الإعلان الدستوري بعد دخوله مرحلة سريان المفعول.. مسار مفتوح على تحديات كبيرة.. تفاؤل عام ‏وموقف دولي لافت

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:
عملياً، نحن في اليوم الثالث من سريان مفعول الإعلان الدستوري بعد توقيعه الخميس الماضي من قبل الرئيس أحمد الشرع، أي إن تنظيم الحياة السياسية والتشريعية والقضائية بات رسمياً تحت سقف ‏دستوري مُحدد ضمن أبواب ومواد تكاد تكون شاملة لمختلف ما تحتاجه سوريا في الفترة الانتقالية الممتدة ‏إلى خمس سنوات، إلى جانب التركيز على وجود لجنة دستورية موازية تعمل على وضع دستور دائم في ‏سياق مسار التنفيذ وما قد يستدعيه من تطوير وتعديل لبعض المواد وفق الحاجات والظروف ‏والضرورات المستجدة.‏

هذا الإعلان الدستوري سيبقى تحت دائرة الضوء والتركيز، أقله في المراحل الأولى لسريان المفعول، ‏خصوصاً وأن التحديات كبيرة، لناحية توسيع دائرة الأمن والاستقرار، وتدعيم المصداقية والثقة في ‏الداخل، وتعزيز ركائز الدولة.. ولناحية الرسائل الموجهة إلى الخارج فيما يخص شكل الحكم والإدارة ‏والدستور والقوانين المعمول بها، بمعنى شكل الدولة والسلطة القائمة، والعلاقة المتبادلة بينها وبين ‏الشعب.‏

هناك شعور عام بالتفاؤل فأن يتم إنجاز إعلان دستوري بفترة تعد قياسية وأن يأتي شاملاً بصورة كبيرة ‏هو أمر مطمئن

 

بالمجمل هناك شعور عام بالارتياح والتفاؤل لدى السوريين، بغض النظر عن كل ذلك الجدل والاختلاف ‏الذي انتشر خلال الأيام الماضية، فأن يتم إنجاز إعلان دستوري بفترة تعد قياسية هو أمر يدعو للتفاؤل، ‏وأن يأتي شاملاً بصورة كبيرة هو أمر مطمئن، وبالعموم فإن ما تم إنجازه خلال الأشهر الثلاثة الماضية ‏ما بعد التحرير في 8 كانون الأول الماضي، لا يُستهان به، بعد 14 عاماً من حرب أنهكت البلاد والعباد.‏

التركيز الأساسي من قبل اللجنة الدستورية كان مُنصبّاً على مسألة أن يكون مناسباً للمرحلة ومنسجماً ‏مع عملية بناء الدولة وتحصينها

 

‏- التركيز على الأولويات
ويبدو أن التركيز الأساسي من قبل أعضاء اللجنة المكلفة بوضع الإعلان الدستوري كان مُنصباً على ‏مسألة أن يكون مناسباً للمرحلة، ومنسجماً مع عملية بناء الدولة وتحصينها، فبقدر ما سعى إلى تكريس ‏مسار فصل السلطات، فلا تتسلط إحداها إلى الأخرى، لا بالعزل ولا بالفرض، بقدر ما سعى إلى حماية ‏هذا المسار بسلطات منحها للرئيس على قاعدة المرجعية (وتحقيق التوازن) والمرحلة الاستثنائية التي ‏تحتاج سلطات استثنائية للرئيس في بعض القضايا.‏
التركيز الثاني كان على مسألة الحقوق والحريات، لا ينكر السوريون أنهم كانوا بانتظار ما سيخرج به ‏الإعلان الدستوري حول هذه المسألة بالذات، باعتبارها تمس جوهر حياتهم، اليومية والعامة، وبالنظر ‏إلى مواد الإعلان الدستوري فإن هذه المسألة جاءت مستوفاة بدرجة مرضية، بحيث كانت خارج دائرة ‏الجدل والاختلاف.

