الحرية – لوريس عمران :
في زمنٍ تتقاطع فيه خطوط السياسة والاقتصاد مع خيوط الغبار والمناخ، تخرج سوريا من رماد الحرب لتقف على منبر العالم في مؤتمر المناخ COP30، حاملةً صوت الأرض التي احترقت وصمدت وأزهرت من جديد.
في بليم، قلب الأمازون، حيث تتنفس الغابات ويُقاس نبض الكوكب، تتجدد ملامح الدبلوماسية السورية بوجهٍ أخضر، وبخطابٍ يعيد إلى الواجهة مفهوم العدالة المناخية بوصفه امتداداً للعدالة الإنسانية.
من رماد الحرب إلى خُضرة الدبلوماسية
من هذا المنطلق، يرى الخبير الاقتصادي في جامعة اللاذقية الدكتور علي ميا أنّ المشاركة السورية ليست حدثاً بروتوكولياً، بل تحوّل استراتيجي في فهم التنمية، حيث تصبح البيئة رأس مال المستقبل، لا ترفاً بيئياً يُضاف إلى قائمة الشعارات.
وأوضح الدكتور ميا لصحيفة «الحرية» أنّ مشاركة الرئيس أحمد الشرع في مؤتمر المناخ العالمي COP30 تُشكّل منعطفاً محورياً في الدبلوماسية السورية الحديثة، معتبراً أنّ الخطاب البيئي لم يعد ترفاً سياسياً، بل أصبح أحد أعمدة السيادة الاقتصادية والتنمية المستدامة في العالم المعاصر.
وأضاف إنّ موقع المؤتمر في مدينة بليم البرازيلية، بقلب الأمازون، يمنح الزيارة رمزية مضاعفة، إذ تلتقي في هذا المكان روح الطبيعة مع طموح الإنسان، مؤكداً أنّ سوريا تسعى من خلال مشاركتها إلى إعادة تعريف صورتها الدولية عبر بوابة المناخ، وإظهار قدرتها على الانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة البناء الأخضر.
الاقتصاد الأخضر… من الترف إلى الضرورة
وأشار الدكتور ميا إلى أنّ الاقتصاد السوري، رغم ما واجهه من دمار وتراجع، يمتلك مقومات نهضة بيئية واقتصادية حقيقية إذا ما توافّرت آليات تمويل عادلة، لافتاً إلى أنّ العدالة المناخية لا يمكن أن تتحقق ما لم تعترف الدول المتقدمة بمسؤوليتها التاريخية عن الانبعاثات وتأثيرها على التغير المناخي، وتلتزم بتقديم الدعم الفني والمالي للدول المتضررة من آثار التغير المناخي والحروب معاً.
وبيّن أنّ إعادة تشجير الغابات، واستثمار الطاقة الشمسية والرياح، وإصلاح البنى الزراعية المتضررة، تُشكّل محركات أساسية لتعافي الاقتصاد السوري، مشدداً على أنّ الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر ليس خياراً تجميلياً، بل ضرورة وطنية لضمان الأمن المائي والغذائي في السنوات المقبلة.
وكشف أنّ سوريا بدأت بالفعل خطوات أولية في إدماج البُعد البيئي ضمن خطط التنمية الوطنية، مؤكداً أنّ المشاركة في مؤتمر بليم ستفتح آفاق تعاون جديدة مع دول الجنوب العالمي، خاصة تلك التي تشترك مع سوريا في التحديات المناخية والاقتصادية، ما يعزز مفهوم «الشراكة الخضراء» الذي يطرحه الرئيس الشرع كمنطلق لمرحلة جديدة من العلاقات الدولية.
وفي ختام حديثه، شدد الدكتور ميا على أنّ الاقتصاد لا يمكن أن ينفصل عن المناخ، فكل استثمار في البيئة هو استثمار في الإنسان أولاً، مشيراً إلى أنّ الرؤية السورية الحالية تمزج بين الواقعية الاقتصادية والمسؤولية البيئية، وأنّ العالم سيشهد من بليم ولادة خطاب سوري جديد، عنوانه: العدالة المناخية من أجل التنمية والسلام.
سوريا الخضراء تولد من رمادها
حين تختلط رطوبة الأمازون بعطر تراب الفرات، يولد خطاب جديد يحمل اسم «سوريا الخضراء»، سوريا التي تعلّمت من رمادها كيف تزرع الحياة من جديد، ما بين تحديات الحرب وضغوط المناخ، تتشكّل ملامح اقتصاد مقاوم ومستدام، يرى في العدالة البيئية جسراً نحو العدالة الاجتماعية.
وكما أكد الدكتور ميا، فإنّ من يملك القدرة على إنقاذ بيئته، يملك أيضاً القدرة على إعادة بناء وطنه، وفي بليم حيث لا تُزرع الأشجار فحسب، بل تُزرع أيضاً بذور سيادة جديدة، قوامها الإنسان، وظلّها الأخضر الممتد من الفرات إلى الأمازون.