الحرية – مركزان الخليل:
بالتأكيد ما قامت به دولة قطر بدعم قطاع الطاقة الكهربائية بواردات من الغاز لزوم تشغيل محطات الوقود إجراء في محله، في الوقت الذي يعاني فيه هذا القطاع شحاً كبيراً في مستلزماته في مقدمتها: الوقود سواء من الغاز أم من الفيول، وبالتالي أي إجراء يصب في خدمة هذا القطاع وزيادة فاعليته هي خطوة إيجابية نحو تخفيف الضغط عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم نتيجة الحرب وآثارها السلبية على كل القطاعات.
مؤازرة بأبعاد متكاملة
الخبير الاقتصادي في مجال الطاقة والصناعة الدكتور زياد عربش قال في تصريحه لصحيفة “الحرية “: إن هذه المبادرة تأتي بسعي دولة قطر الخيرّة مع فاعلين آخرين، لمؤازرة سوريا في محنتها المتعددة الجوانب، وفي ظروف دقيقة للغاية، وبما يسهم في دعم الاستقرار ككل في المنطقة، وليس فقط تأمين إمدادات الغاز لقطاع حيوي بامتياز لسوريا، وذلك لعدة أبعاد جوهرية ومتكاملة، وعملياً نجحت إحدى الحلول التي كانت تسعى إليها الحكومة مع عدد من الدول الصديقة في المنطقة، (وبعض الكيانات والأفراد كخبراء أو كمستثمرين) بتوفير إمدادات الغاز الطبيعي، تمويلياً عبر الخط العربي ومن الأردن إلى سورية، ليساهم في توليد الكهرباء بمعدل أولي قد يصل إلى 400 ميغاواط، وهذه الاستطاعة تعني زيادة تأمين التيار للمستهلكين (التجاري والخدمي والسكني) بمعدل ساعتين تقريباً، وقد يصل إلى 3 أو حتى 4 ساعات في حال زيادة كميات الغاز الواصلة إلى محطات التوليد في سوريا.
تصورات للحل
وفي رده على سؤال”الحرية” حول الحلول السريعة المطلوب توافرها خلال المرحلة الحالية قال “عربش”: فيما يتعلق بالماضي القريب، وبعد الدراسات السابقة والتشخيص الحالي، تم وضع عدة تصورات، حاملة لحلول قابلة للتطبيق منها: إمكانية استجرار عاجل للكهرباء من تركيا أو الأردن أو من دول أخرى كالسعودية لطالما الشبكة السورية مربوطة بالشبكة العربية والإقليمية.
والتصور الآخر عبر البحر أي استجرار محطتي توليد لتركن في المياه الإقليمية السورية ليوصل الحمل المتولد للشبكة السورية.
إلى جانب تصور آخر يكمن في إمكانية الحصول من منطقة شرق الفرات على النفط لتكريره بحمص أو بانياس أو الغاز الطبيعي ليعالج بالمحطات ويتم التوليد من المحطات الحالية السورية خارج مناطق “قسد”، والعمل على زيادة إنتاج النفط والغاز داخلياً، مع تصور آخر استيراد الخام أو الفيول لغرض التوليد، دون تجاهل استعجال محطات الطاقات المتجددة.
عربش: تأمين استدامة التوريد يمنع انهيار الشبكة والبدء بإنقاذ الحالة الإنتاجية والخدمية
واليوم تم تنفيذ خيار زيادة قدرات التوليد المحلية من خلال هذه المبادرة، لكن كما كنا نصرخ من عدة سنوات، والآن، وإن شاء الله لاحقاً: كل جهد مهما صغر فهو حميد للغاية ومشكور جداً، لكن لا بديل عن الحلول الأخرى وبالتوازي وعلى رأسها تخفيض الفواقد بأنواعها والتي أصبحت تتجاوز أي منطق اقتصادي ومجتمعي، وبالتوازي أيضاً مع إيلاء الأهمية الكافية للطاقات الجديدة والعمل بنهج الاستدامة.
والسؤال المطروح هنا على بساط البحث يتعلق بالنتائج التي ستظهر على المبادرة بعد التشغيل، والتي يرى فيها “عربش” أن تأمين هذه الكميات وبعد جهود مكثفة للغاية، يبعد خطر انهيار الشبكة التي هي بالأصل متهالكة، حيث كان وعي جميع المعنيين بأهمية التحرك السريع، فقطاع الكهرباء يمثل الآن أحد أهم أعناق الزجاجة للنهوض بالاقتصاد وانتشاله من الدمار، حيث تساعد ساعات الوصل الإضافية، بتجاوز حدود حرجة كثيرة ولكامل فئات المجتمع: من إقلاع النشاط الإنتاجي والخدمي والتخديمي، والورش الصناعية والتجارية وقطاع الخدمات والزراعة إلى زيادة ساعات الخدمة لقطاعات المرافق العامة والمهمة وإلى المصارف وشبكات الاتصالات وغيرها، فالمبادرة هذه تأتي في وقت تواجه سورية نقصاً حاداً في الإنتاج (حيث يمكن بأفضل الأحوال توليد 1600 ميغا تقريباً نتيجة شح الغاز والفيول)، وهو ما يقوّض لحد بعيد جهود الحكومة لتحسين البنية التحتية الضرورية، وتوفير أحد عناصر البيئة الاستثمارية المطلوبة، ناهيك بالتأثير السلبي على حياة المواطنين.
