بنية مصرفية “قديمة”.. حاجة كبيرة إلى قانون يضمن استقلالية وحيادية” المركزي”

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – سامي عيسى:
على ما يبدو القطاع المصرفي له حظوة كبيرة اليوم لدى الحكومة، كغيره من القطاعات الاقتصادية والخدمية، التي تحاول إعادتها إلى ميدان العمل بحلة جديدة، وإنهاء كافة المشكلات العالقة منذ عقود، وهذه مسألة تحتاج إلى مزيد من الوقت، وإمكانات كبيرة، ولابدّ أن تتفق مع ما هو مطلوب في هذه المرحلة الدقيقة، من حيث الإمكانات المادية والبشرية والفنية وغيرها ذلك خدمة للنهوض بواقع المصارف وطريقة أداء خدماتها..
ولكن لابدّ من دراسة الواقع الفعلي لها، من حيث البيئة الإدارية والقانونية والخدمية، وحتى آلية العمل وفق منظور رؤيتها للمرحلة المقبلة..
لكن يبقى السؤال هنا: هل تستطيع الحكومة، ضمن الظروف الحالية تنفيذ هذه الرؤية وفق بنك الأهداف الذي وضعته..؟

شهدا: المصارف الإسلامية قطاع جاذب للاستثمارات الأسرية

سحب وإيداع
الخبير الاقتصادي عامر شهدا لديه ما يفيدنا بهذا المجال، ويوضح الكثير من الأمور خلال لقاء ” الحرية” معه مؤكداً فيه أنّ القطاع المصرفي في سوريا، يعاني مشكلتين أساسيتين، الأولى في “التقانة” وهذه مرتبطة بموضوع الصرافات والربط الإلكتروني مع المصارف وفيما بينها، والثانية مرتبطة بالكادر البشري والقوانين الناظمة لعمل هذه المصارف..
وبالتالي من المفروض العمل على حلها، إن كان على مستوى التقانة، أم الإدارة والقوانين، والإجراء القانوني يجب أن يبدأ باستقلالية مصرف سوريا المركزي الذي يسمح له العمل بحرية خلال المرحلة القادمة، وجميعنا يعلم بحجم القيود التي كانت تفرض على المركزي سابقاً من قبل الحكومات السابقة، وهذا يؤكد عدم الاستقلالية الحقيقية في العمل، ما زاد التعقيدات والمشكلات..!
أما من ناحية الكادر البشري فقد كان خلال السنوات العشر الماضية وما قبلها حركة المصارف محصورة بإطار السحب والإيداع، ونحن نعلم دورها في إطار السندات المالية، ومنح الكفالات الداخلية والخارجية، والاعتمادات المستندية، التي تعتمد على العلاقات الخارجية، وموضوع “سويفت” أيضاً معظم الكوادر لم تتدرب على استخدامه، وخاصة العمل فيه يعتمد على نظام رسائل سرية خاصة، لضمان عدم تعرضها للمخاطر..
وهذا يدخلنا إلى موضوع الكوادر العاملة فيه، والتي غاب عنها التأهيل المطلوب خاصة في البرمجيات، علماً أنه كان هناك معهد تدريبي للمصرف المركزي، والمصرف التجاري السوري، لكن مواكبة الجديد في العمل المصرفي كانت ضعيفة إلّا في بعض الجزئيات، ناهيك بمشاركة الكوادر في البعثات الخارجية لاكتساب الخبرات، الأمر الذي يفرض على الحكومة اليوم التوجه نحو إعادة تأهيل الكادر المصرفي بما يواكب التقانة والتكنولوجيا المتطورة في هذا المجال بالتعاون مع جهات دولية عبر اتفاقيات وغيرها خاصة في مجال البرمجيات، علماً أن هناك تجارب سابقة وتمّ تدريب حوالي 19 شخصاً من قبل الاتحاد الأوروبي في العام 2000 على إدارة المصارف واستخدام البرمجيات، وأنصح اليوم البحث عنهم، والاستفادة منهم، لأن البرمجيات التي ينوي إدخالها للقطاع هي ذاتها، وخاصة بعد إعلان المركزي تطوير كادره البشري وخبراته، وتعهد جمعية المصارف العربية بتدريبه.
إرباك مصرفي
“شهدا” يرى عدم وجود رؤية واضحة في مجال العمل المصرفي، خاصة لجهة التأهيل والتدريب، لأنه حتى تاريخه لم يتم إعلان حكومي من مصرف سوريا المركزي، رغم بعض الخطوات واللقاءات المعلنة مع جهات خارجية، كالاجتماع الأخير مع رئيس الاتحاد العربي للمصارف الذي زار دمشق مؤخراً، ومن المفروض أن يكون هناك اجتماعات متتالية لوضع الخطط اللازمة لانتقاء الكوادر والخبرات لتدريبها لقيادة المرحلة، وخاصة أنّ لدينا تجربة سابقة مع الأكاديمية المصرفية التابعة للاتحاد الأوروبي، وعملية الانتقاء الدقيقة للكوادر وإجراء الدورات التدريبية، التي شملت معظم مجالات العمل المصرفي، وللأسف بقي الحال كما هو منذ ذالك الوقت، الأمر الذي فرض حالة من الإرباك في العمل المصرفي لأن معظم هؤلاء المدربين والخبرات قد هاجروا، وانتشروا في بلدان أخرى، يعملون في شركات عالمية استفادت من خبراتهم وعلومهم المصرفية، وخسر قطاعنا المصرفي خيرة الكفاءات والخبرات..