وحسب المواد المعنية هنا- وفق باب الحقوق والحريات- فإن الدولة: ‏
‏- تكفل حقوق المواطن وحرياته.‏
‏- تصون حرمة الحياة الخاصة.‏
‏- تكفل مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.‏
‏- تصونُ كرامةَ الإنسان وحرمة الجسد.‏
‏- تحفظ المكانة الاجتماعية للمرأة وتكفل حقوقها الاقتصادية والسياسية وحقها في التعليم والعمل وتحميها ‏من جميع أشكال القهر والظلم والعنف.‏
‏- تعمل على حماية الأطفال من الاستغلال وسوء المعاملة وتكفل حقهم في التعليم والرعاية الصحية.‏
‏- الأسرة نواة المجتمع، وتلتزم الدولة بحمايتها.  ‏
‏- كلُّ اعتداء على الحياة الخاصة يعدُّ جرماً يُعاقب عليه القانون. ‏
‏- للمواطن حرية التنقل، ولا يجوز إبعاده عن وطنه أو منعه من العودة إليه.‏
‏- العمل حق للمواطن وحقُ الملكية الخاصة وملكية الأموال مصون.‏
‏- المساكنُ مصونة ولا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة قانونياً.‏
إلى جانب مواد أخرى حول العقوبات والجرائم والتقاضي والطعون والتوقيف والاحتفاظ وتقييد الحريات، ‏وجميعها مشروطة بما تنص عليه القوانين.‏

‏- أولوية الحفاظ على الدولة
التركيز الثالث كان على شكل الدولة والحكم، والذي كان محلَّ ترقب الداخل والخارج، فجاء الإعلان ‏الدستوري ليحافظ على نظام الحكم الجمهوري وسلطاته ومؤسساته الأساسية (الرئاسية والتشريعية ‏والتنفيذية والقضائية.. والعسكرية) وشكل الدولة الموحدة، هويتها وانتماؤها، وغير ذلك مما يضمن تجاوز ‏المرحلة الانتقالية نحو دولة متكاملة الأركان.‏

ولأن المُجادلون في الإعلان الدستوري توقفوا عند شكل الدولة والحكم وتوزيع السلطات، ربما يفيد هنا ‏التذكير بتعريف الإعلان الدستوري- كنوع من الرد على هؤلاء – باعتباره «وثيقة ذات طابع دستوري ‏تصدر عن سلطة حاكمة غير منتخبة، سواء كانت مجلساً عسكرياً أو حكومة انتقالية، بهدف تنظيم شؤون ‏الحكم خلال فترة معينة من أجل إعادة هيكلة الدولة ووضع نظام جديد، سعياً للوصول إلى المرحلة ‏الدائمة».. «وغالباً ما تكون الفترة المعنية انتقالية بعد ثورة أو انقلاب أو سقوط نظام سابق، حيث يغيب ‏الدستور عند انهيار النظام السياسي، ما يجعل من الإعلان الدستوري حاجة ملحة لتوضيح صلاحيات ‏السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية خلال المرحلة الانتقالية».‏

هذا ينطبق على سوريا. لكن المسألة المهمة هنا هي التحلي بالصبر والوعي/العقلانية، في النظر إلى ‏المرحلة الانتقالية وإلى الإعلان الدستوري، وانطلاق التقييم لهما من نظرة واقعية حتى فيما يبرز من ‏تحديات خلال مسار التنفيذ (أي سريان المفعول). لن يكون هذا المسار سهلاً.

التحديات متوقعة، وبروز ‏ثغرات ونقص في بعض المواد عند التنفيذ أمر متوقع، عندها سيكون على عاتق السلطات المسؤولة، ‏خاصة التشريعية، أن تقوم بدورها في تصحيح وتطوير الصيغ والمقاربات الدستورية. هذا الإعلان ‏الدستوري ليس حالة ثابتة، بل تم وضعه للوصول في نهاية المطاف إلى دستور دائم يحظى بقبول جميع ‏السوريين، على أن يكون منهج التفكير بعقلية الدولة، العقلية الجمعية في بناء الدولة وقوتها، وليس بعقلية ‏أفراد (ومكونات).‏

‏- ما يُناسب المرحلة
وسبق لأعضاء اللجنة الدستورية التأكيد غير مرة أنهم سعوا قدر الإمكان للابتعاد عن المسائل الإشكالية ‏والقضايا الجدلية في سبيل تحقيق أوسع توافق ممكن، وأنه تم الرجوع إلى دساتير سورية سابقة (لا سيما ‏دستور الاستقلال 1950) وإلى ما هو متوافق عليه منذ عقود بين السوريين، مشيرين إلى أن الإعلان ‏الدستوري أفضل من الفراغ الدستوري وأن المسألة الجوهرية أنه حافظ على شكل الحكم الجمهوري ‏وشكل الدولة الموحدة.‏

