الحرية- هويدا محمد مصطفى:
وسيم خضر شاعر أخذته شاعريته إلى عالم متماوجٍ مابين الواقع والخيال، يكتب قصيدة النثر والهايكو. وتتميز قصائده بالفلسفة والبلاغة الشعرية ذات الدلالات والرمزية. شاعر يفتح أبواب القصيدة للعبور بلا حدود . وللتعرف إلى عالم الشاعر وسيم خضر أجرت صحيفة الحرية معه هذا الحوار:
*-لكلّ شاعر بصمته الخاصّة في عالم الأدب، فكيف كانت البداية ؟
– بدايتي كانت خجولة، أشبه بخطوات طفل يتتبّع ظلّه على جدار. ثم شيئاً فشيئاً، وجدت صوتي يتكوّن من تفاصيل صغيرة، من نظرة، من وجع عابر، من انكسار لم ينتبه له أحد. بصمتي تكوّنت حين آمنت أن الشّعر هو طريقتي الخاصّة للنّجاة.
بدأت من الدهشة… حين لم أفهم العالم، فقررت أن أكتبه… حتى صار لي لسان خاص أي (حين عجزت عن النطق كتبت، وحين عجزت عن الفهم رسمت القصيدة..)
آه كم أنت جميلٌ
يا صانع القناديل
من أجزاء ساكنة
ينبثق النّور.
يهمس الغروب –
بلا أجنحة،
الطّيور العائدة
علّمتني الطيران.
*- تكتب قصيدة النّثر والهايكو، أين تجد نفسك أكثر؟ وما الفرق بينهما؟
– قصيدة النّثر تمنحني القدرة على الانسياب بلا حدود، وتمنحني ملء المسافة بين الكلمة والوجع، على التّنفّس بحرّيّة، أما الهايكو فهو صفاء اللحظة، دقّة الشّعور. أجد نفسي فيهما… الهايكو يمنحني تلك الرّوحانيّة المختصرة التي تُشبهُ تأمّلاً صوفيّاً في لحظة برق، ومضة داخلية كشهيق عميق للحظة تمضي.
شاهد هايكو
نافذتها تلتهم الليل
في جوفها القمر
منزل المحبوبة.
ضوء نافذة-
يخترق الظل،
كأنه قلبُ أمٍّ تنتظر.
وشاهد نثري:
في عينيك حتميّة الوجود
بزوغ الفجر،
ابتهال والدتي.
أكتب كمن يرممُ باباً مكسوراً، لا بنتظر الزائرين، بل فقط يريد شيئاً لا يسقط
*- كيف تنظر للعلاقة بين القصيدة والنّقد؟ وهل تعرّضت للنقد؟
– النّقد يشبه الرّياح، إن كانت ناعمة تساعد الطّائرة على التّحليق، وإن كانت عاصفة قد تعوقها. نعم، تعرّضت للنّقد، لكنّني لم أسمح له بأن يهزّ إيماني بالكتابة. بعضه كان جارحاً، وبعضه أيقظني. (الشعر ابن الإحساس، والنقد ابن القراءة
قالوا :قصائدك غامضة
قلت: بل قريبة جداً، لكنها تمشي حافية فوق الجراح، فلا يراها من يرتدي قلباً سميكاً.
سكّين الذّاكرة
على جز ع شجرة
قلب.
*- هل للشّعر زمان ومكان محدّد؟ وهل من طقوس خاصّة للكتابة؟
– الشّعر لا يتقيّد بالزّمن، لكنّه أحياناً يُولد من الظّلّ أو من الضّوء أو من صمتٍ ثقيل، أكتب حين لا يكون هناك أحد، أحتاج إلى العزلة والسّكون الدّاخلي العميق، القصيدة لا تطرق الباب، بل تدخل حين لا تكون مستعداً، أحياناً أكتب على هامش حلم، أو في منتصف الطريق إلى الصمت.
صرخة طفل-
صفير قطار،
الشعر يحتاج، شقاً في الجدار.