خبرات مهاجرة..!
وفي رأي “شهد ” أن هذا الواقع يحمل ضرورة حتمية المعالجة، قبل أن ينهار قطاعنا المصرفي، في ظل ظروف تسمح له بذلك، لأنه يعيش واقعاً مترهلاً، مع شح في الإمكانات المادية والتقنية، وعلى الحكومة، ضرورة الاستفادة مما تبقى من إمكانات، والبحث عن الاستفادة من الخبرات المتوافرة في المصارف، أو الاعتماد على الخبرات العالمية في مجال العمل المصرفي لتطويره وخاصة المنظمات الدولية والاتحادات المصرفية العالمية، وتمنى على القائمين اليوم عن الكفاءات التي استفادت من الدورات المصرفية السابقة ” داخل وخارج سورية” وخاصة في الأكاديمية المصرفية للخدمات التابعة للاتحاد الأوروبي، وهذه خبرات لا يستهان بها في مجال العمل المصرفي، وتستطيع الحكومة تجميعها والتشبيك معها، ومع المنظمات الدولية كالاتحاد العربي للمصارف، والمصارف المركزية العالمية، والبحث معها عن طرق المساعدة والتعاون لتأهيل الكوادر الوطنية المتوافرة في المصارف العامة، لكن الأهم الخبرات السورية وعودتها بعد أكثر من 30 سنة هجرة، اكتسبت فيها خبرات لابدّ من الاستفادة منها في تطوير العمل المصرفي في سوريا..
واقع مقبول
لكن هذا واقع لا يمكن تجاهله، كيفما كانت الحسابات على مستوى الحكومة، أم على مستوى جهات عاملة في هذا القطاع، لأن الجميع مرتبط فيه، ومتأثر به سلباً أم إيجاباً، لذلك لابدّ من عملية إصلاح تأخذ في الحسبان كل المكونات القابلة للتأهيل والتدريب وإعادة البناء من جديد، وهنا قدم ” شهدا” مقترحات مهمة تتعلق بتطوير البنية التحتية والخدمية، في مقدمتها وجود قانون يضمن استقلالية مصرف سوريا المركزي، بقصد إعطائه القوة الحيادية اللازمة للمحافظة على التوازن الاقتصادي بالبلد، وخاصة أننا داخلون على اقتصاد تنافسي حر، وبالتالي للمركزي دور كبير في ذلك، للمساهمة في تقديم البيئة الملائمة التي تسمح بتقديم درجات نمو عالية، من خلال السياسة النقدية المرنة مع المصارف الأخرى، وضبط الكتل النقدية المتداولة في الأسواق..
وهنا لا نريد القول إن المصارف لدينا في وضع سيئ جداً، بل لدينا مقومات وفرص متاحة لتحقيق استثمار جيد سواء على مستوى الكوادر، أم على مستوى البرمجيات، وبالتالي البرامج التي تستخدمها المصارف العاملة، برامج عالمية، إضافة إلى برامج محلية تمت إضافتها للعمل المصرفي من قبل خبرات وكفاءات وطنية، فلدينا إمكانات وبنية تحتية ضخمة يمكن تطويرها كشبكة” الآرتي “، وشبكة الصرافات الآلية، فهي موجودة مع بنيتها التحتية، وإمكانية التوسع بها، إضافة لاستخدام أدوات الدفع الكتروني في المحال والمواقع التي تمارس العمل الاقتصادي في الأسواق المحلية.

حسابات الفرق
ونعتقد اليوم أنّ سورية بحاجة للتوسع في العمل المصرفي الإسلامي، وخاصة أنّ للمصارف الاسلامية تجربة رائدة بأسواق الدول المجاورة، مع احتمالية القيام بعملية دمج للمصارف المحلية، وتصبح مصارف إسلامية تقليدية، على سبيل المثال المصرف التجاري السوري، يمكن أن يكون شركات تمويل إسلامية، أو مصرف إسلامي استثماري، وهذا يحتوي على بعض المخاطر في العمل والعوائد، لأسباب مختلفة مرتبطة بطبيعة العمل، وبالتالي أغلب عمليات العمل المصرفي فيها تعتمد على الاحتفاظ  بالأصول الحقيقية في الحسابات الدفترية، وهنا المخاطر والعوائد تختلف من العمل المصرفي الإسلامي والتقليدي، فالتقليدي يعتمد نظام الفوائد، وهذا محرّم في المصارف الإسلامية باعتبارها تقوم على مبدأ الاحتواء المالي، أي يجوز للجميع التعامل معها دون الخروج عن قواعد الشريعة..
ويرى ” شهدا” ضرورة وجود دور مميز  للمصارف الإسلامية في هذه المرحلة لكونها تقوم بدور اجتماعي متقدم، كما هو الحال في السعودية والإمارات، ومعظم الدول العربية، وهذه النقطة مهمة جداً لسوريا في هذه الظروف، لحاجتها لمزيد من الدعم المالي وغيره، وخاصة القطاع الثالث الذي يعنى بالجمعيات الخيرية والمجالات الإنسانية..
ومن المنطق الاقتصادي والضروري جداً التعامل مع المصارف الإسلامية، لأنها قطاع جاذب للاستثمارات الأسرية التي تساعد إلى حدّ كبير في إنشاء المشاريع التنموية، والتي بدورها تؤمن فرص عمل متنوعة تؤدي بالضرورة إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتحقيق تنمية مستدامة على مستوى جميع مكونات الوطن.

Leave a Comment
آخر الأخبار