عضو اللجنة الدستورية أحمد قربي اعتبر أن تهيئة البنية المناسبة لإعادة بناء مؤسسات الدولة والأحزاب ‏وترميم الحياة السياسية، يتطلب نوعاً من الوقت الطويل، ولذلك امتدت الفترة الانتقالية إلى خمس سنوات. ‏وقال: نصف الشعب السوري بين نازح ولاجئ، وإيجاد البنية التحتية من حيث الوثائق المدنية والثبوتيات ‏يحتاج ما يقارب 3 سنوات، لذلك نحتاج  مدة كافية في الفترة الانتقالية التي تهيئ الانتقال لمرحلة دائمة ‏تتسم بالاستقرار.‏

وأكد قربي أن وجود الدولة له الأولوية، وقال: كنا نتمنى الانتقال سريعاً لحالة استقرار يتم فيها إجراء ‏انتخابات وكتابة دستور، لكن عدم توفر الظروف المناسبة يحول دول ذلك خصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار ‏حالة السكان آنفة الذكر بين لاجئ ونازح وتطلع الناس لتحسين حياتهم المعيشية والعملية إلى جانب ‏انتشار السلاح، وهي تحديات يستحيل معها إجراء انتخابات. ‏

بالمجمل، هناك رؤية عامة بأنه مناسب للمرحلة من جهة، ويؤسس لمرحلة جديدة هي مرحلة بناء الدولة ‏وتعزيز الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، من جهة ثانية.. وهذا ما يريده السوريون ويترقبونه. ‏

‏- الموقف الدولي
على الأكيد كان هناك تخوف من رد فعل دولي سلبي، خصوصاً وأنه جاء بعد توترات أمنية ومواقف سلبية.
لكن يبدو أن هناك نظرة دولية واقعية تتركز على أنه لا بد من المضي قدماً، ولا بد من تسنيد ما تقوم به ‏القيادة السورية الجديدة، ورؤية وتقييم النتائج على الأرض.‏

المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون رحب بالإعلان الدستوري، معتبراً أنه «يشكل إطاراً ‏قانونياً لانتقال سياسي شامل وذي مصداقية حقيقية وجادة». قائلاً: نرحب بالخطوات الرامية إلى استعادة ‏القانون.. هذا التطور قد يسد فراغاً قانونياً مهماً. وأضاف: التنفيذ السليم سيكون أمراً أساسياً.‏

رد الفعل الدولي يركز على أنه لا بد من المضي قدماً ومن تسنيد ما تقوم به القيادة السورية ورؤية ‏وتقييم النتائج على الأرض

مع هذا الموقف الأممي، بدا أن الموقف الأميركي يسير في الاتجاه ذاته، وكان هناك نوع من ‏التصريحات المُرحبة، وإن بشكل غير مباشر. وهذا يُضاف إلى الموقف الأميركي من الاتفاق بين الدولة ‏السورية وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» ومسألة أنه تم بتشجيع أميركي للمكون الكردي على التوجه ‏نحو الاندماج في الدولة السورية الجديدة. هنا لا بد من إيراد مسألة أن المكون الكردي الذي أعرب عن ‏خيبة أمله من الإعلان الدستوري، لم يَقُل بأنه سيقف ضده، ولم يقل بأنه سيؤثر على الاتفاق مع الدولة ‏السورية، وهذا أمر إيجابي.‏

الأمر نفسه يمكن أن يُقال عن الموقف الأوروبي، خصوصاً وأن الاتحاد الأوروبي سيعقد «اجتماع ‏مانحين» جديداً في بروكسل غداً الاثنين، ومن المقرر أن يشارك وزير الخارجية أسعد الشيباني، وهو ‏اجتماع يتم التعويل عليه بصورة كبيرة، ليس فقط على مستوى الأموال والمساعدات، بل على مستوى ‏توسيع خطوات رفع العقوبات.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار