اليوم في القاعة، مجرد رؤية ورقة الأسئلة جعلت قلبي يتسارع لكن ما إن قراتها، وأحسست أنني أعرف الإجابة على الأسئلة حتى تلاشى التوتر رويداً رويداً.
والدة إحدى الطالبات عبّرت عن قلقها، ابنتي كانت تنهار من البكاء بسبب ضغط الامتحان، وأنا لا أعرف كيف أساعدها، نحاول كأسرة أن نكون داعمين، لكن أحياناً نشعر أننا عاجزون.
رأي متخصص: أين يبدأ القلق وأين ينتهي؟
وفي هذا السياق أكدت الدكتورة ريم كحيلة، أستاذة الإرشاد النفسي في جامعة اللاذقية، أن القلق بحد ذاته ليس بالضرورة حالة سلبية، قائلة: أولاً ينبغي لنا أن نميز بين القلق كحالة طبيعية، والقلق كحالة مرضية تتطور لتصبح سمة لدى الفرد، فالقلق كحالة طبيعية هو استجابة طبيعية للجسم، لمواجهة التحديات والمواقف الصعبة، على سبيل المثال القلق من مواجهة موقف معين في العمل، أو لحدث في الشارع أو القلق من الامتحان، أو القلق من الدخول في مشروع حياتي جديد…الخ، ولا يؤثر بشكل كبير في حياة الفرد، بل قد يكون عاملاً محفزاً للفرد ليقدم أفضل ما لديه، بينما القلق المرضي هو استجابة غير متناسبة مع الموضوع المثار للقلق، بمعنى أن حجم الإثارة مبالغ فيه من قبل الشخص، من حيث الشدة والزمن والاستمرارية، فيصبح اضطراب يؤدي إلى خلل في التوازن مع الذات أو البيئة المحيطة بالفرد.
تفاوت بالحالة
وأوضحت كحيلة أن الرهاب الامتحاني هو بحد ذاته نوع من القلق، الذي يشعر به الطلبة قبل أو أثناء الامتحانات، إذ يعتبر طبيعياً وشائعاً بين العديد من الطلاب، ويتفاوت بين طالب وآخر من حيث الشدة والمدة الزمنية، ويكون له تأثير على الأداء الأكاديمي سواء بالسلب: (النسيان – ضعف الثقة بالنفس- درجات منخفضة…الخ) أم بالإيجابية: (دافع محفز للإنتاجية – تأكيد الذات …الخ).
أستاذة إرشاد نفسي: التركيز على دور الأهل بتحفيز الطالب وتقبل قدراته ومساعدته على التعبير عن نفسه
وبيّنت من مظاهر وأعراض القلق الامتحاني (صعوبة التركيز، الشعور بالإرهاق المستمر، اضطرابات النوم مثل الأرق، سرعة الانفعال أو الغضب،) وهناك أعراض جسدية مثل زيادة ضربات القلب أو صعوبة التنفس، وكما ذكرت سابقاً هذه الأعراض تختلف زيادة أو نقصان من شخص لآخر.
عوامل عديدة
وتابعت: العوامل التي لها دور في زيادتها أو نقصانها أذكر أهمها، المناخ الأسري وأقصد به الضغط الممارس على الطالب من قبل الأهل (عدم التوافق بين توقعات الأهل من الشاب أو الشابة، وبين قدراته أو قدراتها الحقيقية)، بالإضافة إلى العامل الذاتي للطالب (التحضير الدراسي أو عدمه من قبل الطالب)، بمعنى هل كان الجهد المبذول خلال العام الدراسي أم لا؟ ويجب ألا نغفل أهمية الخبرات الاجتماعية (تلك التي سمع عنها أو لاحظها) والتجارب السابقة للطالب (المعيشة شخصياً، على سبيل المثال رسوب في سنة ماضية)، وحتى القصص التي يسمعها من زملائه أو وسائل الإعلام، كلها تلعب دوراً في زيادة أو تقليل التوتر.
نصائح
وأضافت: السؤال المطروح هنا كيف ممكن مساعدة الطالب للتخلص من القلق الامتحاني؟ ينبغي للطالب تعلم مهارات الدراسة الفعالة من خلال، تحديد الأهداف (وضع أهداف واضحة ومحددة لكل جلسة دراسية، سواء كانت قصيرة الأمد، مثل إنهاء فصل معين، أو طويلة الأمد مثل التحضير لامتحان)، تنظيم الوقت (وضع جدول زمني محدد للدراسة يومياً والابتعاد عن المشتات)، المكان المناسب للدراسة، تقسيم المواد (تجزئة المواد أو المعلومات إلى أجزاء صغيرة، تساعد على تسهيل التعلم والفهم)، طرق وأساليب متنوعة للدراسة مثل (الخرائط الذهنية، الملاحظات، والرسوم البيانية)، ما يساعد على تعزيز الفهم والتذكر، التغذية الراجعة والتقييم الذاتي، وذلك من خلال حل الاختبارات والنماذج الامتحانية السابقة)، وهذه الطريقة تعزز الذاكرة وتساعد على تحديد المجالات، التي تحتاج إلى تحسين، ولا يمكن أن نغفل أهمية الاستراحات المنتظمة والتي توزع بحسب قدرة الطالب على التركيز تتراوح بين ١٥ د و٣٠ دقيقة، وموضوع الطعام الجيد والنوم الكافي مهمان جداً، لأنه يؤثر في القدرة على التركيز والتعلم، وتدريب الطالب على التنفس العميق، بالإضافة إلى الاسترخاء العضلي والذهني جداً مهم، ويتمثل باستدعاء الأفكار الإيجابية مكان السلبية عن الذات والقدرة (أنا أستطيع بدلاً من أنا لا أستطيع)، (النجاح والتفوق بدلاً من الفشل).
الدعم الأسري
وأشارت إلى أنه لا بد هنا من التركيز على دور الأهل في تحفيز الطالب وتشجيعه، وتقبل قدراته ومساعدته على التعبير عن نفسه، والتكلم عن الصعوبات التي تواجهه لأجل التغلب عليها معاً، والتحدث مع الطالب بإيجابية، وتقبل مشاعر القلق لديه الناجمة عن الامتحان، بمناقشة كل التوقعات السلبية والإيجابية، تعرف نقاط القوة والضعف لدى الطالب والتعاون على تجاوزها بتقديم أشكال الدعم المطلوبة، التحدث عن نماذج ناجحة في الحياة تكون قدوة للطالب تحفزه وتشجعه على امتثالها.
ولفتت إلى أن التركيز على النجاح في الامتحان، يساعد على الاسترخاء، والشعور بالرضا والارتياح، ويعطي الإيحاء بأن المعلومات سوف تأتي تباعاً.
وفي هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، من المهم أن يرى الطالب في أهله ملجأً لا عبئاً إضافياً، والتركيز على النجاح وليس الفشل لأنه مفتاح الأداء الجيد.