منتصف الليل
البحر يرتدي الفضّة،
يحدّث القمر الجبل.
*- ماذا تناولت في شعرك؟ وما أهمّ القضايا التي تحرّضك على الإبداع؟
– كتبت عن الحبّ كفلسفة، عن الغياب كمعنى، عن الوطن كجرح نازف، وعن الذّات كطفل تائه. يحرّضني على الكتابة ذلك الحنين الدّفين لكلّ ما فقدته، أكثر ما يدفعني للكتابة هو صمت الأشياء حين يجب أن تصرخ.
مازلت أبحث
بين نبضات قلبي
عن أمنية اختارت
أن تبقى ذكرى
لقائنا الأول.
كلما مررت على وطن في قلبي سألني وجهي: من تكون؟ وكلما كتبت شعرت بأنني أرجع إلى بيت بلا جدران.
*- ما مدى تأثّر الحركة الثّقافيّة بالواقع الرّاهن؟ وكيف ترى المشهد الثّقافيّ؟
-الحركة الثّقافيّة تتأثّر بالواقع، لكنّها تتجاوزه أيضاً. الثّقافة في زمننا تخوض صراعاً بين الاستهلاك السّريع والتّأمّل البطيء، تعاني ما يعانيه الإنسان في هذا العصر المزدحم بالضجيج، هناك وعي يتشكل لكنه هش ما لم يدعم بحرية التعبير والاستقلال، أراها تنبض رغم كلّ القيود، هناك دائماً من يكتب بصمت.
الحبر يختنق إن لم تفتح نوافذ المعنى والكلمة تهاجر إن لم تجد وطناً ينصت.
الأجراس في الأنا –
صوت مرتفع،
أفعال معدومة.
*- ما القصيدة التي تعتبرها ذاكرتك؟
-قصيدة كتبتها وأنا أترنّح بين الحنين والخوف، وما زالت تسكنني كلّما تساءلت: من أنا في هذا الزّمن؟واختار هذا المقطع
كلما كتبت مذكّراتي
عن عشقي
عدتُ منتشياً
إلى سنّ الرابعةَ عشر
كانت معلّمتي.
وتأثرت بالرّحيل فكتبت:
غادرت دون أن تغلق الباب
وكلما هبّت ريح
ظننتها عائدةً
لكنها كانت فقط… الحياة.
*- برأيك، ما مدى قرب الشّاعر من نصّه ومن الواقع؟ وهل المتلقّي يستطيع كشف ذلك من خلال النّصّ؟
– الشّاعر الحقيقيّ يتسرّب إلى كلماته كما يتسرّب الضّوء من بين ستائر نافذة. المتلقّي الحيّ، النّقيّ، يشعر بالنّفس، يعرف أنّ هذه القصيدة لم تُكتب من فراغ، الشاعر لا يستطيع الكذب كثيراً. النص يكشفه، والمتلقي الصادق يعرف من الكلمة كيف ينبض القلب الذي كتبها.
لا أراكِ بعيني-
جوارحي
تلامسك.
حرارة الحبّ-
في القلب شوق،
لقاء الحبيب.
موجات…
مدّ وجذر،
لذّة لهفتي.
بين أناملي-
تتسرب موجة،
شَعرك.
إن اختياري للابتعاد
يزيدني
قرباً منك.
لا تسأل النص عن صاحبه، أنظر في عيني القصيدة فإن بكت فهو هناك وإن ضحكت… فربما كانت تتهرّب.
*-هل من مجموعات سترى النور قريباً ماهي مشاريعك القادمة ؟
**_أعمل حالياً على إصدار مجموعة تضم قصائد متنوعة بين نصوص الهايكو و النثر. ولدي مجموعة هايكو جاهزة للطباعة تحت عنوان (ظلال القمر) ومجموعة نصوص نثرية تحت عنوان (بين السّطرين) كم أطمح لأن أنهي مجموعة في القصّة القصيرة جداً تحت عنوان (ارتباك الألوان.)