وبالتالي فإن استمرار صندوق قطر للتنمية (كأحد أهم الأذرع التنموية لسوريا مع صناديق وقنوات تمويلية أخرى) بتمويل كامل سلسلة الإنتاج، طالما أن بنية شبكة الإمداد تم استعجال تجهيزها في الأشهر المنصرمة، وتقديم الدعم الفني والتقني والمعرفة العملية التشغيلية لأي حلقة من حلقات الإنتاج والتوليد لغاية الاستهلاك النهائي، وفي فروع الطاقة الأخرى، ولمحركات النمو الاقتصادي (الصناعة، الزراعة، المصارف، بالإضافة لقطاعي الصحة والتعليم، وقطاعات حيوية أخرى بما فيها المياه والسكن لتأمين العودة الكريمة للمنكوبين والمهجرين) يعني فيما يعنيه عودة الاستقرار ولكافة المناطق (وخاصة بعد التفاهمات الأخيرة مع “قسد”) وبالتالي زيادة الاندماج
الاقتصادي بعد تقطع أوصال البلد وزيادة التبادل التجاري باتجاه تركيا والأردن والعراق ولبنان، فاستعادة منظومات الربط الطاقوي (الغاز وشبكة الكهرباء) يعني توفر العنصر الأساسي للإقلاع الجوهري في أنشطة الإنتاج وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.
حلول مستدامة
وهنا يؤكد “عربش” خلال الأسابيع التالية لا بد من التفكير الجدي في استعجال الحلول المستدامة وتوظيف كافة الجهود نحو ذلك وعلى رأس هذه الحلول:
تخفيض الفواقد وبأي ثمن ومهما بلغ كون العوائد المتراكمة تفوق كل اعتبار، أي وضع خطة فعلية لمواجهة النزيف وتهالك القطاع لجهة الفواقد التي تصل إلى ٥٠% (أو أكثر بريف دمشق وحلب)، حيث من غير المعقول زيادة القدرة على التوليد بعد الآن دون التصدي لهذه القضية.
وبالتالي المسألة أيضاً مرهونة بتجاوز عدة أعناق زجاجات، فحتى لو توفر تمويل بسيط، فأي جهة لن تكون قادرة تشغيلياً وإدارياً على التتفيذ في حال لم يتم حل مثلاً إشكالية التسعير، فمثلاً كيف لمنتج الكهرباء من الطاقات المتجددة أن يسترد تكاليف الكيلو واط (opex capex) ولم تهيكل التعرفة!
لذلك من هنا سعت الإدارة الجديده إلى معالجة اختلالات جوهرية سابقة، كوصول التغذية المجانية لمناطق معينة، وليس فقط عسكرية، وخطوط سميت باستهزاء رسمي بالخطوط الذهبية مقابل حرمان مناطقة بأكملها من الشبكة ولجوء قاطنيها لدفع ثمن الإمبيرات!! صِيغت خطة (على عجل مع بداية الشهر المنفرط) على ثلاث مراحل: الأولى لشهرين كمرحلة عاجلة تستهدف زيادة ساعات الوصل بساعة إضافية لتصبح قدرة التوليد كافية وإن بالحد الأدنى بعد ثلاث سنوات، لكن من الصعب جداً بلوغ المواءمة المستدامة للعرض مع الطلب بغياب الرؤية الاقتصادية، حيث يمكن استيراد الفيول أو الكهرباء بحراً وبراً، أو زيادة ما هو متاح داخلياً من النفط والغاز، لكن من سيدفع المليارات هذا إذا تم استعجال تجاوز العقبات الفنية ولم تهيكل الأسعار والعائدية الاقتصادية من أي عملية إنتاجية؟
وهنا حتمية اعتبار الكهرباء أهم عنق زجاجة لاستعادة النشاط الاقتصادي، والمجتمع ككل سيتفهم عدم عقلانية تخصيص ٨٠ -٨٥% من الكهرباء للقطاع السكني مقابل تغذية ضعيفة للمناطق الصناعية ومكلفة جداً بقدرات الصناعيين الذاتية (وغير تنافسية مع الاردن وتركيا).
ويرى عربش أنه قبل إمداد أي فعالية السؤال المركزي المتوجب طرحه يتعلق بالتكلفة الحقيقية الفعلية وليست الدفترية مع العائد الاقتصادي، ليس فقط للمنتج والمستهلك، بل ككل متكامل للاقتصاد والمنفعة المجتمعية (تشغيل توظيف إقلاع بالأنشطة وهكذا) أي cost benefits analysis.
ونعتقد أن السيناريو المعتدل مناسب ولو طبق جزئياً .. فليس المطلوب (رغم طموح الجميع) بلوغ ٧٠٠٠ أو ٩٠٠٠ ألف ميغا كطاقة مركبة، بل يكفي للسنوات الثلاث القادمة مضاعفة التوليد من ١٥٠٠ إلى ٣٠٠٠ شرط تركيب محطات ولو صغيرة ٥ ميغا مثلاً بكل منطقة صناعية(وسكنية) من الطاقات المتجددة ولو بقروض، بدل دفع ٣ ل٤ مليارات دولار لاستيراد السيارات ولاحقاً البنزين وقطع الغيار، أو حتى توصيل التيار من الجنوب إلى الشمال مثلاً أو بالعكس وبفواقد “مرور” وعبور كبيرة مقارنة باستهلاك التيار المتولد من المكان ذاته وهكذا.